200 مليون دولار لكل رئيس مخابرات أفريقية يساند السودان ضد محكمة الجنايات الدولية

في صبيحة يوم 21 أكتوبر من العام الجاري قررت جنوب أفريقيا رسميا الانسحاب من محكمة الجنايات الدولية، وكان هذا النبأ قد زرع الفرحة والسعادة …

بقلم: معتصم عبد الجليل (ود الجاك)

 

ماهي علاقة تأسيس لجنة المخابرات والأمن الأفريقية (السيسا) في الخرطوم بمجازر دارفور وصلاح قوش..؟!

هل استلم د. مصطفى عثمان إسماعيل مهمة الحساب المصرفي الخاص بالرئيس في سويسرا…؟

كيف تمت رشوة الافارقة للوقوف ضد محكمة الجنايات الدولية وتأييد الرئيس عمر البشير..؟!.

 

 

في صبيحة يوم 21 أكتوبر من العام الجاري قررت جنوب أفريقيا رسميا الانسحاب من محكمة الجنايات الدولية، وكان هذا النبأ قد زرع الفرحة والسعادة في نظام (الإنقاذ) المجرم، باعتبار الحدث يمثل ثمرة من ثمرات العمل المتواصل الذي قام به جهاز المخابرات السوداني بقيادة المجرم الكبير صلاح عبد الله – قوش- الذي واصل عمله في هذا الملف حتى هذه اللحظة برغم ابعاده عن العمل الأمني، ولهذه قصة طويلة سنتطرق إليها في هذا الملف وبأبعادها الأمنية والاقتصادية والسياسية.

إن خبر خروج جنوب افريقيا من المحكمة الدولية استثمرته حكومة القتل في الخرطوم بشكل كبير وحركت فيه كل مكاتبها الأمنية ، والأمنية ذات الطبيعة الصحفية والإعلامية، ومن ضمن هذا العمل الايعاز لجهات إعلامية بالكتابة عن أهمية خروج هذه الدولة الكبيرة من المحكمة تحت دعاوى "تحيزها ضد القارة الإفريقية وأنها ومنذ نشأتها لأكثر ركزت الهيئة القضائية الدولية على جلب الأفارقة للمحاكمة. وقد أدت هذه الحقيقة إلى الاتهامات المتكررة للمحكمة الدائمة، التي أنشئت للنظر في أسوأ الفظائع التي ترتكب في العالم، بما في ذلك جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية".

واستمر جهاز المخابرات السوداني في تقديم الدعم لعدد من المؤسسات الإعلامية في الداخل والخارج لكتابة تقارير عن محكمة الجنايات الدولية بالتركيز على انها اهتمت بالقارة الافريقية ولم تلقي أذنا صاغية للفلسطينيين الذي يقتلون على يد الصهاينة الإسرائيليين. ولا الاهتمام بالشعب السوري الذي يذبح من زبانية الأسد وإيران وروسيا…!

وقد كان الهدف الاستراتيجي لكل ما تقوم به الحكومة السودانية بما تدفعه من أموال طائلة هو ابعاد رئيسها الراقص المطارد دوليا بسبب جرائمه في دارفور، فقط، وهناك جرائم يندى لها الجبين للمجازر في جبال النوبة والنيل الأزرق..إذن النظام في السودان يدفع بأموال الصحة والرعاية الأولية والتنمية في البلاد والهروب من فاتورة الدواء واعتماده الكلي على الشعب السوداني بسبب أن يبعد رئيسه القاتل من المحكمة الدولية وذلك باستنفار كل الدول المنضمة تحتها بالخروج منها حتى يسلم الرئيس عمر البشير..!!.

لكن ما هو المبلغ المدفوع ..؟!.

وكيف تم دفعه. للنجاة بالرئيس من المحاكمة…؟

في يوم 9 ديسمبر 2010م اتهم لويس مورينو أوكامبو مدعي المحكمة الجنائية الدولية (السابق) الرئيس السوداني عمر البشير باختلاس مبالغ تصل إلى 9 مليار دولار من أموال الدولة وإيداعها في حسابات أجنبية، وفقا لمراسلات دبلوماسية أمريكية سربها موقع ويكيليكس.

وتقول الوثائق المسربة والتي نشرت في صحيفة (الجارديان) البريطانية إن دبلوماسيين قد نقلوا عن المدعي العام للمحكمة الجنائية قوله إن الجزء الأكبر من هذه المبالغ قد يكون أودع في بنوك بالعاصمة البريطانية لندن.

ونقلت البرقيات المتبادلة عن أوكامبو قوله لمسؤولين أمريكيين إن بعض هذه الأموال قد تكون مودعة في مجموعة مصارف لويدز المملوكة جزئيا للحكومة البريطانية، وترديده مرارا بأن الوقت قد حان للكشف علنا عن حجم السرقة التي قام بها البشير.

وينقل تقرير عن دبلوماسي أمريكي قوله "اقترح أوكامبو أنه إذا ما تم الكشف عن الأموال المسروقة (وقدر المبلغ بنحو 9 مليار دولار) فستغير فكرة الرأي العام السوداني عنه من 'مناضل' إلى لص".

وجاء في البرقية أيضا "قال أوكامبو إن بنك لويدز في لندن قد يكون لديه الأموال أو على علم بمكان وجودها".

ويقول مسؤولون إنه إذا ما كان ما قاله أوكامبو حول ثروة البشير صحيحا فإن الأموال التي ستكون مودعة في لندن تشكل عُشر الناتج الإجمالي المحلي للبلاد.

وتشير الوثائق أيضا إلى أن أوكامبو قد ناقش الدليل على حدوث الاختلاس مع الأمريكيين قبل أيام من إصدار مذكرة الاعتقال بحق البشير في آذار/مارس عام 2009، الأولى التي تصدر بحق رئيس دولة أثناء حكمه.

وصدرت في 2009م، لائحة الإدانة بحق البشير في سبع حالات جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور ثم أضيفت ثلاثة اتهامات أخرى بالإبادة الجماعية في تموز/يوليو 2008م.

وللعلم أن الخبر لم يكن معلومة نشرتها أي جهة عبر الصحف بل كانت هي وثيقة سرية عن نقاش كان قد دار بين شخصين، بين أوكامبو و سفير أمريكا بالأمم المتحدة، يعنى كلام لم يكن ليخرج للعلن لولا تسريبات ويكيليس ..

الصحافة الوطنية

وما هي إلا أيام معدودة حتى غيض الله عز وجل صحفيا وطنيا ليقوم بإثبات ما ذكره المدعي العام للمحكمة الجنائية آنذاك حول أموال سودانية للرئيس السوداني عمر حسن احمد البشير في بنوك خاصة. كان الصحفي هو الأستاذ خالد ابواحمد مستخدما علاقاته الشخصية في عدد من دول القارة الاوربية ومن بينها سويسرا فكانت المفاجأة الكبرى أن للرئيس الراقص حساب مصرفي ببنك لويدز في سويسرا وليس في لندن..الرابط:

http://www.alrakoba.net/news-action-show-id-11832.htm

والتقرير الذي نشره الصحفي أبا احمد كان مثبتا بالأسماء والشهود وجميعهم كما قال احياء على وجه البسيطة، وهو ما جعل الامن السوداني يأمر الصحف بعدم التطرق لما تم ذكره في هذا الخصوص سلبا أو إيجابا.

ويذكر التقرير:

أن حساب الرئيس عمر البشير تم فتحه في شهر مايو 1991م بواسطة سفير السودان بسويسرا آنذاك السيد مهدي ابراهيم، وحينها كان الحساب رقمي بمعنى أن حساب الرئيس لم يكن مسجلاً باسم بل مسجلاً بـ (رقم)، وبعد حادثة وفاة نجل القيادي بالمؤتمر الوطني ابراهيم أحمد عمر الذي كان في حسابه حوالي 17 مليون دولار تخص الحزب الحاكم، ونشوب خلافات بين أسرة د. شريف التهامي والقيادي د. إبراهيم أحمد عمر تم تسجيل الحساب رسمياً باسم عمر حسن أحمد البشير بحضوره شخصياً عندما زار سويسرا في العام 2000م.

إذن وقد بان كل شيء أن أموالا بالمليارات قام عمر حسن البشير بتهريبها بواسطة فاسدين من النظام إلى سويسرا، لكن التقرير يشير إلى الأموال المودعة في الحساب كان مخصصة لأعمال من يرد نظام المؤتمر (الوطني) اسكاتهم أو من يريد استقطابهم او يريد منهم القيام بعمل في صالح النظام في أي بلد من بلدان العالم، فكتب الأستاذ ابواحمد مقالا آخرا أكمل من خلاله المعلومات التي كان قد نشرها في المقال الأول..

http://www.alrakoba.net/news-action-show-id-12127-page-2.htm

كانت هناك علامات أسئلة تستفسر عن المليارات التي تسكن سويسرا وماذا يفعل بها هناك في حرزها المصون، لكن الذي يتعقل الأمور ويتفكر في إقامة المؤتمرات الدولية والعربية يجد من بين سطورها الهدف من تجنيب مبالغ كهذه الشعب السوداني في اشد الحاجة لها..

من هذه المبالغ تم رشوة اتحاد المحامين العرب الذين جاءوا للسودان وهللوا وكبروا وهتفوا للرئيس البشير وانتقدوا الجنائية الدولية، وتحدثوا عن مؤامرات الصليبية الدولية والإمبريالية العالمية، وهتفوا بشعارات إسلامية وعروبية، لإدراكهم بأن الرئيس الراقص تأخذه الهاشمية كعادته،  فخرجوا من الخرطوم وقد امتلأت حقائبهم بالمال الحرام مئات من الآلاف الدولارات التي دفعت لهم نظير الحملة الإعلامية الكبيرة التي قاموا بها دفاعا عن نظام القتل والابادة الجماعية، ضد الجنائية الدولية، ومن قبل كان يسترزقوا من الرئيس السابق صدام حسين لا دفاعا عن قيم بل استجداء للدولار..!.

وقد شهدت الخرطوم لأول مرة في تاريخها وفي سابقة كونية أن يتجمع رؤساء مخابرات منطقة ما في العالم لا من أجل التنسيق فيما بينهم لمحاربة الاخطار التي تحدق بشعوبهم، جاءوا للخرطوم في 2006م بفكرة قدمها رئيس جهاز الامن السابق أشهر رجال الديكتاتورية الدموية في السودان المعروف باسم صلاح قوش صاحب أسوء سجل اجرامي في تاريخ السودان الحديث الذي جمع للرئيس عمر حسن البشير رؤساء مخابرات 45 دولة أفريقية في تأسيس كيان اسمه (السيسا) وهي اختصار لـ Security and intelligence Africa وباللغة العربية هي -لجنة أجهزة الأمن والمخابرات بإفريقيا ومن أموال الشعب السوداني لضمان وقوف كل دول القارة مع السودان ضد محكمة الجنايات الدولية تم رشوة كل رؤساء المخابرات الافريقية في مجموعه بحوالي 200 مليون دولار، وكما هو معروف فإن القيادات الافريقية معروفة بتلقيها للرشوة.

قضية محكمة الجنائية الدولية ICC

احتضنت الخرطوم في الفترة من 24/27 نوفمبر 2008م رؤساء المخابرات الافريقية مرة أخرى وناقشت بشكل واضح وجلي أول بنود المحكمة الدولية الجنائية ICC حيث اعتبر المجتمعون بأن المحكمة هذه تمثل إحدى مهددات الأمن والاستقرار في القارة الأفريقية، وبتناول قضية المحكمة الجنائية في هذا الاجتماع وفي الخرطوم يؤكد مدى أهمية دور المحكمة الجنائية الدولية بالنسبة لـ(السيسا) التي تعتبر الموضوع من أهم الموضوعات التي يمكن مناقشتها من ناحية أمنية حيث يعتبر الأمن دعامة لأنشطة تطوير ورفاهية الإنسان.

وقد ناقشت قضية المحكمة الدولية في عدة منابر على مستوى برلمانات الدول والمنابر الدولية والإقليمية مثل الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي البرلمانيين العرب، اتحاد المحامين، منظمة دول عدم الانحياز والمنبر الأفريقي الباسيفيكي ناقشت هذه الورشة (الثالثة) قضية المحكمة الجنائية وكل ذلك بإيعاز من حكومة السودان، لأنها تعتبر بأن المحكمة الدولية مهدداً أمنياً لوجودها في الاساس وتحاول اقناع باقي دول القارة الافريقية بأن هذه المحكمة أيضا تمثل مهدد أمني لهم جميعا، وذلك من عدة محاور متمثلة في المنظور السياسي ، المنظور القانوني ، المنظور الاجتماعي والأمني بالإضافة إلى تجارب بعض الدول وهي تجربة الكنغو الديمقراطية، التجربة الشادية، التجربة الرواندية والتجربة السودانية وشارك في الورشة معظم أجهزة القارة على مستوى الخبراء حيث استمرت الورشة لمدة ثلاثة أيام شارك فيها الورشة الاتحاد الأفريقي ممثلاً في مفوضية الشئون السياسية السيد وزير العدل السوداني، السيد الخبير الدولي شادرك، ورجل القانون السنغالي السيد مصطفى كات بالإضافة إلى خبير رواندي والعديد من الشخصيات المهتمة بالقانون الدولي وقضايا النزاع في القارة الأفريقية.

اللجنة المنظمة للورشة التي يحركها من الباطن جهاز المخابرات السوداني حرصت على تأكيد ان اغراضها مهنية بحتة ولا علاقة لها بقريب أو بعيد باي اتجاه لتوفير حشد ومساندة للسودان بخصوص القضية التي يواجهها مع الجنائية الدولية، واعلن وجه رئيس جهاز الأمن والمخابرات السوداني آنذاك اللواء صلاح عبدالله رئيس اللجنة العليا للتحضير لورشة لجنة أجهزة الأمن والمخابرات في أفريقيا (السيسا) المنعقدة بالخرطوم أن الورشة ناقشت قضية المحكمة الجنائية بحضور (46) جهاز أمن أفريقي، واوضح أن موضوع المحكمة الجنائية الدولية له انعكاسات سالبة تفتح بؤرة جديدة للإرهابيين، مشيرا الى انها تعتبر مهدداً للأمن والاستقرار بالقارة الافريقية كلها وليس السودان وحده.

وفي مرحلة ثانية تم رشوة زعماء كبار وسياسيين في أحزاب كبيرة حاكمة في القارة السوداء ورؤساء دول من أجل الوحدة ضد محكمة الجنائية الدولية بغرض عدم تسليم الرئيس عمر حسن أحمد البشير للمحاكمة.

وكانت أولى الفعاليات التي اقامتها (السيسا) هي ورش عمل حول دور الجنائية الدولية في زعزعة الامن والاستقرار في دول القارة الافريقية، وما أن تنتهي فعالية إلا وتم تقديم المتفق عليه كل حسب الرتبة يدفع له من العملة بالدولار، وتقديم الرشوة لرؤساء وقادة المخابرات بدول القارة الافريقية استمر على نحو متواصل حتى لا ينسوا التفوه المستمر ضد الجنايات الدولية وتسويد الصحف بهذه الهتافات من أجل اسعاد عمر البشير، وفي شهر ديسمبر 2015م كانت الخرطوم مسرحا لانعقاد لمكافحة الجرائم الالكترونية بدعوة من جهاز المخابرات السوداني حضرها 40 جهاز مخابرات أفريقي.

وهناك سؤال يطرح نفسه بالرجوع لمقالات الأستاذ الصحفي خالد ابواحمد حول حساب الرئيس عمر البشير في سويسرا، وبعد تعيين سفير جديد بسفارة السودان في جنيف. هل استلم د. مصطفى عثمان إسماعيل مهمة الحساب المصرفي الخاص بالرئيس في بنك لويدز..؟.

من الواضح جدا جدا أن مصطفى عثمان إسماعيل هو من وُكل بإدارة الحساب المصرفي للرئيس باعتباره الشخصية الوحيدة التي يحبها عمر البشير وليس عليه إي مآخذ، وهو مصدر ثقة الرئيس خاصة وان عمر البشير قد تم قطع رجله من التجوال في المنطقة الاوربية فكان عثمان إسماعيل هو الذي حاز على ثقة الرئيس، كما كان يوما ما مهدى إبراهيم ومن بعده السفير إبراهيم ميرغني صديق الرئيس منذ المرحلة الثانوية كما ذكر خالد ابواحمد في المقال الأكثر شهرة.

ونخلص في هذا التقرير إلى تبيان حقائق مهمة والتي تتلخص في أن موارد السودان التي تم نهبها قد خصصت لإنقاذ الرئيس الراقص من محكمة الجنايات الدولية. وكما وضح من التقرير بأن كل الذين شاركوا في الهتافات ضد المحكمة الدولية تم مكافأتهم حسب الرتبة، ولا زال مسلسل الدفع مستمر خاصة للدول التي تعلن انسحابها من محكمة الجنائية الدولية ICCوالمبالغ في مجملها بالملايين من الدولارات التي هي قوت ودواء ودم أهلنا في السودان.