اطفال فرو مع اسرهم من الفاشر :راديو دبنقا

قرني: 14 نوفمبر 2025: راديو دبنقا

تقرير: عبد المنعم مادبو

مع اشتداد المعارك التي أسفرت عن سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر وانسحاب القوات المسلحة والقوة المشتركة من المدينة، كانت موجات النازحين تتدفق شمالاً نحو منطقة قرني، حيث لجأ إليها المئات من الأسر التي فرت تحت أزيز الرصاص ودخان الحرائق التي غطّت سماء المدينة. في طرق النزوح، امتزج الغبار بدموع الفقد، وفي قرني بدأت حكاية جديدة للنجاة، ترويها وجوه أنهكها خوف عايشوه لاكثر من 500 يوم، لكنها ما زالت متمسكة بالحياة.
خلال استطلاعاتٍ ميدانية أجراها راديو دبنقا مع عددٍ من الفارين من الفاشر، تحدّث الناجون عن رحلةٍ محفوفة بالمخاطر فقدوا فيها التواصل مع بقية افراد اسرهم، وعن استقبالٍ كريمٍ وجدوه من سكان المنطقة الذين فتحوا بيوتهم وقلوبهم للنازحين. شهاداتهم تعكس صورة مأساوية، لكنها تكشف أيضاً عن تضامنٍ نادرٍ يلمّ جراح من نجوا من الحرب

رحلة الهروب من الموت

يقول ضحية عشر مكي، وهو من أوائل الواصلين إلى قرني، لراديو دبنقا إنه خرج من الفاشر في التاسع والعشرين من أكتوبر بعد ثلاثة أيام من سيطرة الدعم السريع على المدينة. “الحمد لله وصلنا قرني، وجونا ناس المنظمات استقبلونا استقبال طيب، وجابوا لينا أكل وشراب، الحمد لله لقينا الحياة بعد الضياع… الأكل والدواء هنا أحسن من الفاشر بألف مرة”. ويضيف مكي لراديو دبنقا وهو يحاول حبس دموعه: “اطمئن اهلي في كبكابية، ودولة مصر اني على قيد الحياة، ونحن الآن في يد المنظمات ساعدونا بتوفير الأكل والشراب والدواء. الوضع احسن من الفاشر بألف مرة”.
بعد الأمان النسبي الذي شعر به، بدأ الحاج مكي يفكر في الوجهة التي يجب ان يسلكها ما بين العودة للفاشر أو المضي قدماً الى مكان آخر، ويقول “الآن نحاول إذا لقيت طريقة نصل الى منطقة طويلة ومنها نحاول السفر الى ابنائي، أو نرجع الى الفاشر لنطمئن على بيوتنا ومساكننا، ابلغونا الآن انهم شغالين ينظفوا في الفاشر، لو رجعنا نساعدهم ويساعدونا لانهم بقوا حكومة جديدة” مشيرا الى ان المعلومات المتوفرة لديه ان الوضع في الفاشر صعب ولا توجد فيها موية ولا صحة.
وتقول نعمات يحى الزين لراديو دبنقا ان المنظمات وفرت لهم حتى الآن بعض مواد الأكل والشرب، لكنهم يعانون من عدم وجود ملابس وأغطية وفرشات في ظل الاجواء الشتوية التي تمر بها المنطقة، وقالت “خرجنا من الفاشر ولم نحمل معنا شئ سوى بالملابس التي على اجسادنا، لذلك نحتاج الآن الى توفير الملابس والاغطية والفرشات”

وصول نازحين من الفاشر إلى طويلة بشمال دارفور-5 نوفمبر 2025=منسقية النازحين واللاجئين
وصول نازحين من الفاشر إلى طويلة بشمال دارفور-5 نوفمبر 2025=منسقية النازحين واللاجئين

*ما عارفين ماشين وين *

أما علي عبد الله أحمد، الذي نزح مع بداية حرب 15 ابريل 202م، من مدينة كتم الى الفاشر، فيحكي عن رحلة نزوح آخرى محفوفة بالقلق: ويقول لراديو دبنقا “بعد سيطرة الدعم السريع على مدينة الفاشر، قمنا مارقين، جمعونا في الطريق وركبونا في أربع جرارات. ما كنا عارفين ماشين وين، قعدنا 17 يوم في منطقة الميناء، وبعدها قالوا لينا عفيناكم وجابونا هنا في قرني، هسه قاعدين هنا” وطلب الحاج عبد الله من ابنائه المتواجدين في ليبيا ان يرسلوا له مبالغ مالية تمكنه من السفر الى ابنائه الآخرين في مدينتي كتم او طويلة، قبل ان تخنقه العبرة ويزرف الدموع عندما ذكر زوجتيه مريم بخيت وكلتوم موسى. ويختم حديثه قائلاً بصوت متهدج: “ما عندي فراش ولا غطاء، بس بنستعين بالله”

نساء فقدن كل شيء إلا الأمل

سعاد الطاهر عبد الله تسكن شمال الأهلية في الفاشر، تتحدث وهي تمسح الغبار عن وجهها “جينا من الفاشر بعد ما فقدنا ناسنا في كبكابية، أخوي عمر الطاهر اتوفى في الحرب، وأنا كنت ماشة سرف عمرة وجيت معاه. هسه ما في لي طريق أرجع الخرطوم ولا كبكابية” تضيف بحسرة: قاعدين في الوطاة، ما في موية، لا حمامات، ولا راحة، الناس كلها تعبانة. دايرة بس طريقة نطلع بها من هنا، لنصل ابنائي في مليط. وذكرت سعاد انها فقدت عدد من افراد اسرتها في الفاشر، اثناء خروجهم الى منطقة قرني قبل اسبوعين، واضافت “فقدناهم في الشارع ونحن الآن منتظرين ربما يأتوا في اي وقت”

مبادرات محلية ومنظمات إنسانية

ورغم الظروف الصعبة، يثني كثير من النازحين على مبادرات المجتمع المحلي والمنظمات الموجودة في المنطقة. يقول إبراهيم عبد الله، أحد النازحين من الفاشر لراديو دبنقا “بعد ما جينا عملوا لينا تكية، والأكل متوفر الحمد لله. المنظمات جابت لينا شوية مساعدات، زي البسكويت والعلاج، لكن ناقصنا بطاطين وفرشات” ويضيف: “الناس هنا استقبلونا استقبال كويس، ربنا يجازيهم”
أما محمد آدم إدريس، القادم من حي مكركة، فيوجه نداءً عاجلاً للمنظمات الإنسانية: “أدونا بلح ودقيق وزيت وسكر، لكن نحن محتاجين دواء ومصاريف. ناس كتير مرضانة ومحتاجة علاج”.
النازحون في قرني يجمعون على مطلب واحد: استمرار الدعم الغذائي والصحي، خاصة مع دخول فصل الشتاء، وازدياد أعداد الوافدين من الفاشر والمناطق المجاورة. وقد تحولت منطقة قرني، إلى نقطة تجمع جديدة للنازحين من الفاشر وكتم ومناطق أخرى من شمال دارفور.

تدخل وكالة الاغاثة الدولية

في الاثناء ارسلت الوكالة الدولية للاغاثة والعمليات الانسانية قوافل انسانية تحمل مواد غذاء للنازحين في منطقة قرني، وقالت انها كثفت عملياتها الانسانية لتلبية احتياجات المواطنين والنازحين في المنطقة، واشارت الوكالة الى ان الحوجة للمساعدات الانسانية في المنطقة كبيرة وتحتاج الى التدخل العاجل من المنظمات الانسانية. وذكر احد المسئولين في الوكالة ان موظفي الوكالة يجرون الآن حصراً للنازحين ومن ثم تبدأ عمليات توزيع المساعدات الغذائية للمواطنين. وذكر ان المنطقة تواجه الآن مشاكل في عدم توفر مياه الشرب والخدمات الصحية بجانب مياه الايواء.
وعلى الرغم من التحسن النسبي في الأمن، فإن الأوضاع الإنسانية تظل حرجة، ومع ذلك، يتمسك النازحون بأمل العودة إلى ديارهم، متطلعين إلى أن تضع الحرب أوزارها قريباً.
قصص ضحية، إسماعيل، وسعاد وغيرهم ممن تحدث اليهم راديو دبنقا ليست سوى نماذج لمعاناة آلاف السودانيين الذين وجدوا أنفسهم بين نيران الحرب والنزوح.

Welcome

Install
×