مسيرات” تهاجم “بورتسودان”.. تصعيد جديد للسيطرة على الأجواء السودانية

صورة لمسيرة سقطت على مبنى الحكومة في ولاية نهر النيل ـ مصدر الصورة ـ منصة الناطق الرسمي بإسم الحكومة
منتدى الإعلام السوداني
بورتسودان، في 11 يونيو 2025 (سودان تربيون) –
تواصل طائرات قوات الدعم السريع المسيّرة التحليق شبه اليومي في سماء مدينة بورتسودان، في مهمة تبدو كأنها تبحث عن هدف ثمين، وذلك بعد نحو شهر من تنفيذها سلسلة هجمات دقيقة على قائمة أهداف استراتيجية في مطلع مايو الماضي، لتنقل الحرب إلى أبعد نقطة في شرق البلاد.
وأوقع الهجوم خسائر اقتصادية بتقييده حركة الطيران المدني ونية حكومة السودان إغلاق خط أنابيب تصدير النفط التابع لحكومة جنوب السودان بسبب المخاطر على المنشآت النفطية.
وعلى مدى ثلاثة أيام، من 4 إلى 6 مايو، نفذت مسيّرات استراتيجية وانقضاضية تابعة لقوات الدعم السريع هجمات، هي الأولى من نوعها منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، مستهدفة بدقة العاصمة الإدارية المؤقتة التي يتخذها قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، مقراً له.
سجل الهجمات ونوعيتها التقنية
شكلت الهجمات نقلة نوعية في الصراع، حيث استهدفت المسيّرات في اليوم الأول (4 مايو) مستودعاً للذخيرة في قاعدة (عثمان دقنة) الجوية. وفي اليوم التالي، طال القصف المستودعات الاستراتيجية للوقود جنوبي المدينة. أما اليوم الثالث، فقد شهد أوسع قائمة أهداف في يوم واحد، شملت: مستودعات نفط خاصة قرب الميناء الجنوبي، محطة كهرباء تحويلية، فندق مارينا وسط بورتسودان وقاعدة (فلامنغو) البحرية التابعة للجيش.
وفي هذا السياق، يوضح الخبير العسكري والعميد المتقاعد في سلاح الجو السوداني، عادل عبد اللطيف، في حديثه لـ “سودان تريبيون”، أن الطائرات المستخدمة هي على الأرجح من فئة “MALE” (متوسطة الارتفاع طويلة المدى)، القادرة على التحليق لـ 30 ساعة على ارتفاع 30 ألف قدم، وتنفيذ مهام استخباراتية وقتالية معقدة (ISR).
وتتقاطع رؤيته مع تقديرات حكومية تشير إلى استخدام طائرات صينية الصنع من طراز “FH-95″، وهي مسيّرة هجومية واستطلاعية متقدمة. ويلفت عبد اللطيف إلى قدرة هذه المسيّرات على إصابة أهدافها بدقة متناهية، وتزويد بعضها بتقنيات للتشويش على الدفاعات الجوية.
لائحة اتهام دولية ورؤية فنية
مع وصول الهجمات إلى مقرات قريبة من إقامة مسؤولين حكوميين، سارع مجلس الدفاع والأمن السوداني إلى اتهام دولة الإمارات بالوقوف خلفها، وهو ما تبنته وزارة الخارجية السودانية لاحقاً.
وكان مندوب السودان الدائم لدى الأمم المتحدة، السفير الحارث إدريس، أكثر تحديداً، حيث اتهم الإمارات مباشرة بتنفيذ الهجمات بطائرات مسيّرة متقدمة (يرجح أنها MQ-9) انطلقت من قواعد إماراتية في البحر الأحمر، بطلب من قوات الدعم السريع، وهو ما يتطابق مع معلومات أوردتها مصادر عسكرية.
لكن الخبير عادل عبد اللطيف يقدم رؤية فنية مغايرة، مرجحاً أن الهجوم من جهة البحر الأحمر لا يعني بالضرورة قدومه من خارج البلاد، بل إن “الاقتراب من البحر يمنح الطائرات فرصة أفضل للمناورة وتحديد المواقع، ويسهل عودتها إلى قاعدة الإطلاق”.
بورتسودان في مرمى النيران
على المستوى العسكري، كشفت الهجمات عن ضعف في الدفاعات الجوية للجيش التي لم تتصدَّ بفاعلية إلا بعد اليوم الرابع. ولاحقاً، استُخدمت مضادات أرضية ذات عيارات أكبر، مما أجبر المسيّرات على التحليق على ارتفاعات أعلى، لتواصل مهام الرصد والمراقبة بحثاً عما رجحت مصادر عسكرية أن تكون “شخصيات قيادية أو منظومات أسلحة حساسة”.
أدت الهجمات إلى فرض واقع جديد في بورتسودان. فمن الناحية الامنية: فُرضت قيود مشددة على الحركة في محيط المنطقة السيادية، وقُلصت الأنشطة الجماهيرية للمسؤولين، ومُنِع الصحفيون من التصوير في الأماكن العامة. واقتصادياً: حظرت حركة الطيران المدني ليلاً، وأبلغ السودان حكومة جنوب السودان بنيته إغلاق خط أنابيب تصدير النفط بسبب المخاطر التي تهدد المنشآت النفطية. وأخيرا استراتيجياً: أصبحت قواعد الجيش في متناول هجمات الدعم السريع الأمر الذي يدفع لمرجعة خططه وتأمين قواعده الجوية والبحرية.
معادلة جديدة وخاتمة مستبعدة
يعتبر عبد اللطيف أن ما حدث هو فقدان سلاح الجو السوداني سيطرته شبه المطلقة على الأجواء التي باتت ساحة مشتركة مع قوات الدعم السريع. ويوضح أن قوات الدعم السريع توجه ضربات استراتيجية للمواقع الحيوية (مطارات، سدود، محطات كهرباء)، مما يؤثر مباشرة على قدرة الجيش على تمويل حربه والاستمرار فيها، بينما يقتصر استخدام الجيش للمسيّرات على المستوى التكتيكي.
ويؤكد أن التصدي لهذه الهجمات يتطلب قوة جوية ودفاعاً جوياً متكاملاً، “وهو ما يبدو غير متوفر حالياً”.
ويخلص الخبير العسكري إلى أن تحقيق نصر حاسم لأي من الطرفين “أمر مستبعد” نظراً لصعوبة تعويض الخسائر، خاصة في القوات الجوية التي يتطلب تعويض طياريها ومعداتها موارد ضخمة ووقتاً طويلاً.
وفي ختام حديثه، دعا الأطراف المتحاربة إلى “السعي لوقف الحرب ونزيف الدماء واستنزاف مقدرات البلاد البشرية والاقتصادية”.
_____
ينشر منتدى الإعلام السوداني والمؤسسات الأعضاء فيه هذه المادة من إعداد “سودان تربيون” في إطار التوعية بتداعيات الحرب في البلاد. يأتي ذلك في ظل استمرار النزاع لأكثر من 26 شهراً، وما خلّفه من أزمة إنسانية حادة تتمثل في انهيار الخدمات الأساسية كالماء والكهرباء، وتفشي الأوبئة والأمراض.
