نساء ملهمات: رجاء موسى رئيسة منظمة شهداء سبتمبر (ما ضاع حق وراءه مطالب)

حتى صباح الرابع والعشرين من سبتمبر 2013 لم تكن تدري أنه يوم التحول في حياتها من ربة أسرة عادية تهتم باسرتها الصغيرة بعيدة عن الشأن العام والمواجهات الأمنية، إلى مناضلة ومتحدية بحثاً عن حقوق شباب ويافعين سالت دماءهم في سبيل حرية وطن

..

حتى صباح الرابع والعشرين من سبتمبر 2013 لم تكن تدري أنه يوم التحول في حياتها من ربة أسرة عادية تهتم باسرتها الصغيرة بعيدة عن الشأن العام والمواجهات الأمنية، إلى مناضلة ومتحدية بحثاً عن حقوق شباب ويافعين سالت دماءهم في سبيل حرية وطن. رحلتها بدأت برصاصتين في صدر بكرها ذو السبعة عشر عاما ظهيرة ذلك اليوم. متحدثة لراديو دبنقا ضمن سلسلته (نساء ملهمات) وغصة في حلقها قالت: " جاني أخوه الصغير يبكي قال لي عصام انضرب في جبهته … جريت الشارع كان اصحابه متجمعين سألتهم عصام وين؟ بعد صمت واحد قال لي في مستشفى النو…" . الطريق إلى مستشفى النو كان بداية جولة خليط من أمل وألم يتجدد كل يوم في رحلة امتدت لثمانية أعوام حتى يومنا هذا. لم يكتف قتلة إبنها بقتله ذلك اليوم بل قاموا بإختطاف جثمانه من أصدقائه محاولة لمواراة سوأتهم، ولأنهم أنكروا معرفتهم بالمغدور طالت رحلة بحثها بتضليل ومواجهات من رجالات الأمن، تذكر : " بحثنا بمستشفى النو ولم نكن ندري باستشهاده، فدلونا الى قسم الشرطة لابعادنا عن المكان تمهيداً لأخذه خفية لمشرحة بشاير.." . امتدت رحلة التضليل من النو لحوادث ومشرحة مستشفى ام درمان، فمستشفى الخرطوم وسط مواجهات مع أفراد الأمن وطرق مغلقة يغطيها الدخان، لتنتهي رحلة المأساة تلك منتصف الليل بمشرحة بشاير. تحكي " ..كان في عدد غير عادي من أفراد الأمن أمام المشرحة..  لم يسمحوا بدخولنا أو السماح بمعرفة ما حدث إلا بعد مهاتفة من د. عقيل الذي تعرف على إبني من وصف ملابسه .. دخلت وعلى بعد مترين من مدخل المشرحة كان يرقد عصام في نقالة على الأرض في ممر سجل كمجهول الهوية، غٌطى جسده بملاءة قصيرة كشَفت قدميه، تعرفت علي تلك القدمين .. عُقدت سبابتيه بقطعة .. كشفته .. رائحة دمه لازالت تملأ أنفي .." . إنتهت رحلة ذلك اليوم  لتبدأ اعواماً من رحلة نضال أم ، ومثلها أحلام أم هزاع ونعمات أم علم وحاجة آمنة وغيرهن.

من هي؟

رجاء موسى حميمة والدة عصام محمد بخيت الذي استشهد في الرابع والعشرين من سبتمبر 2013 بأمدرمان، الثورة الحارة 76 ، ورئيسة منظمة شهداء سبتمبر التي اعلن تأسيسها في الأول من سبتمبر 2021 . ولدت عام 1969 بمدينة كادوقلي ونشأت بين مدينتي الأبيض والدلنج بكردفان. نالت تعليمها حتى المرحلة الثانوية، وتزوجت في العام 1995 وانتقلت الى ليبيا برفقة زوجها، وهناك أنجبت أبناءها إثنين من البنين وإبنة واحدة، أكبرهم الشهيد عصام. قدمت واسرتها من ليبيا واستقرت بالسودان عام 2005 بالمسعودية، ثم ام درمان – الثورة الإسكان. ثم غادر زوجها الى فرنسا وتولت رجاء رعاية الأبناء.

البحث عن شهادة وفاة

رحلة رعاية الأبناء منذ يوم استشهاد عصام اصبحت فوق العادة قالت : " كان والده في فرنسا ومريض وفي حالة غضب حاد وينوي الإنتقام من أفراد الأمن حتى البشير رجوته واقنعته أن لا يأتي … بعد الأيام الأولى بدأت رحلة البحث عن استخراج شهادة وفاة لإبني ومتابعة البلاغ، كان قد تم منحنا فقط إذن دفن .. بدأت المماطلة بتضليلي بين أقسام الشرطة والنيابات ومكاتب جهاز الأمن .." . لا شيئ في رحلة بحث لأشهر ، أحد ضباط أقسام الشرطة أخبرها عندما لمس إصرارها جيئة وذهابا بإن أوامر عليا قد صدرت (لا أحد يسأل).  قالت : " كان يتم صدي في مكاتب جهاز الأمن من عند البوابة … تحدث أحدهم ذات مرة (إنتي ما ولدك خلاص مات تاني عايزة شنو بالشهادة) .. وقال أنهم ينوون تجميع اسماء الشهداء ليستخرجوا شهادات الوفاة دفعة واحدة وطلب رقم هاتفي للإتصال للتسليم، فاستخدموا الرقم بعد ذلك لتهديدي بالكف عن البحث .. " .

تحرك جمعي

رجاء توصلت لقناعة وليس خوفاً بأن لا شئ يمكن الوصول إليه في جولتها وحدها، فهنالك 217 شهيد وليس عصام وحده. قالت: " بدأت بتجميع أسماء الشهداء وتواصلت باسرهم وكان أول اجتماع بمنزلي في العام 2013 وانضم إلينا بعض المحامين والناشطين .. كنا 12 أسرة وبدأنا البحث عن بقية الأسر والتواصل معهم .. " . فكانت (رابطة أسر شهداء سبتمبر) وبدأ التحرك الجمعي بتسليم ملف الشهداء للمحامي معتصم الحاج وكان التواصل مع ناشطين واحزاب.

لقاءات وتواصل ونشاط البحث عن حقوق الأبناء الشهداء التي انطلقت لم تهزها أو ترهبها رقابة ومطاردة أفراد الأمن، فلسان حالها يقول، ما الذي يرهب أم قتل فلذة كبدها بدم بارد. قالت : " كنت مراقبة في البيت ومشاويري ولقاءات الأحزاب بنا .. نفذنا وقفة احتجاجية بموقف الحاج يوسف ذات مرة هاجمونا فتمكنت من الهرب واستغليت حافلة، تعقبتني دراجة نارية من الحاج يوسف حتى منزلي .. حذرني خالي فقلت (في حاجة اكتر من قتل ولدك، يعملوا العايزين يعملوه)" .

صمود في وجه التهديد

رجاء ظلت صامدة قوية لا يهزها أو يرعبها التهديد حتى عندما يمس ذلك إخوة الشهيد .. وردتها عبارة من القتلة عبر الهاتف ذات مرة (أعملي حسابك فقدتي واحد)، فلم تزدها إلا عزماً. بل أتتها فكرة إنشاء المنظمة في عهد النظام البائد ولكنها كانت على قناعة بعدم السماح بتسجيلها، لتظل المطالبات بالقصاص للشهداء اللذين لم يكرموا حتى بإستخراج شهادات تثبت وفاتهم حتى اللحظة. مطالبات دقت أبواب المنظمات الدولية يأساً من العدالة في الداخل، لتتصدر المطالبة بالتحقيق في مقتل عشرات الشباب في تظاهرات سبتمبر تقارير الخبير المستقل المعني بحالة حقوق الإنسان في السودان. قالت : " تواصلنا مع الخبير المستقل لمجلس حقوق الإنسان .. قابلنا مرتين في فترات متباعدة وطمنا ولكن …" .

ميلاد المنظمة

استبشرت رجاء ومن معها من أسر الشهداء خيراً بعدالة ما بعد الثورة التي مهرت أيضاً بدماء شباب مثلهم مواصلة دون كلل في طرق أبواب الحق والعدل. فاطلقت (منظمة أسر شهداء سبتمبر) مطلع سبتمبر الحالي من 35 أسرة شهيد بأهداف المطالبة بالعدالة والقصاص من للقتلة، وتوجد رجاء موسى على رأسها رئيسة للمنظمة. إنشاء المنظمة سبقته تحركات نشطة وطرق لم يفتر على أبواب العدالة فتم لقاء مع النائب العام السابق تاج السر الحبر، والنائب العام المكلف مبارك محمود الذي كون لجنة تحقيق وسمح بإجتماع الأسر قبيل إنشاء المنظمة بدار التحقيقات بام درمان.    

 قالت " بعد السقوط قويت عينا وبدأنا التفكير جدياً في إنشاء المنظمة .. تجمعنا حتى الآن حوالي 35 أسرة وهناك أسر بدأت في الظهور من الولايات… قابلنا مفوض حقوق الإنسان بالسودان ووعد بدعم مطالبنا .. كذلك التقينا حمدوك بعد تسجيل المنظمة .. حققت معنا لجنة التحقيقات كأسر شهداء قبل 8 أشهر .. ".

رجاء موسى رئيسة (منظمة أسر شهداء سبتمبر) وأم الشهيد عصام تظل ورفاقها ورفيقاتها بعد ثمانية أعوام من الإستشهاد وأكثر من عامين على الثورة تطرق أبواب العدالة للشهداء مؤمنة كما تقول بمقولة (ما ضاع حق وراءه مطالب) منشدة :

 يا نجمة في سمانا غاب

كتلوك وقالوا عليك خرًاب

لا لا وألف لالا

ما إنت سوداني أصيل وما بتعرف درب الخراب بي وين

كتلوك السفاحين الظلمة تجار الدين

بس يوم الحساب قول لي وين ماشين