الحب في زمن الحرب ـ الشاعرة نوال حسن الشيخ و دكتورة ندى سيد احمد أخصائية طب الأسرة ـ خاص راديو دبنقا

رغم الحرب يقبل الناس على طيبات الطعام ما توفرت لديهم، يسمعون الأغاني ويطربون، الأغاني التي تستعيد ذاكرتهم أو ذاكرة الأماكن الجميلة التي تمثل لديهم الوطن. ورغم الحرب يقبل الناس على بعضهم ويحبون بمجامع قلوبهم.. وقديما كان النداء وكانت النصيحة الكونية:
مارسوا الحب لا الحرب. يقول علماء الاثار إن مدخل الحضارة هو حين بدأ الفرد الآدمي العناية بالأخر حين عثروا على هيكل عظمي مكسور من الفخذ الأعلى وملتئم قبل ان يموت صاحبه، وهو أمر يشير إلى توفير عناية وحراسة وتوفير طعام ومساعدة في التنقل في وقت كانت فيه الطبيعة وكائناتها تفترس بعضها بعضا.
بمناسبة اليوم العالمي للمرأة الذي يصادف الثامن من مارس ننشر هذا المقال الذي سيكون جزء من سلسلة مقالات وبرامج إذاعية عن الحب والحرب.

وفي ظل حرب مثل التي نشهدها الآن ونحن نستقبل اليوم العالمي للمرأة يتم طرح سؤال الحب في ظل الحرب.
استضاف راديو دبنقا بهذه المناسبة الدكتورة ندى سيد أحمد طبيبة تعمل في مجال طب الأسرة والشاعرة نوال حسن الشيخ للحديث عن المرأة والرجل والاسرة والمجتمع في ظل الحرب.

حظر التعبير عن المشاعر
في البداية توجه دكتورة ندى سيد أحمد سهام نقدها للتربية التي نتلقاها في مجتمعنا السوداني والتي تفرق في حالات كثيرة بين المرأة والرجل، بين البنت والولد. يعيبون على الولد البكاء ويعيبون عليه التعبير عن مشاعره عموما بما فيها الحب بافتراض أن ذلك ينافي مبدأ القوة والصلابة الذي يجب أن يطبع شخصية الرجل.
المفارقة هنا أن الحروب منذ قديم الزمان يؤججها ويقودها الرجال في الغالب الأعم ويكتوي بنارها الأمهات والنساء. الحرب الدائرة الآن ليست استثناء اذ تكتوي بنارها النساء وهن الفئات الأضعف في كل الحروب، تتعرض للاغتصاب والتحرش والسبي والعنف الجسدي، دون أن يتوفر لها ما تدافع به عن نفسها. وفوق ذلك تحرق الحرب قلوب النساء حين تأخذ ابناءهن.
تضيف الدكتورة ندى سيد احمد في حديثها لراديو دبنقا إن الأطفال حين يولدون يحتاجون للحب والرعاية والأمان. بدون هذه العوامل تحدث عنده تشوهات نفسية ستلازمه طول عمره، أو قد يحدث له ضمور في النمو بشكل عام وقد يؤدي الحرمان من الحب والاهتمام لموت الطفل.
يتم تنشئة الأطفال ورعايتهم لتأخذهم الحروب كوقود لها وسيقطون أمام نيران العنف. هنا يلعب الحب دورا جديدا. المواساة في الفقد والمطايبة والدعم النفسي والروحي الذي يمارسه افراد المجتمع مع بعضهم البعض في هذه الظروف هو نوع من الحب. طاقة من الحب غير المشروط نتبادلها ونوزعها فيما بيننا لتلطيف مرارة الحرب وحدة صدمتها.
هذا فيما يصيب الشباب الذين شبوا عن الطوق بحسب دكتورة ندى، أما الأطفال وصغار السن فينتظرهم مصير مظلم أيضا سيظهر لاحقا وتظهر نتائجه في الجيل الحالي. من ضمن اثار هذه الحرب المتوقعة على الأطفال هو الإصابة بأعراض ما بعد الصدمة التي يعبر عنها الأطباء باختصار PTSS .
هذا إضافة للفتيات صغيرات السن اللواتي يتعرض للعنف الجنسي والاغتصاب في ظل هذه الحرب، واللواتي هن بحاجة للسماع والتفهم والكثير من الحب لتلافي اثار الصدمة التي تعرضن لها.

الحب هو المخرج:
من ناحيتها تؤمن الشاعرة نوال حسن الشيخ على أن المخرج من ضغوطات الحرب الحالية والاثار التي تتركها على المواطنين بمختلف شرائحهم هو الحب، وتضيف قائلة:
“مخرجنا من الحياة وضغوطاتها الراهنة ومن الحرب التي نعيشها هو الحب، لأنه يعطي الدفعة التي تقاوم المرارات. وأن الحرب بكل ضراوتها وقساوتها تربط أكثر بين الناس وتعزز من إحساس الفرد بالآخر”.
ومع ذلك تشير نوال إلى الخلل الحادث في التربية فيما يتعلق بفكرة الحب في المجتمع السوداني. تقول موضحة بأن الناس تخاف وتتوجس من كل ما يرمز للحب:” حين أرسل لشخص شعار قلب في تفاعل عبر السوشيال ميديا يكون الأمر مثار حيرة وربما تفسير خاطئ”. وطالبت الناس بعدم التوجس والتعبير عن مشاعرهم وتظهر محبتها للآخر بشكل عام، لأن عدم اظهار المحبة، على حد قولها، يقلل من كثافة العلاقة بين اثنين أيا كان نوع هذه العلاقة.
يقول الخبير الإنجليزي “آلان دي بوتون” الذي كتب كثيرا عن الحب وتناوله بالدراسة إن الناس يدلفون لعالم الحب بمعناه الخاص كعلاقة بين رجل وامرأة، بتكوين طفولتهم الأولى، وكي يفهم الطرفان بعضهما البعض يجب الاعتراف بجانب الطفولة واظهاره. وهو أمر ينزع الكثير من الجانب الرومانسي من العلاقة.
تجئ هذه الحرب وتجيء معها معها ذكرى يوم المرأة العالمي في الثامن من مارس وبلادنا تشهد الحرب بكل اهوالها، الامر الذي يعني نزع أي ملامح رومانسية من حياة المتزوجين، وأيضا من الأزواج الجدد الذين التقوا وأحبوا وتزوجوا في ظل هذه الحرب. هناك التشرد والضياع بين مدن النزوح بالداخل وبلدان اللجوء بالخارج. وهناك الحاجة ونقص المال وفساد المزاج.. كل ذلك لا يفقد الحب معناه، مجرد تخلص من غشاء الرومانسية الذي حبس مفهوم الحب في حضارتنا الحالية منذ القرن الثامن عشر.
ولكن كما تقول دكتورة ندى سيد احمد: “الحب أساس الحياة، خاصة لما يكون في ضغوطات. يجب أن يتصالح الفرد مع نفسه، يجب أن تكون صديق نفسك وحبيبها أولا قبل أن تكون صالحا لعلاقة أو لرعاية أسرة والاهتمام بها”.
من جانبها تقول نوال حسن الشيخ: “الحياة تمضي قدما، الحرب أمر عارض عابر. الشخص يدفن ولده ويحزن ولكنه يعود للحياة في النهاية. في وقت الحرب محتاجين ننعش عواطفنا، بالمحبة تسير الحياة، حين تحب تخضر وتزدهر وتفرهد كزهرة. الحب اخضرار ومحبة الاهل هي صمام الأمان.

إبراهيم حمودة – راديو دبنقا