وزير الداخليّة الذي لا يدري صلاحيّاته: أنت تأمر، يا سيّدي، لا تدعو..

نحن شعبٌ مُبتلى – ذهب عنّا البشير ليأتينا بشيران وتابعهم قفّة – البرهان حميدتي وكباشي؛ فنحن لم نفرغ بعد من صدمة فجاجة حديث مدير عام الشرطة ليخرج علينا وزيره بحديثٍ فطير يدعو فيه مرؤوسيه بمعاملة الشعب السوداني بالحُسنى!

بقلم: عادل عبد الرحمن بخيت

نحن شعبٌ مُبتلى – ذهب عنّا البشير ليأتينا بشيران وتابعهم قفّة – البرهان حميدتي وكباشي؛ فنحن لم نفرغ بعد من صدمة فجاجة حديث مدير عام الشرطة ليخرج علينا وزيره بحديثٍ فطير يدعو فيه مرؤوسيه بمعاملة الشعب السوداني بالحُسنى!

فالذي يجب معاملتهم بالحسنى هم المتهمون حتى يبتّ القضاء في أمرهم، لأنّ المتهم، في دولة القانون، بريءٌ حتى ذلك الحين. كان من حقّك وصلاحيّاتك، يا سيادة الوزير، أن تدعو المدير بالذهاب إلى بيته مُعاشاً، وبلا أيّ حصانة، ما دام أنّه تقاعس عن القيام بواجبه. فالحصانة لا تعطى إلى الشرطي من أجل أن يقبض على مجرم أو مُتهم، بل سيشكره هذا الشعب المغلوب على أمره.. وهذه بديهيّة لكلّ شرطي نزيه؛ ولكن إتضح أنّ مدير الشرطة ليس من هذه الفئة، وفوق ذلك أنّ حديثه الذي أدلى به ينمّ عن شخص لا يملك أبسط مقوّمات الكياسة وأدب الحديث الموجّه للناس. ونحنُ لا نستغرب منه ذلك القول الممجوج لأنّه ربيب "نظام الإنقاذ" الذي لم يسقط بعد.

والشرطة، في دولة القانون، ليست فوقه بل تأتمر بأمره، ومن هنا تقوم بدورها دون التعدّي عليه، فتكون ذراع السلطة القضائيّة والتنفيذيّة الطويل الذي يحمي الناس ويحرس أمنهم فيهابها كلّ خارجٍ عليه مهما كانت مكانته أو رفعته. وهناك القصة المشهورة عن مولانا/ عبد المجيد إمام إبّان ثورة أكتوبر في موكب القضائيّة في مسيره نحو القصر حيث كانت هناك قوّة من الشرطة اُمرت بقطع الطريق عليهم وبالقوّة إذا لزم الأمر، فخاطب مولانا قائد تلك المجموعة قائلا له: أنا عبد المجيد إمام قاضي المحكمة العليا، أأمرك بإبعاد قوّاتك وفسح الطريق للموكب؛ فقام القائد/ الهُمام بأداء التحيّة للقاضي وأمر قوّته بالتنحّي. فأرسى مدماكاً آخرَ لذلك الجسر لمقولة الناس: (الشرطة حبيب الشعب) ولكيْ نفهم دلالة ذلك بصورة أعمق علينا أن نتذكّر أنّ الحدث وقع في ظلّ نظام ديكتاتوري إستشرى فيه الفساد وكتم أنفاس العباد وقاد الحرب في جنوب الوطن لمربعٍ أكثر دمويّة، إذ كان رافعا شعار "الأرض المحروقة" الذي بكلّ بساطة يعني نريد الأرض فارغة من كل أثر للحياة فوقها. ففي ظلّ شراسة هذا النظام خالف قائد تلك المجموعة المقدّم/ قرشي فارس أوامر رؤسائه (مدير شرطة أو وزيره) وإحتكم لسلطة القانون، فالقضاء في دولة فصل السلطاة هو المنوط به أنّ يكون فوق الكل.

فمن الواضح أنّ المقدّم/ قرشي، إلى جانب كونه نزيهاً وشجاعا، كان ملمّاً بالقانون وعارفاً بحدود صلاحيّات الوزير أو المدير أمام القضاء. فمن المؤسف أن مدير الشرطة، في ظلّ حكومة إنتقاليّة المنوط بها العبور بنا إلى دولة حريّة سلام وعدالة، أن يطلب حصانة للقيام بواجبه. وليتبادر إلى ذهننا السؤال: هل أنّ السيّد/ المدير لا يعلم أنّ زيّه الشرطي يُعطيه حصانة، وبالقانون، تكفيه شرّ أيّ بليّة؛ أم أنّه يريد خرق القانون بأن يزيق الناس بريئهم ومجرهم مُرّ العذاب؟! لأنّ الشرطة لها من الصلاحيّات ما يدرأ عنها كلّ لوم إلا إذا خرقته.

ليأتي بعد كلّ ذلك السيّد/ وزير الداخليّة المدبّج بالنجوم والصقور والسيوف مما يعني أنّه درس القانون الذي هو مادة أساسيّة لكلّ ضابط شرطة، ولا يضبط ضابطه بكلامه المعوج بطلبه للحصانة، تلك التي لا وجود لها إلا في نظام ديكتاتوري يقمع الجميع.

وما عليْنا سوى أن نتأسّى بما قاله مظفّر النوّاب:

(صرّح نِفطُ إبن الكعبة

ماذا صرّح نفط إبن الكعبة؟

نفط إبن الكعبة لا يدري ماذا صرّح نفط إبن الكعبة

نفط إبن الكعبة سريالي)