القانون يلزم المحامي نبيل أديب بفك الارتباط بين مكتبه ومهمة التحقيق في فض الاعتصام

حسماً للجدل الدائر حول إمكانية جمع المحامي الأستاذ نبيل اديب بين رئاسة وعضوية لجنة التحقيق في فض الاعتصام، ومهنة المحاماة، فان ذلك الجمع يشكل مخالفة صريحة لقانون المحاماة، حيث تلزم المادة (70) من قانون المحاماة المحامي الذي يتم تكليفه بمهمة قضائية أو شبه قضائية بالتفرغ التام لأعمال تلك المهمة، حيث ورد في الفقرة (2) من تلك المادة بأن يمنح “المحامي المكلف فرصة كافية لترتيب أعمال مكتبه أو تصفيتها أو تحويلها بالكيفية التي لا تلحق ضرراً بموكليه”. كما نص في الفقرة (3) من نفس المادة، على دفع مبلغ يتناسب مع سنين خبرة المحامي مقابل ذلك التكليف.

بقلم: على عجب، المحامي

حسماً للجدل الدائر حول إمكانية جمع المحامي الأستاذ نبيل اديب بين رئاسة وعضوية لجنة التحقيق في فض الاعتصام، ومهنة المحاماة، فان ذلك الجمع يشكل مخالفة صريحة لقانون المحاماة، حيث تلزم المادة (70) من قانون المحاماة المحامي الذي يتم تكليفه بمهمة قضائية أو شبه قضائية بالتفرغ التام لأعمال تلك المهمة، حيث ورد في الفقرة (2) من تلك المادة بأن يمنح "المحامي المكلف فرصة كافية لترتيب أعمال مكتبه أو تصفيتها أو تحويلها بالكيفية التي لا تلحق ضرراً بموكليه". كما نص في الفقرة (3) من نفس المادة، على دفع مبلغ يتناسب مع سنين خبرة المحامي مقابل ذلك التكليف.

وبناء على ذلك، يكون التفرغ واستلام مخصصات التكليف شرط وجوبي لقبول التكليف، حتى لا يكون عمله دون أجر تفضلاً منه، وحتى يخضع للمحاسبة في حال تقصيره، وقد ذكر الأستاذ نبيل اديب، في مقابلة مبثوثة أنه يعمل دون أجر، في إشارة لإستنكاره مجرد النقد الذي يوجه إليه في أداء عمله.

مما ورد يتضح أن قانون المحاماة قد ألزم المحامي الذي يقبل التكليف بمهمة التحقيق بسلطة النائب العام، بالتفرغ التام، وهذا المطلب له مسوغ منطقي، فمهنة المحاماة تقوم في جوهرها على الاستقلال والحياد، بالبعد عن تعارض المصالح، وكل شبهات الفساد. ولذلك سعى القانون الى تحصين المحامي من كل هذه الشبهات بضمان تفرغه وأمر بمنحه المخصصات التي تتناسب مع سنين خبرته واداء المهمة، للتأكد من ابتعاد المحامي عن كل ما من شأنه ان يورده مزالق الفساد بسبب الوضع الوظيفي الجديد. ويدخل في ذلك الفساد المتوقع، ما يمكن ان يكون فساداً متعمداً، يمارسه المحامي باستغلال السلطات التي أُصبغت عليه لأغراض التكليف، بتسويق نفسه بأي شكل من الاشكال، ليحصل على ميزة لمكتبه في الظهور في المنازعات ذات القيمة المالية العالية، أو عدم الحياد في القيام بالمهمة الموكلة اليه، بأن يركن الي مفسدين يسعون للاستفادة من موقعه. هذه نماذج متصورة لمزالق الفساد التي تحرز منها قانون المحاماة وفق قاعدة سد الذرائع. لذلك كان إلزام التفرغ على سبيل الوجوب.

إن المهام التي تتطلب تكليفاً من سلطات الدولة، تعتبر مرتبطة بأعمال السيادة، ولا يمكن ان يقوم المحامي بأدائها في أوقات فراغه، غني عن القول ان رئاسة لجنة التحقيق في جرائم فض الاعتصام، تمثل أعظم مثال على أهمية التكليف، بما يتطلب التفرغ والحياد والنزاهة، واحترام للقيد الزمني، خاصة وأن التكليف في هذه الحالة التي أمامنا، هدف الى تحقيق العدالة في مجزرة بشعة، ارتكبت فيها انتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الانسان، وهي بهذا الحجم تتطلب اعمال معايير التحقيق الدولية في الجرائم الخطيرة. وقد شهدنا مطالبة اللجنة بالتمديد للقيد الزمني، في تكتم دون إبداء سبب أو الافصاح عما قامت به حتى الآن. إن تأخير العدالة يعتبر إنكارا لها، بحسب القواعد الأصولية في إقامة العدل Justice delayed is justice denied” " وهو أمر متصور، لأنه في حالة الجمع بين المهنة والتكليف، تكون الأولوية لتسيير أعمال مكتب المحامي، مقابل التكليف العام، خاصة إذا نظرنا لإمكانية الإغراق والاغراءات التي يتوقع ان تجعل موقعه الجديد يجلب له المزيد من القضايا ذات العوائد المالية الكبيرة، لبروز إسمه كمتنفذ في السلطة التنفيذية، نتيجة لذلك التكليف. لذلك حرص قانون المحاماة على صيانة اخلاقيات المهنة، بهذا السياج الاجرائي المحكم، بتوفير الحماية اللازمة لسمعة المهنة والمحامي نفسه، بالنأي به عن شبهات الفساد. ولذلك لم يأتي اتخاذ قرار تكليف المحامي من أعلى سلطة في الدولة اعتباطا، ولم يترك قانون المحاماة ان تخذه السلطة التنفيذية بإرادة منفردة، ذلك لأن مهنة المحاماة اوجدت ضمن منظومة العدالة متفردة في استقلاليتها، فهي مهنة لا يخضع فيها المحامي لأي مخدم، فإما ان يعمل مستقلاً، او يتم تكليفه، بقرار رئاسي، لأداء مهام أخرى.

وبذلك، يكون المحامي نبيل اديب، قد خالف قانون المحاماة، باعترافه المنشور على الملأ، بتمثيله لجهة في استئناف يناهض فيه قرارات للجنة ازالة التمكين ومحاربة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة، حول المال المسترد لصالح حكومة السودان، وقد جمع بذلك بين مهنة المحاماة والوظيفة العامة، التي تقلدها بموجب التكليف، مما شكل تعارضاً مع قانون المحاماة وفق التفصيل الذي سقناه.

ولفهم حرص قانون المحاماة على حياد المحامي والنأي به عن مواضع الفساد التي تتمثل عادة في تعارض المصالح، فان قانون المحاماة يوجب يسحب ترخيص المحامي إذا عمل في وظائف محددة ذكرها على سبيل الحصر، وهي في غالبيتها ينطوي الجمع بينها ومهنة المحاماة على تعارض مصالح، واستغلال الوظيفة او تتنافى واخلاقيات المهنة. وكما هو معلوم فان المحامي مطالب في التحصن من تعارض المصالح، ليس فقط بالامتناع عن الدخول في تعاملات بها شبهة تعارض مصالح، بل أن يكون لديه مدونة سلوك مهني تحدد مسبقاً ما يمكن ان ينشئ تعارض مصالح في المستقبل، وعليه أن يخطر الطرف الذي يتعامل معه بإمكانية أن يثور ذلك الاشكال في المستقبل، وإذا نظرنا الى وضع المحامي نبيل اديب وفق هذا التكليف، فانه مطالب بتقديم عرض مكتوب لكافة القضايا الحالية والقضايا المستقبلية وفق شبهات تعارض المصالح.

إن منح الأستاذ نبيل اديب، ولجنة التحقيق في فض الاعتصام، سلطات النيابة العامة، يجعل كافة المحامين في اللجنة ملزمين بهذه الاحكام، نتيجة لتغير مراكزهم القانونية. حيث أصبحوا في مرتبة متميزة على نظرائهم، وأصبح موكليهم في درجة متميزة على خصومهم. فلا يستقيم قانوناً ان يكون الشخص محامياً وفق أحكام وضوابط قانون المحاماة، وهو يملك في نفس الوقت سلطات النيابة العامة في القبض والاحضار والتحقيق والتفتيش واحالة القضايا الى المحكمة والظهور ممثلا للدولة. في الوقت الذي يمكن لأي من المعنيين بالتحقيق أن يجعل منه المحامي الخاص لأسرته، أو مستشار لشركاته وأعماله، وبذلك يصبح المحامي صاحب مصلحة وعلاقة خاصة مع ذلك الطرف أو منسوبيه أو عملاءه، بما يمكنه من الاطلاع على أسراره ويتوجب عليه، رعاية وحماية مصالحة، ولا يحق له قانوناً ان يفشي أسراره، وهل يقول عاقل من بعد ذلك، انه لم يفقد استقلاليته وحياده ونزاهته وقد أصبحت مصالحه المالية مرتبطة بذلك الطرف؟

ويجب أن نلفت الانتباه الى أن قانون المحاماة لم يحتوي على هذه الاحكام المهنية المتقدمة بالصدفة، فقانون المحاماة لم يوضع في زمن الإنقاذ، وقد وضع يد محامين مقتدرين، لذلك توافق مع معايير العدالة والوجدان السليم، حيث التمسك بالقيم الصارمة في صيانة استقلال المحامي ومهنة المحاماة. وهي مبادئ عالمية مرعية في كل مدونات سلطات تنظيم مهنة القانون في العديد من الدول التي تعتد باستقلال المحامي والمهنة، راجع في ذلك ضوابط منع تعارض المصالح لدى سلطة تنظيم مهنة المحاماة في بريطانيا " Solicitor Regulation Authority .

وباعتراف الأستاذ نبيل اديب المحامي بتمثيله لشركات وأفراد ضد قرارات لجنة تفكيك التمكين، يكون قد خرق كل تلك المحاذير. ولا يمكن أن يكون الأستاذ نبيل اديب غير ملم بقانون المحاماة عند قبوله ذلك التكليف، فالنص الذي يمنح رئيس الجمهورية، سلطة تكليف محامي بمهمة، جاء واضحاً وضوح الشمس، في معناه وطريقة تطبيقه في المادة (70) بفقراتها الثلاث، التي حددت طريقة تكليفه، وكيفية تفرغه، ومخصصاته. دون اتاحة أي مجال لاستثناءات. وبالتالي يتحمل هو وحده مسؤولية الاستمرار في تمثيل الخصوم.

كما يجب ان يعاد النظر في أداء كافة المحامين الذين يعملون في لجان تحقيق الآن، فهم ينطبق عليهم نفس الوصف القانوني الذي تناولناه. من ضرورة الالتزام بأحكام قانون المحاماة في ضمان حياد ونزاهة الممارسة، وتجنب مزالق تعارض المصالح. ويلزم كل المحامين الذين سيتصدون لهذه المهام بالتفرغ. ان التصدي لهذه القضايا التي فرضتها المرحلة الانتقالية، تمثل هم قومي في استعادة نظام العدالة والانصاف في البلاد. يقيناً منا انه خير لهذه المهام ان يتصدى لها محامون، يمكنهم التفرغ وتكريس كل وقتهم وجهدهم لمهامهم، من أن يتصدى لها من يطلعون بالتكليف في أوقات فراغهم مقابل مهام مكاتبهم.

Welcome

Install
×