تصاعد الاهتمام الدولي بالسودان.. آراء ومواقف متباينة

الاجتماع التشاوري بشأن السودان - 26 يونيو 2025-حساب رمطان لعمامرة على منصة إكس-
أمستردام – 3 يوليو 2025 – راديو دبنقا
يدخل السودان عامه الثالث في أتون حرب دامية دون مؤشرات واضحة على قرب نهايتها، وسط مشهد إنساني بالغ القسوة، وتدهور شامل في مؤسسات الدولة، وغياب شبه تام لأي أفق سياسي يمكن أن يعيد البلاد إلى مسار الاستقرار. إلا أن الأسابيع الأخيرة شهدت تصاعدًا في وتيرة الاهتمام الإقليمي والدولي بالقضية السودانية، في وقت تزداد فيه مؤشرات الإنهاك المحلي وتداعيات الحرب الكارثية على ملايين المدنيين.
تحركات أميركية لافتة
برزت التحركات الأميركية في واجهة المشهد بعد إعلان مسعد بولس، مستشار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب للشؤون الإفريقية، عن نية الولايات المتحدة استضافة مؤتمر دولي بشأن السودان في واشنطن، بمشاركة وزراء خارجية السعودية ومصر والإمارات. تصريحات بولس جاءت مؤكدة على اهتمام الإدارة الأميركية بوقف الحرب، مع نفي أي تصور بأن ما يجري في السودان هو “حرب بالوكالة”.
هذا الموقف المتقدم نسبيًا من واشنطن يعكس – وفق مراقبين – رغبة في لعب دور مباشر في إدارة الأزمة.
الأمم المتحدة.. حضور باهت وفقدان للثقة
من جهة أخرى، تواصل الأمم المتحدة عبر مبعوثها الخاص للسودان رمطان لعمامرة جهودًا تبدو محدودة، إذ أعلن المتحدث باسم الأمين العام، ستيفان دوجاريك، أن فريق المبعوث بصدد استكمال مشاورات لعقد اجتماع جديد للمجموعة الاستشارية بالتعاون مع الاتحاد الإفريقي في أديس أبابا، بالتوازي مع محاولات لإطلاق مشاورات تحضيرية مع الأطراف حول حماية المدنيين.
وكانت المجموعة الاستشارية عقدت اجتماعها الرابع يوم الخميس الماضي في بروكسل. تتألف المجموعة الاستشارية من خمس منظمات رئيسية متعددة الأطراف: الاتحاد الأفريقي، والاتحاد الأوروبي، والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد)، وجامعة الدول العربية، والأمم المتحدة، بالإضافة إلى الدول الأعضاء التي ترأسها، وهي أنغولا، وجيبوتي، والعراق، إلى جانب الدول الراعية لمبادرات السلام، وهي: مصر، والمملكة العربية السعودية، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة. وقد عُقدت اجتماعات سابقة في كل من مصر، وجيبوتي، وموريتانيا.
أكد المشاركون في المجموعة الاستشارية التزامهم بوحدة السودان وسلامة أراضيه وسيادة شعبه، واتفقوا على ضرورة العمل الجماعي والمنسق لإسكات البنادق في السودان، واستعادة مسار الانتقال المدني، والتعامل العاجل مع مستقبل السكان المتضررين من الحرب، لا سيما النساء والشباب.
إلا أن هذه الجهود تُقابل بتشكيك داخلي واسع، حيث وصف الدكتور صديق تاور، القيادي في حزب البعث السوداني في مقابلة مع “راديو دبنقا” أداء لعمامرة بالفاشل، متهمًا إياه بـ”الانحياز لطرف من أطراف النزاع”، ما أضعف ثقة السودانيين في الأمم المتحدة كمؤسسة يُفترض أن تكون محايدة. ويرى تاور أن هذه التحركات، رغم رمزيتها، لا ترقى إلى مستوى اختراق سياسي حقيقي في الأزمة، بل تعكس حالة العجز الدولي وغياب الضغط الجاد على الأطراف المتحاربة.
هدنة الفاشر: بوابة أمل مسدودة؟
إحدى أبرز ملامح الاهتمام الدولي تمثلت في مبادرة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بطرح هدنة إنسانية في مدينة الفاشر، التي تعاني من حصار خانق. وقد وافق القائد العام للجيش السوداني على الهدنة، في حين لم ترد قوات الدعم السريع رسميًا، واكتفى قادتها الميدانيون بتصريحات رافضة. بينما أصدرت حركة تحرير السودان بقيادة الهادي ادريس بياناً قالت فيه إن مدينة الفاشر تخلو من المدنيين بعد أن غادروها إلى مناطق آمنة .
يرى الدكتور تاور أن هذا الرفض يُشكل انتكاسة لأي محاولة لبناء مسار إنساني، متسائلًا: “كيف يُبرر حصار مدينة لأشهر، وحرمان سكانها من الغذاء والدواء، ثم يُرفض اقتراح بفتح ممر إنساني؟”. ويضيف أن مثل هذه الهدن – رغم بساطتها – يمكن أن تفتح الباب لهدن مماثلة في مدن أخرى مثل الأبيض، كادوقلي، الدلنج، وكوستي، مشيرًا إلى أن الفشل في تحقيق تقدم بالفاشر يعني انسداد أفق الحل الإنساني، فضلًا عن السياسي.
انهيار الدولة وتكاثر المليشيات
في موازاة التفاعلات الدولية، يتجه المشهد السوداني إلى مزيد من التدهور الداخلي، إذ أشار تاور إلى ما سماه “انهيارًا غير مسبوق في بنية الدولة”، مع ازدياد تأثير ونفوذ الميليشيات المسلحة، بعضها بدعم مباشر من القيادة العسكرية، وبعضها الآخر بتغاضٍ عن أنشطتها وتجنيدها، حتى خارج الحدود. ويحذر من أن هذا “التكاثر الفوضوي” للميليشيات من شأنه أن يعمّق أزمة الأمن، ويعزز خطر الفوضى الدائمة، بما يجعل من إمكانية إعادة بناء الدولة أكثر صعوبة في المستقبل القريب.
دور سوداني
رغم قتامة المشهد، يؤكد صديق تاور أن الحل لا يمكن أن يأتي من الخارج وحده، فالمجتمع الدولي – حسب تعبيره – “يتحرك بناءً على أجنداته ومصالحه، وليس من منطلقات إنسانية خالصة”. لذلك، يرى أن الكرة في ملعب القوى الوطنية السودانية، التي يجب أن توحد صفوفها وتعلّي صوتها لفرض موقف وطني مستقل يُجرد طرفي النزاع من أي “مشروعية أخلاقية أو قانونية”، ويجعل من العامل الدولي عاملًا مساعدًا، لا بديلًا عن الحل السوداني.
تفاؤل حذر
من جانب آخر، أعرب التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة (صمود) عن ترحيبه بالتحركات الدولية، لا سيما تصريحات مسعد بولس، مؤكدًا أن إعطاء الأولوية لإنهاء الحرب يمثل تطورًا إيجابيًا. كما أكد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أن السودان سيكون “الوجهة المقبلة لبلاده لتحقيق السلام”، معلنًا عن بدء تحركات فعلية عبر مستشاره للشؤون الإفريقية.
وفي هذا السياق، دعا عمر الدقير، رئيس حزب المؤتمر السوداني، إلى استثمار هذا الاهتمام الدولي المتزايد، لكنه شدد على أن المفتاح الحقيقي هو “إرادة وطنية صادقة” تتجاوز الحسابات الحزبية والطموحات الشخصية.
ختاماً بين التحركات الدولية المتصاعدة، والجمود المحلي، يبقى السودان عالقًا في نفق الحرب الطويل. وعلى الرغم من أن الاهتمام العالمي يمثل فرصة ثمينة، فإن غياب استراتيجية داخلية واضحة من مختلف الأطراف يهدد بإهدار هذه الفرصة.