إحالة ضباط للمعاش عقب اجتماع سويسرا: مناورات سياسية أم إجراءات روتينية؟

رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان-صفحة القوات المسلحة

رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان خلال وصوله إلى مطار الخرطوم -صفحة القوات المسلحة


أمستردام: الخميس 21 أغسطس 2025 – راديو دبنقا
تقرير: سليمان سري

أثارت القرارات التي أصدرها القائد العام للجيش السوداني الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان في 11 أغسطس 2025، بالتزامن مع عيد الجيش، بإحالة عدد من كبار الضباط إلى التقاعد – ومعظمهم من الدفعة 40 – ردود فعل واسعة.

وأعقب تلك القرارات اعتقال اللواء عبد الباقي بكراوي، المتهم بالتورط في محاولة انقلابية خلال الفترة الانتقالية، والذي كان يخضع لمحاكمة عسكرية قبل أن يتم تعطيل إجراءاتها والإفراج عنه، ثم إعادته إلى موقعه في الجيش كنائب قائد سلاح المدرعات عقب انقلاب البرهان على الحكومة المدنية برئاسة عبد الله حمدوك.

لكن بعد صدور قرارات البرهان بإحالة 26 لواء و53 عميد للمعاش، تم اعتقال بكراوي مجدداً على نحوٍ مفاجئ، رغم مشاركته في حرب 15 أبريل 2023، أو ما تسميه السلطة الحاكمة حرب “الكرامة”.

وقد ربط بعض المراقبين هذه القرارات بظروف اللقاء الذي جمع البرهان بالمستشار الأمريكي للشؤون الإفريقية، مسعد بولس، في سويسرا يوم 11 أغسطس 2025، معتبرين أن الخطوة جاءت تمهيداً لانطلاق مرحلة جديدة من الحوار، في ظل ضغوط دولية تطالب بإبعاد الإسلاميين من المؤسسة العسكرية.

في المقابل، رأى آخرون أن قرارات الإحالة والاعتقال كانت مناورة سياسية تهدف إلى طمأنة المجتمع الدولي بأنها تُبعد الإسلاميين من الجيش، بينما أكد بعض العسكريين أن هذه التحركات روتينية ولا تنطوي على أي توجه سياسي أو محاولة للتخلص من فئة ما داخل الجيش.

اعتقال بكراوي: تصفيات؟

رأى القيادي بحزب المؤتمر الشعبي كمال عمر عبد السلام في حديثه لـ”راديو دبنقا” أن تلك القرارات محاولة للتخلص من الإسلاميين داخل الجيش، واصفاً الخطوة بأنها “شكلية لا تخلو من مناورة”، قبل أن يتساءل: “لكن هل يستطيع البرهان المناورة كثيراً؟ لا أعتقد”. وضرب مثلاً بالاتفاق الإطاري الذي انتهى بإشعال الحرب.

في المقابل، نفى الخبير العسكري والأمني اللواء د. معتصم عبد القادر في حديثه لـ”راديو دبنقا” أن تكون لهذه القرارات علاقة بمحاولة التخلص من الإسلاميين داخل الجيش، واصفاً الأمر بأنه طبيعي ضمن النظام الإداري الهرمي للقوات المسلحة، حيث تتم مراجعة المواقع القيادية دورياً بحسب الحاجة الوظيفية.

وأضاف عمر أن بكراوي من المعارضين لقيادة البرهان، وأنه شخصية ذات علاقات واسعة داخل المؤسسة العسكرية، متسائلاً عمّا إذا كان ما يجري يمثل تصفيات بين الإسلاميين وقائد الجيش. وتابع: “إن كان السيناريو كذلك فلن يكون في مصلحة البلاد. نحن ليست لدينا مصلحة في مزيد من الانهيار، والمطلب اليوم سلطة مدنية، فلا أحد يقبل بسلطة العسكر”.

وأوضح أن بكراوي قاتل إلى جانب الجيش في سلاح المدرعات بعد خروجه من المعتقل الذي وُضع فيه إثر المحاولة الانقلابية خلال فترة حكومة عبد الله حمدوك الانتقالية، ثم مثل أمام المحكمة، قبل أن يخرج منها إلى ساحات القتال، ليواجه الإحالة من الجيش ومن ثم الاعتقال.

الإقالات ولقاء سويسرا

وأكد القيادي الشعبي كمال عمر أن لقرارات البرهان علاقة بلقائه مع مستشار الرئيس الأمريكي للشؤون الإفريقية مسعد بولس في سويسرا، مشيراً إلى أن لهذا اللقاء ما بعده، وقال: رغم شح المعلومات حوله، إلا أن الاجتماع ذو صلة بلقاء “الرباعية” (الولايات المتحدة، مصر، الإمارات والسعودية) المعروف توجهه بشأن الحرب في السودان، وقطع بأن البرهان سيدفع الثمن.

غير أن الخبير العسكري اللواء معتصم عبد القادر نفى بشدة وجود أي ارتباط بين هذه القرارات ولقاء البرهان بمسعد بولس في زيورخ، مشيراً إلى أن محاولات ربط الإسلاميين بالجيش تهدف إلى تسييس المؤسسة العسكرية وتفكيكها، معتبراً الجيش العمود الفقري للدولة السودانية. وأضاف أن الولايات المتحدة تتبع نهجاً “براغماتياً” في سياساتها، إذ سبق أن دعمت الإسلاميين في أفغانستان ضد الروس ثم تفاوضت مع إيران وحماس وجماعات أخرى وفقاً لمصالحها.

مهنية الجيش

دافع الخبير العسكري اللواء معتصم عبد القادر عن مهنية الجيش السوداني، مؤكداً أنه جيش احترافي خالٍ من التوجهات الدينية أو السياسية، وأن أي محاولات لممارسة العمل السياسي داخله تتم مواجهتها بإجراءات قانونية صارمة. وقال إن جميع الأفراد قد تكون لهم ميول شخصية، إلا أن محاولة التأثير بها على الوظيفة أو خلق مجموعات داخل المؤسسة العسكرية أمر مرفوض ويخضع لقانون القوات المسلحة.

كما اعتبر أن تضخيم وجود الإسلاميين داخل الجيش يأتي من أطراف لديها خلافات معه، وضرب مثالاً بقوى الحرية والتغيير التي – على حد قوله – أبعدت عدداً كبيراً من الضباط من الشرطة والمخابرات والجيش خلال فترة حكمها، رغم أن كثيرين منهم لا ينتمون للتيار الإسلامي، ما أدى إلى فقدان الدولة لكفاءات وخبرات مؤثرة انعكست سلباً على الأوضاع الأمنية.

واتهم عبد القادر قوى الحرية والتغيير بمحاولة تشكيل جهاز أمن داخلي للتأثير على القوات المسلحة، واصفاً ذلك بأنه “التسييس الحقيقي”، مؤكداً أن الجيش لا يسمح بأي شكل من أشكال التنظيمات أو التدخل السياسي داخل تسلسل أوامره.

ترحيب حذر

يرى صديق الصادق المهدي القيادي في حزب الأمة وتحالف “صمود” أن الخطوات الأخيرة التي اتخذها الفريق أول عبد الفتاح البرهان تشير إلى مسار يعكس جدية في التعاطي مع استحقاق السودانيين للسلام وإعلاء المصلحة الوطنية. وقال: “جاءت كشوفات الترقية والإحالة، التي شملت أصحاب الانتماءات الصارخة، لتدفع بالمؤسسة العسكرية نحو ترسيخ المهنية والحياد”، موضحاً أن دلالات هذه الإجراءات تتجاوز حسابات المكسب والخسارة الآنية.

غير كافية لوحدها

من جهته، يرى ياسر عرمان رئيس الحركة الشعبية – التيار الثوري الديمقراطي – أن أهمية قرارات البرهان تكمن في أنها صدرت أثناء الحرب وفي ظل تناقضات واحتقانات مشهدها، وأنها طالت بعض الضباط الإسلاميين النافذين وأعادت ترتيب هيئة قيادة القوات المسلحة.

وأكد عرمان أن تصفية وجود الإسلاميين داخل الجيش شرط رئيسي للاستقرار والديمقراطية والتنمية وإصلاح العلاقات مع بلدان الجوار والمجتمع الدولي، لكنه شدد في الوقت ذاته على أن القرارات الأخيرة لقائد الجيش غير كافية وحدها، وتتطلب مشروعاً وطنياً يحظى بالتوافق ويؤدي إلى انتقال مدني ديمقراطي وبناء الدولة، ومن هنا يبدأ الحوار حولها.

Welcome

Install
×