ولاية الجزيرة.. الحرب تفتك بالناس وتهلك الزرع والضرع

جندي من الدعم السريع محتفلا باستلام قيادة الفرقة الاولي مشاه بود مدني دون مقاومة من الجيش يوم الثلاثاء 19 ديسمبر 2024

* القرى الآمنة تجرب النزوح والتهجير وتسير على درب المجهول

* مقتل وإصابة العشرات وسط التهجير القسري والإرهاب

* النساء والأطفال يعيشون كابوسا بلا حدود وينتظرون الفرج

حملة ساندوا السودان:اعداد وتحرير – مداميك

تقرير :رحاب فضل السيد

ود مدني: 13 ابريل 2024 – كانت شوارع ولاية الجزيرة -أم المشروع الزراعي الكبير- طيلة السنوات الماضية وفي مثل هذه الأيام، تزدان بالبروش والموائد الرمضانية خاصة في مداخل ومخارج الولاية، منصوبة مثل الشِراك تنتظر فريستها من العابرين للراحة وتناول الطعام، إلا أن الولاية ومنذ ديسمبر الماضي عندما اجتاحتها قوات الدعم السريع لم تعد بخير، فقد هُجّر أهلها وتشتتوا بين القرى والمدائن بسبب الإنتظام في اجتياح القرى الآمنة التي لا تعرف الحروب.

اعتداء وتهجير

وشهدت مناطق كثيرة حالات نزوح تقشعر لها الأبدان، مئات من الأسر أطفال ونساء ومرضى وكبار سن يحملون حقائبهم وينتشرون في طريق المجهول في نهارات رمضان الغائظة، فالحقول لم تعد تشتعل قمحاً، والسنابل لم تعد تقوى على الصمود فقد تكسرت سيقانها، يمسي الأهالي وهم يتساءلون من يُقتل اليوم؟ وهل نحن النازحون الجدد لنجهز حقائبنا أم سنكون من المُضيفين لنستعد لاستقبال المهجرين من القرى المجاورة؟ وشهادات الموجدين في قاع الفجيعة تحمل الكثير.

كل الحكاوي هناك في ولاية الجزيرة تكشف عن واقع جديد لم يكن مألوفاً من قبل، فعقب سقوط ود مدني عاصمة الولاية وتدهور الأوضاع المعيشية والأمنية للمواطنين نزحت أعداد كبيرة من المواطنين الى الولايات الآمنة ومحليات الولاية المختلفة، ومنهم من آثر البقاء يصارع المصير المجهول، قرية “شبونة طه” واحدة من القرى التي نالت نصيبها من انتهاكات وحشية لم تفرق بين الصغير والكبير.

انتهاك الانسانية

الصحفي عثمان شبونة ظل مقيمياً بقريته هذه ويوثق لما يحدث لها قائلاً إن “الغروب.. بداية الهدوء وانقطاع سكارى الجنجويد من القرية.. وهو الهدوء الذي يسبق قلق الصباح وأسئلته من الذي يُقتل اليوم؟ من الذي ستنتهك إنسانيته أو يفقد شيئاً عزيزاً؟”

ويحكي “شبونة”قائلاً  إن “الجنجويد” وفي عقر دارك يطللبون بطاقتك الشخصية وسؤالهم الأول لي: عاوزين الطبنجة والقروش بسرعة.. أرد عليهم بسكين البصل: هذا هو سلاحي.. أما القروش فعليكم بالتفتيش.. ولو كنت أملك مالاً لما وجدتموني في هذا المكان البائس. أما سؤالهم الثاني  فهو مركّب وشائع: وين الجيش ووين السكر في القرية..؟ الإجابة: لا أعلم شيئاُ عن الجيش ولكن يُقال أنه في سنار والمناقل.. أما السكر الخاص بالتجار فقد سبقتكم مجموعات إليه ولا يتوفر لدينا في هذا المنزل سوى دقيق للأكل؛ ملئ بالديدان والسوس.. ثم.. ينظر الجنجويدي اللص إلى غربال السوس الملقي قريباً منه.. برهة ويسأل عن مفتاح أحد الدكاكين فآتي إليه بصاحب الدكان، فلا يجد اللص في الرفوف سوى العناكب.

– يسأل أخي: شغال شنو؟ الإجابة: ببيع تمباك. يستنكر الجنجويدي بالقول: طيب التمباك دا ما حرام..! يجيبه أخي: طيب من وين أأكل عيالي.. و.. و..

ويمضي الصحفي شبونة في سردية مسرح العبث قائلاً “أما أنا فكدت أن أضحك رغم الوجع.. فهذا الجنجويدي الذي يتحدث عن الحرام يحمل شاشة ومكبس وكيس مفاتيح سرقهم حالاً من بيت أخي الغائب بعد ان كسر أبوابه بحقدٍ يندر مثيله”.

معاناة المدنيين

شهادات “شبونة” أكدت مقتل العشرات على أيدي قوات الدعم السريع وتعددت الجرائم لتشمل التعذيب بالسلاح والسياط والهراوات، التحرش بالنساء، السب العنصري ونهب الأموال والهواتف والعربات والركشات وخلق الفتن بين الأهل عن طريق الاستعانة بشباب القرية في كسر أقفال البيوت، والتعرض لباعة البطيخ والطماطم.

تتعدد الروايات والفاعل واحد لجرائم غريبة لم تشهدها أي من الحروب، تروي المواطنة أميمة عثمان من منطقة جنوب الجزيرة أن قوات الدعم السريع اقتحمت قريتها بعدد سيارتين ودراجات نارية واشتبكوا مع رجال القرية وأردوا منهم عشرات الجرحى، مما دفع المواطنين الى النزوح في شكل مجموعات كبيرة هرباً من فظائع القوات المعتدية.

وقالت أميمة إن “مجموعات من الدعم السريع دخلت البيوت عنوة وافرغت صهاريج المياه وعجين الكسرة وحتى البليلة وهي على النار قاموا بتقديمها وجبة للغنم”، وجلد كل من يعترضهم وشتمه بأبشع مفردات الشتم والسب والتحرش اللفظي.. أما عشرات  القرى التي تتبع لوحدات طابت والمحيريبا والربع العوامرة ظلت منذ فترة طويلة تشهد انتهاكات متعددة ومتتكرة واشتباكات بين قوات الدعم السريع والأهالي الذين يقاومون بالسلاح.

إرهاب النساء والأطفال

وقال المواطن “س. أ” إن مجموعة مسلحة اقتحمت منزله وطالبته بتسليم مفتاح العربة وسط إرهاب أفراد الأسرة بإطلاق الأعيرة النارية في الأرض، ما تسبب في إصابة طفلة أخيه البالغة من العمر تسعة سنوات بعيار ناري استقر في صدرها يصعب استخراجه لقربه من القلب كما أفاد الطبيب، وأكد المواطن “س. أ ” أن قوات الجيش المتواجدة بمحلية المناقل لم تحرك ساكنا برغم استغاثة الاهل بهم كثيرا، سوا عملية تمشيط خجولة ثم عادت أدراجها الى المناقل.

وفي سبيل تصعيب الحياة على المواطنين في مناطق سيطرتهم بولاية الجزيرة شرعت قوات الدعم السريع في فرض ضرائب على التجار وأصحاب المركبات التجارية، كما طالبت الاهالي برسوم فلكية نظير خدمتي المياه والكهرباء، مما انعكس على ارتفاع اسعار المواد الغذائية خاصة مع شهر رمضان المعظم.

وقال المواطن أحمد حمد إن اسعار السلع الإستهلاكية بمنطقة 24 القرشي مرتفعة في ظل صعوبة الحصول على المال، وبلغ سعر جوال السكر 85 الف جنيه، وجوال الدقيق 32 الف، جوال البصل 35 الف، والف جنيه لرطل الزيت، و6 الاف لكيلو اللحم البقري.

 وتسببت الحرب في فقدان العديد من المواطنين بالولاية مصادر رزقهم لذا كان الاعتماد على تحويلات المغتربين، وأما الذين يعتمدون على الزراعة هم أنفسهم يعانون من ارتفاع تكاليف الحصاد وانخفاض اسعار المحاصيل.

إفقار المواطنين

ومنذ ديسمبر 2023 تعيش ولاية الجزيرة في وضع اللا حكومة بعد أن أنسحب الوالي وحكومته الى مدينة بورتسودان، وسطت قوات الدعم السريع على المدينة لتقوم بتعيين إدارة أهلية مدنية بالولاية، وحمّلت لجان المقاومة والقوى الموقعة على الميثاق الثوري لتأسيس سلطة الشعب كل الأطراف الداعمة للدعم السريع المسؤولية.

كما أدان بيان لجان المقاومة ما وصفتها بالمواقف المخزية للقوات المسلحة السودانية وبقية القوات النظامية في مواصلة الانسحابات وتخليها عن دورها في حماية المدنيين، وتركهم لوحدهم في مواجهة عنف وبربرية المليشيا التي صنعتها، وعدم تجاوبهم مع كل مناشدات الموطنين الذين يتم اجتياح قراهم وترويعهم يوماً بعد يوم مما اضطرهم للنزوح القسري.

واعتبرت لجان مقاومة ولاية الجزيرة موجة العنف الثالثة التي شنتها قوات الدعم السريع على قرى ومدن الولاية هي الأوسع والأعنف، إذ شملت كافة محليات الولاية دون استثناء، مع الإمعان في قهر وإرهاب وافقار المواطنين العزل.

وقال بيان صادر عن لجان الولاية “خلفت هجمات المليشيا الإرهابية عشرات الشهداء والجرحى، وعرضت آلاف الأسر إلى مخاطر الجوع بعد نهب مخزونات المحاصيل الغذائية وقطع طرق الإمداد وتدمير الأسواق.”

وفي ذات البيان اعلنت لجان المقاومة عن حصر وتقرير أولي لمجموع القرى التي حدثت بها انتهاكات وجرائم حرب وسقوط قتلى وسط المدنيين من أهالي وأطفال قرى ولاية الجزيرة منذ دخول شهر رمضان المعظم، حيث وصل إجمالي الشهداء الذين سقطوا برصاص الدعم السريع  إلى عدد 43 شهيد منذ دخول شهر رمضان في عشرات القرى وغيرها من الانتهاكات التي لم ترصد بسبب انقطاع شبكات الاتصالات.

(#) إنتاج هذا المحتوى ضمن حملة #ساندوا_السودان التي أطلقها (منتدى الإعلام السوداني) والتي تهدف إلى لفت الانتباه إلى الكارثة الإنسانية وتدارك المجاعة ووقف الانتهاكات  في السودان وتنشر بالتزامن في منصات 27 مؤسسة ومنظمة صحفية وإعلامية مشاركة في الحملة .

#ساندوا_السودان

#Standwithsudan