معضلة أن تكوني صحفية في السودان
شعار شبكة اعلاميات السودان
منتدى الإعلام السوداني
الخرطوم، 29 ديسمبر 2025، (شبكة إعلاميات- مداميك)- لسنوات، تمرّ الصحافة في السودان بأزمات متلاحقة أثّرت سلبًا على مناخ العمل الصحفي، وعلى حرية التعبير، وعلى استقلالية المؤسسات الإعلامية. وبعد اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023، تعرّضت المؤسسات الصحفية للتدمير، حيث تم قصف ونهب المقار والممتلكات، وتشريد الصحفيات والصحفيين، وتوقفت العديد من المؤسسات عن العمل، بينما ظل بعضها يعمل بطاقة تشغيلية ضئيلة لا تتجاوز نسبة (1%)، وتعرض الصحفيون للقتل والاعتقال والتعذيب، إذ أكدت نقابة الصحفيين السودانيين وفاة 32 صحفيا وصحفية منذ بدء الحرب. وانعكست هذه الانتهاكات سلبًا على أوضاع الصحفيات والصحفيين، وعلى العمل الإعلامي بشكل عام.
توثيق ورصد
وطبقا لتقرير أعدته شبكة إعلاميات السودان تحصلت (مداميك) على نسخة منه، تعرضت الصحفيات السودانيات لانتهاكات عديدة، وتم استهدافهن بسبب عملهن الصحفي وبسبب النوع الاجتماعي، فتعرّضن للقتل والتشريد والاعتقال والعنف الجنسي والملاحقات القضائية ومصادرة الممتلكات والمنع من السفر. كما تعرّضن للعديد من الانتهاكات الرقمية والعنف على مواقع التواصل الاجتماعي، شملت التنمّر والتشهير والعنف اللفظي والإساءات.
ورصدت الشبكة تزايد المخاطر التي تتعرّض لها الصحفيات بسبب الحرب، والبيئة الإعلامية التي اعتبرت أنها لم تكن يومًا صديقة للنساء الصحفيات. وقد شملت هذه المخاطر القتل والاعتقال والتعذيب والعنف الجنسي والتشريد، والمنع من السفر، والحرمان من الحصول على الأوراق الثبوتية، بالإضافة إلى الزيادة الواضحة في تعرّضهن للعنف الاجتماعي والأسري، والتنمر وإشانة السمعة، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، والتهديدات الإلكترونية، والتهديدات المتكررة عبر الهاتف ومنصات التواصل، واقتحام منازل الصحفيات في مناطق النزاع، ومصادرة معدات العمل من هواتف ذكية وكاميرات، إضافة إلى حملات التشهير المنظّمة ضد بعض الصحفيات.
تحرش ومضايقات
كشف التقرير عن تقلص حضور النساء الصحفيات في العمل الميداني خاصة في المناطق التي تشهد عمليات عسكرية، أو الأعمال التي تتطلب عبور عدد من نقاط التفتيش، حيث تزداد نسب التحرش الجنسي تجاه النساء، مما حدّ من التغطية النوعية التي كنّ يقمن بها قبل الحرب، مثل تغطية القضايا الجندرية والإنسانية، ومعاناة النساء، وعكس أصوات ضحايا العنف الجنسي والنزوح والانتهاكات من النساء والفتيات.
غياب الدعم النفسي
ووقفت الشبكة على فجوة كبيرة في خدمات الدعم النفسي المقدّمة للنساء الصحفيات، حيث لم يتجاوز عدد الصحفيات اللاتي تلقين دعمًا نفسيًا بعد الحرب (40%) فقط. وأظهر التقرير أن (52%) من الصحفيات لا يزلن داخل السودان، بينما انتقلت (48%) منهن إلى دول أخرى. وفي المقابل، أكدت البيانات أن (32%) من الصحفيات تعرّضن للنزوح داخل البلاد، في حين تُعدّ (48%) منهن لاجئات في دول الجوار أو خارج الإقليم. أما الـ (20%) المتبقية، فقد أكدن أنهن ما زلن في مناطقهن الأصلية رغم المخاطر والتحديات التي يواجهنها. وبرغم المخاطر والمعاناة إلا أن هناك تحسّنًا طفيفًا في أوضاع الصحفيات، وذلك لأسباب عدة، أهمها قدرتهن السريعة على التأقلم والتزامهن المهني، حيث ارتفعت نسبة الصحفيات اللاتي واصلن العمل الصحفي إلى(72%) بدلًا من (10%) في الأشهر الأولى من بداية الحرب في ظل تدهور سوق العمل، واستغلال الظروف التي أفرزتها الحرب لخفض رواتب وأجور المواد الصحفية.
ضغوط وأعباء
ولازال الهاجس المالي يشكل أزمة ثانية مباشرة تهدد استمرارية العمل، إلى جانب انقطاع الكهرباء والإنترنت وغياب معدات العمل، حيث أشارت البيانات إلى أن (56%) من الصحفيات إلى فقدان الوظيفة أو انخفاض الدخل لهن ولأسرهن، خاصة مع ارتفاع تكلفة المعيشة سواء في مناطق النزوح أو بلدان اللجوء، ما يشكّل إحدى أبرز الصعوبات. وتتفاقم المشكلة مع حقيقة أن أكثر من نصف الصحفيات، بنسبة (56%)، هنّ المعيل الرئيسي لأسرهن، مما يفرض ضغطًا ماليًا إضافيًا عليهن. فيما أصبح العنف السمة البارزة للحرب، تعرضت (40%) من الصحفيات لنوع من أنواع العنف، وكان أبرزها العنف النفسي واللفظي والتهديد في ظل وجود فجوة كبيرة في التدريب المتخصص. وأوضحت (72%) من الصحفيات بأنهن لم يتلقين أي تدريب حول تغطية الأزمات والصراع أو تدريبًا على السلامة خلال الحرب.
تدخلات عاجلة
أكدت البيانات ووجهات نظر الصحفيات أن الصحفية السودانية اليوم لا تكافح فقط من أجل نقل الحقيقة، بل تكافح من أجل بقائها الشخصي والمهني في ظل تآكل الدعم المالي والنفسي. وتؤكد البيانات الحاجة الفورية والعاجلة إلى تدخلات تستهدف توفير فرص عمل، ودعم شبكات الأمان النفسي والاجتماعي، وتوفير التدريب المتخصص على السلامة لسد الفجوة التي كشفت عنها الحرب. ونبه التقرير لاستهداف واختراق الحسابات الشخصية لـ(26) صحفية على منصات التواصل الاجتماعي، كما تم إنشاء صفحات مزيفة بأسماء صحفيات.
فظائع وجرائم قتل
وأورد التقرير انتهاكات قالت شبكة اعلاميات إنها لا تمثّل كل الانتهاكات التي تم ارتكابها، وذلك بسبب التحديات الكبيرة التي تواجه التوثيق وجمع المعلومات في ظل النزاع الحالي وقطع شبكة الإنترنت في عدد من مناطق البلاد.
حالات القتل
في يوم 30 يونيو 2023، لقيت الصحفية سماهر عبد الشافع، العاملة بإذاعة زالنجي، مصرعها إثر سقوط قذيفة على منزل كانت تُقيم فيه بمخيم الحصاحيصا بمدينة زالنجي، في ولاية وسط دارفور. وفي 10 أكتوبر 2024، كانت حليمة إدريس سالم، مراسلة قناة سودان بكرة، في طريقها إلى المنزل بعد إكمال المعلومات المطلوبة لتقريرها حول ضحايا الاشتباكات التي كانت تدور في أحياء أم درمان القديمة. ولم تكن تعلم إدريس أن هناك من يتتبع خطواتها ولا يريد لتقريرها أن يرى النور، إذ دهستها سيارة تتبع لقوات الدعم السريع، ففارقت الحياة في الحال. وبتاريخ 8 ديسمبر 2024، قُتلت الصحفية بوزارة الثقافة والإعلام بولاية الجزيرة، ومراسلة صحيفة الميدان، حنان آدم، وشقيقها يوسف آدم، في قرية بمحلية جنوب الجزيرة على يد قوات الدعم السريع. وفي يوم 9 ديسمبر 2024، توفيت الصحفية بخيتة آدم مسعود، التي كانت تعمل بالإذاعة السودانية، إثر إصابتها بشظايا في مدينة الخرطوم بحري.
وفاة بسبب تدهور الأوضاع الصحية والبيئية نتيجة الحرب
وأدى تدهور البيئة والأوضاع الصحية إلى مشاكل صحية كبيرة للعديد من السودانيين المتواجدين داخل البلاد. ونورد هنا حالة الصحفية هدى باعتبارها تجسّد معاناة الصحفيات داخل السودان في ظل الحرب، وفي أوضاع اقتصادية وصحية واجتماعية هشة قد يدفعن حياتهن ثمنًا لها. الصحفية هدى حامد إبراهيم، التي توفيت في الخرطوم في شهر يونيو 2024، إثر تعرضها للدغة ثعبان في الخرطوم، وتعذّر حصولها على العلاج المناسب.
بلاغات كيدية
وتلقت رشا عوض، رئيسة تحرير صحيفة التغيير الإلكترونية، تهديدات بالقتل، كما تم فتح بلاغات في مواجهتها من قبل الجيش بمواد تصل عقوبتها إلى الإعدام.
الاعتقال وإهدار الدم
كما تعرضت صباح محمد الحسن للاحتجاز بواسطة قوات الدعم السريع في الحصاحيصا في مارس 2024، كما تعرضت لمداهمة واعتقال بواسطة قوات الجيش في ولاية نهر النيل في أغسطس 2024. كذلك تلقت صباح تهديدات بالقتل من أشخاص على مواقع التواصل الاجتماعي، اتهموها بدعم قوات الدعم السريع، وأهدروا دمها.
الاعتقال والمنع من السفر
كما تعرضت الصحفية امتثال سليمان للاعتقال لمدة ثلاثة أيام بواسطة جهاز الأمن في ولاية كسلا، كما تم منعها من السفر إلى الخارج. وذكرت الصحفيات في النقاشات المركزة تعرضهن للتحرش الجنسي والإساءات اللفظية في نقاط التفتيش، وأثناء التنقل من مكان إلى آخر، وأثناء الاحتجاز والتحقيق.
العنف الرقمي
تعرضت عدد من الصحفيات بشكل منهجي لهجمات رقمية شرسة شملت التنمر والتشهير وانتهاك الخصوصية والسب، كما تم إنشاء صفحات مزيفة بأسماء صحفيات استُخدمت لنشر آراء ومعلومات مغلوطة ومضرّة. كما تعرضت لذلك كل من مها التلب وفدوى الخزرجي، حيث تعرضت مها لحملة تشهير، وتلقت فدوى تهديدات عبر اتصالات هاتفية، إضافة إلى أشكال أخرى من التهديد والتنمر. كما قامت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي بنشر صور للخزرجي. وفي فبراير 2025، أصدرت جهات غير معلومة منشورًا يتضمّن تحريضًا ضد مها التلب، يدعو إلى قتلها، بناءً على اتهامها من قبلهم بنقل أخبار عصابات ومليشيات متمردة.
سحب الترخيص
في يوم 20 نوفمبر 2025، صدر قرار من وزارة الثقافة والإعلام والسياحة بإيقاف الصحفية لينا يعقوب، مديرة مكتب قناتي «العربية» و«الحدث» في السودان. ومؤخرًا صدر قرار من رئيس الوزراء، المعين من قبل الجيش، كامل إدريس يسمح لها بالعمل.
صمود وتحد
عبرت صحفيات عن واقع مهني ونفسي بالغ الصعوبة تعيشه النساء العاملات في الإعلام، حيث يواجهن تحديات مضاعفة بين متطلبات تغطية الصراع وانهيار شبكات الأمان الأساسية. ويشير التحليل إلى أن أكثر من نصف الصحفيات، بنسبة (52%)، أصبحن لاجئات خارج السودان، بينما تقيم (48%) منهن كنازحات أو ما زلن في مناطق متأثرة بالصراع داخل البلاد.
أماكن تواجد الصحفيات بعد الحرب
برغم الظروف القاسية، أظهرت البيانات صمودًا لافتًا، فغالبية الصحفيات (72%) ما زلن يمارسن العمل الصحفي، سواء بشكل جزئي (40%) أو كامل (32%) معظمهن يمتلكن خبرة طويلة تزيد عن (7) سنوات (56%).
الأزمة الثلاثية: (الدعم، الدخل، والأمان)
تتلخص أبرز التحديات التي تواجه الصحفيات في ثلاثية قاسية ترتبط بالجوانب النفسية والمالية والأمنية: الانهيار النفسي وغياب الدعم: كان الهمّ الأول بالنسبة للصحفيات السودانيات، حيث جاء غياب الدعم النفسي في صدارة الصعوبات التي تواجههن، بتسجيل (17) حالة بنسبة (68%) من العينة. وتؤكد هذه النتيجة حالة الإرهاق النفسي السائدة وسط الصحفيات، إذ وصفت (72%) من الصحفيات حالتهن النفسية منذ اندلاع الحرب بأنها إما مضغوطة بنسبة (40%) أو متعبة جدًا بنسبة (32%). كما أكدت (60%) من الصحفيات أنهن لم يتلقين أي نوع من الدعم النفسي أو المهني أو المادي أو القانوني. وبالنسبة لمن تلقين دعمًا، كان التركيز بشكل شبه كامل على الدعم النفسي، وغالبًا ما جاء هذا الدعم من شبكات شخصية أو زملاء العمل، وليس عبر آليات مؤسسية ثابتة.
فقدان الدخل وعبء الإعالة
يمثل الهاجس المالي أزمة ثانية مباشرة تهدد استمرارية العمل، إلى جانب انقطاع الكهرباء والإنترنت.
حماية قانوية
وأوصى التقرير بضرورة توفير برامج دعم نفسي واجتماعي مستدامة للصحفيات المتأثرات بالحرب، وشدد على دعم فرص العمل والدخل الآمن للصحفيات داخل السودان وخارجه، بجانب توسيع برامج التدريب في السلامة المهنية وتغطية النزاعات، ودعا لتعزيز الحماية القانونية ومناهضة العنف الرقمي ودعم المبادرات الإعلامية النسوية المستقلة.
بيئة آمنة
ودعت الصحفية وعضو شبكة إعلاميات السودان الصحفية، لمياء الجيلي، في حديث لـ (مداميك) لتوفير بيئة عمل آمنة للصحفيات، وشددت على وجود سياسات ولوائح داخل المؤسسات الإعلامية تحمي الصحفيات من أي شكل من أشكال العنف وتمنع التمييز تجاهن. وقالت إنه من المهم جدا تسهيل آليات الإبلاغ عن أي شكل من أشكال العنف داخل المؤسسات، كما يمكن لنقابة الصحفيين السودانيين عمل لجان الشكاوي وأن يكون هناك تمثيل عادل للنساء داخل تلك اللجان، وأن يتم عمل تلك اللجان شفافية تامة. وأشارت إلى تجارب لدول سنت قوانينا لحماية النساء من العنف أثناء العمل، وساهمت هذه القوانين في توفير بيئة عمل آمنة، كما أن جانب التوعية مهم ويساهم في منع الانتهاكات، ومحاسبة الجناة وانصاف النساء ضحايا العنف يجب أن يكون من أولويات المؤسسات الإعلامية والأجسام الصحفية. وفيما يختص بالتمييز النوعي داخل المؤسسات الإعلامية أكدت لمياء ضرورة المناهضة التمييز تجاه الصحفيات ووضع سياسات تمنع التمييز، وأن تتاح لهن فرص عادلة في التدريب والترقي، واعتبرت وجود نساء في مواقع صنع القرار الإعلامى مهم جدا لإزالة كل العقبات والعوائق التي تؤثر على تطوير قدراتهن المهنية والحقوقية سواء داخل المؤسسات الإعلامية أو في الفضاء العام أو الخاص.
ينشر منتدى الإعلام السوداني والمؤسسات الأعضاء فيه هذه المادة من إعداد (شبكة إعلاميات وصحيفة مداميك). تعكس المادة الواقع المزري للصحفيات في السودان في ظل الحرب، وتتناول في الوقت نفسه المآثر الكبيرة التي قمن بها لتحدي الصعاب والمعاناة المزدوجة الواقعة عليهن.
تشير المادة إلى أن الصحفيات السودانيات تعرضن لانتهاكات عديدة، وتم استهدافهن بسبب عملهن الصحفي، مرة، وبسبب النوع الاجتماعي، مرة أخرى، فتعرّضن للقتل والتشريد والاعتقال والعنف الجنسي والملاحقات القضائية ومصادرة الممتلكات والمنع من السفر. كما تعرّضن للعديد من الانتهاكات الرقمية والعنف على مواقع التواصل الاجتماعي، شملت التنمّر والتشهير والعنف اللفظي والإساءات.



and then