نساء ملهمات: المهندسة الزراعية سعاد الطيب أحمد

أول طالبة من منطقتها بجامعة الخرطوم، كان بحثها لنيل درجة الماجستير أول بحث علمي تطبيقي بجامعة الخرطوم -كلية الزراعة، وجهت علمها وعملها من البكالوريوس الى الدكتوراه لخدمة إنسان منطقتها أولا بهدف أن يكون القطاع البستاني رائد التنمية الاقتصادية والاستثمار والصادرات في السودان.

المهندسة الزراعية سعاد الطيب - راديو دبنقا

أول طالبة من منطقتها بجامعة الخرطوم، كان بحثها لنيل درجة الماجستير أول بحث علمي تطبيقي بجامعة الخرطوم -كلية الزراعة، وجهت علمها وعملها من البكالوريوس الى الدكتوراه لخدمة إنسان منطقتها أولا بهدف أن يكون القطاع البستاني رائد التنمية الاقتصادية والاستثمار والصادرات في السودان. 

 

رحلة التعليم ..معاناة وتحد

المهندسة الزراعية سعاد الطيب أحمد ولدت بمدينة الجنينة الطابية – دارفور في العام ١٩٥٧ ، درست مراحلها الأولية والمتوسطة بمدرسة الجنينة ثم التحقت بمدرسة الفاشر الثانوية بنات التي تعد رحلة معاناة وتحدى لا تخوضها إلا الراغبات في التعليم بمنطقتها. تذكر سعاد : " تم إغلاق مدرسة البنات الثانوية الوحيدة بعد وفاة طالبتين بحادث بسبب وعورة طريق زالنجي لتصبح مدرسة الفاشر المدرسة الثانوية الأقرب بالمنطقة .. كنا نسافر باللواري في مجموعات في رحلة قد تستغرق اسبوع خاصة وان العام الدراسي يبدأ في فصل الخريف .." .
التحقت بكلية الزراعة جامعة الخرطوم في العام ١٩٧٦ ، حيث كانت رغبتها الوحيدة تخطيطا للتخصص في بساتين الزينة لحبها الزهور.  كانت رحلتها للجامعة تجربة تحفها المغامرة والتفرد كونها الفتاة الوحيدة بين تسعة شبان من الطلاب ، قالت: " تحفظت في الذهاب للدراسة بالخرطوم كةني الوحيدة وسط عدد من الشباب ونظرة المجتمع لذلك لكن والدي دفعني ودعمني للذهاب … كان لابد لي والشباب اللحاق بالقطار في نيالا في رحلة من الجنينة استغرقت اياما، وصلنا ووجدنا القطار يستعد للتحرك فكان لابد من المخاطرة وإلا فاتتنا معاينة القبول .. اجلسوني في قمرة مع عساكر بالجيش على بنبر فيما سطح الشباب.." . مغامرة تمكنت بعدها من اللحاق بمعاينة القبول. 
جاءت سعاد للمرة الأولى الى الخرطوم التى لم تدرك عنها شيئا، تستدعى الذاكرة قائلة : " اجرى المعاينة د. سيد بشير استغرب تقديمي زراعة رغبة أولى وقدومي من الجنينة للدارسة .. وبعد أن علم بأني البنت الوحيدة في الرحلة وخلفية عدم معرفتي بالخرطوم أوصى على الفور بقبولي بداخلية الجامعة ". 

المجاعة والتحول للأمن الغذائي

 نالت سعاد بكالاريوس الزراعة تخصص بساتين كما أحبت في العام ١٩٨١. المتتبع لمحطات تجربتها العملية يجدها قد تركت بصمة واضحة في كل موقع، بدءا من تعيينها الأول بولاية جنوب دارفور في العام ١٩٨٢ حيث ساهمت بتأسيس ثلاثة مشاتل في كل من رهيد البردي، برام وكبونق. عملها بالجنينة في الفترة ١٩٨٤-١٩٨٨ مثل مرحلة هامة غيرت مسار رغبتها الأولى في مجال تنسيق البساتين الى رؤية امتزجت بين التنمية الزراعية ودعم المجتمعات . فقد تمثلت فترة المجاعة الكبرى والجفاف الذي ضرب المنطقة، فكانت مشاهد معسكر (اذرني) أول معسكر للنازحين بالجنينة، عميق الأثر في تغير وجهتها لصالح تنمية الانسان والمنطقة، قالت : " كنت ممثل الخدمات الزراعية بمنطقة الجنينة .. طفت بكل القرى ..بعد عودة الامطار ورجوع النازحين مناطقهم قمنا بتوزيع البذور ..عمرت الأرض وتحقق استقرار كبير .. ظروف المجاعة غيرت فكرتي من مجال الزينة الى التفكير في شيء يسهم في تحسين الوعي الغذائي" .  
أهم الملاحظات التي خرجت بها إبان فترة المجاعة أن سكان المناطق التي تكثر بها (جناين) الفاكهة والمانجو بشكل خاص يلاحظ استقرار وضعهم الغذائي. لتقفز الى ذهنه فكرة تحسين المنتج وحفظه لفترات اطول . فكان ابتعاثها للماجستير عام ١٩٨٨ بكلية الزراعة جامعة الخرطوم فرصة للتطبيق العلمي بأطروحة (درجة النضج لحصاد المانجو وحفظها بطرق محلية)، واعتبر أول بحث تطبيقي علمي بجامعة الخرطوم يخرج من مناطق الانتاج استخدمت فيه مواد متاحة طبيعية لحفظ المانجو بأشكال: لفائف، شرائح ورقائق . " فكرة الطواف على مناطق المجاعة اعطتني فكرة ايجاد طريقة لحفظ المانجو لتكون متوفرة طوال الموسم وحفظها بطرق تقليدية محلية دون التأثر بانعدام الكهرباء .. كانت النتائج ممتازة اعطت مؤشر لإنتاج المانجو وتجفيفها وحفظها لسنتين بشكل جيد " . 
في العام ١٩٩١ عملت سعاد الطيب على تطبيق الفكرة في نطاق توفير احتياجات الاسر، تم تدريب مجموعات عديدة من النساء في ولاية غرب دارفور بوادي صالح، زالنجي والجنينة، على أمل تبني حكومة الولاية الفكرة وتوفير المعينات للنساء ولكنها استطردت قائلة :" للأسف لم يكن هنالك اهتمام عدا في بيوت قليلة بجهود ذاتية للاستخدام الخاص" .
 أنشأت في العام ١٩٩٤ الإدارة العامة للاستثمار الزراعي بولاية غرب دارفور انطلاقا من فكرة ايجاد الحلول لتطوير عمل الاستثمار الزراعي وقامت بوضع خريطة استثمارية للولاية الواعدة وصفت بالممتازة. وقدمت بالفعل عدد من دراسات الجدوى لمشاريع استثمارية لم تر النور لغياب استراتيجية عامة لإحداث تنمية، قالت: " توضع خطط الولاية بحسب مزاج الوزير الذي يتولى مهام الوزارة بالولاية". زاد على ذلك تدهور الحالة الأمنية بالولاية بداية من العام ١٩٩٨ . مما اضطرها مغادرة دارفور الى الخرطوم في العام ٢٠٠٢ والتي استقرت بها. 

الاستقرار بالخرطوم

جاءت الى الخرطوم تحمل ايمانها بأن القطاع البستاني يمكن أن يكون رائدا في التنمية الاقتصادية بالبلاد. فأسست مع زميلها (مركز الصادرات البستانية) بوزارة الزراعة بمواصفات علمية وعالمية لكنه اصطدمت مجددا بعدم الدعم التأسيسي للمركز وفقا للمواصفات المنشودة وعمل بمكون محلي لقرارات ومصالح شخصية فلم يكتب له التقدم. 
عملت في الفترة ٢٠٠٣-٢٠٠٥ بالإدارة العامة للتقانة والإرشاد بولاية الخرطوم. وعادت في العام ٢٠٠٦ لمكتب الصادرات ضمن مشروع تجفيف زراعة الفاكهة . وتم نقلها في العام ٢٠٠٧ مفوضا للزراعة بوزارة الاستثمار الاتحادية حتى العام ٢٠١٢، فالإدارة العامة للتخطيط الاستراتيجي بوزارة الزراعة الخرطوم حتى العام ٢٠١٥. ورغم خططها الطموحة إلا أن تدخل السياسيين في عملية تنفيذ الخطط الاستراتيجية حال دون تحقيق التنمية المنشودة.

المانجو واستراتيجية تنمية الريف

تفرغت لإعداد رسالة الدكتوراه بكلية الدراسات الإنمائية جامعة الخرطوم في العام ١٩١٦ بمقترح (التصنيع المنزلي لتجفيف المانجو كاستراتيجية تنمية الريف بولاية غرب دارفور). وتقوم على دراسة تطبيقية حول سلاسل الإنتاج لمحصول المانجو والتطبيق العملي للتجفيف . 
وفي الدراسة الميدانية التي تمت في الفترة ١٩١٩-٢٠٢٠ تم تدريب مجموعات من النساء في ثلاثة مراكز (الجنينة، اردمتا، كندبي) على كيفية اعداد المانجو (لفائف، شرائح ، رقائق) .وكيفية تحقيق ذلك في المناطق التي لا تتوفر بها كهرباء وحفظها بمواد طبيعية وتخزينها بطرق محلية في ازيار ،كراتين .. . وقد تمكنت تلك المناطق من انتاج شرائح المانجو بشكل تجاري فكانت متوفرة حتى في غير مواسم المانجو. وقد اسهمت اسهاما كبيرا في زيادة دخل الاسر وساعدت في الاستخدام الشخصي خاصة تغذية الاطفال. بل فتحت المتدربات فرصة للتسويق لدول الجوار فهناك رغبة في حركة التجارة الحدودية مع تشاد لتسويق المانجو وتم الاتفاق بالفعل . 
استفادت سعاد الطيب من تجاربها السابقة مع الجهات الرسمية التي تهتم بالجوانب الامنية دون التنموية معتمدة على ذاتها في تلك التجربة من توفير احتياجات. فمن مزرعتها الخاصة لأشجار المانجو وفرت المواد متخذة من منزل الاسرة مقرا للتدريب لمركزي الجنينة واردمتا . اما مركز كندبي فاستعانت بجمعية تنمية المجتمع التي وفرت الاحتياجات التدريبية. 

مساهمات علمية وخارجية

نشرت المهندسة الزراعية سعاد الطيب العديد من الأوراق بدوريات علمية استطاعت خلالها تقديم نفسها للعالم كخبيرة في تجفيف وحفظ الفاكهة والمحاصيل. 
ساركت في العام ١٩٩١ في عرض منتج المانجو بالمانيا مع مؤسسة فردريش ايبرت والذي وجد قبولا من المستثمرين ولكن لم تتقدم الخطوة الى الأمام لعدم التطبيق للإنتاج الموسع والمحسن منمن الدولة. 
شاركت في العام ٢٠٠٨ في دورة تدريبية للدول الافرواسيوية بماليزيا حول الفاكهة الاستوائية ومعاملات ما بعد الحصاد، كمدربة لنقل تجربة تجفيف المانجو بالسودان. 
سعاد لازالت تحاول يحدوها الأمل في التوسع وتطبيق ما تصبو اليه وفق استراتيجية للدولة بتوفير البنيات التحتية من طرق وكهرباء وانشاء مراكز الفرز والتعبئة وايجاد علاقات تجارية تستوعب الانتاج وفق خطة عامة للاستثمار الزراعي وتحسين المنتج وربطه بالأسواق العالمية ، مستشهدة في ذلك بتجربة الايكواس التي عملت على تطوير صناعة المانجو وتمكنت من تكوين اتحاد تطوير صناعتها وانشاء سوق مؤسس باوروبا وتوفير مجففات بالتركيز في عملها على الطاقة الشمسية تماشيا مع متطلبات المناطق الريفية المنتجة . قالت : " لابد من  دراسة تطوير سلاسل الانتاج لأصناف محسنة ومرغوبة عالميا… الفاقد من المحاصيل يفوق ٥٠% كان ي مكن أن يكون منتج آمن يساعد في محاربة الفقر والجوع بتوجيه طاقات تنمية الريف … لا مبرر لندرة المحاصيل والسلع الزراعية فكل المنتجات الزراعية يمكن حفظها بأشكال مختلفة آمنة .. "