محمد بدوي: سياسات المجلس العسكري وانعكاسها علي الأمن و السلم ..

سبق وأن تعرضت في مقالين سابقين إلي أن مهمة المجلس العسكري يقتصر في العمل علي تسهيل إنتقال السلطة إلي حكومة إنتقالية مدنية ، بما يفرض إقتران دوره …

محمد بدوي(ارشيف)

بقلم: محمد بدوي

 

سبق وأن تعرضت في مقالين سابقين إلي أن مهمة المجلس العسكري يقتصر في العمل علي تسهيل إنتقال السلطة إلي حكومة إنتقالية مدنية ، بما يفرض إقتران دوره خلال فترة تولية للسلطة بالبلاد على إعلان خطةٍ واضحة مقترنة بجدول زمني مع إلتزام الشفافية، في تقديري أن المجلس منوط به القيام بالإجراءات الوقائية مثل التحفظ علي قادة ورموز النظام السابق الذين انتهكوا القوانيين بشرط توفر بينة مبدئية في مواجهتهم، الأمر الثاني القيام بما هو ضروري لحفظ أمن البلاد وإستقرارها دون الإنخراط في أنشطة تنفيذية أو تشريعية تحت ذريعة شرعية الطوارئ, لكن يبدو أنه يتحرك في إتجاه السيطرة علي السلطة عبر المماطلة وممارسة أنشطة تُعتبر من صميم عمل الجهاز التنفيذي, مجمل نشاط المجلس منذ توليه مقاليد الأمور في البلاد يُراكم لتغيير في وصفه من مجلس عسكري إنتقالي إلي سلطة إنقلابية عسكرية كاملة.

سعي المجلس لتمديد فترة تولية لدي الإتحاد الافريقي دون مسوغ موضوعي ، لكن في تقديري انها كانت اولي الخطوات في توطين السلطة بيد المجلس ، و لعل ذلك ما يُفسر موقفه من التعامل مع قوى الحرية والتغيير عبر إتخاذ تكتيكات مختلفة, مثل التشكيك في شرعيتها التفوضية , والإيحاء بضعف وفدها التفاوضي , و الترويج إلي كونها لا تُمثل كل الطيف السياسي السوداني, كما ظل يبتزها أحياناً بالإنحياز إلي القوى التي كانت تُشارك في السلطة إلي جانب المؤتمر الوطني, ثم التغول علي ممارسة السلطة التنفيذية كما جاء في موقفه- أي المجلس – في الرد علي وثيقة تحالف الحرية والتغيير بتعليقه علي مرجعية الدستور .
التكتيك الثاني للمجلس: تمثل في محاولات إضعاف الشارع السوداني المساند لقوي الحرية والتغيير عبر التحايل لفض الإعتصام بدعاوي مختلفة منها تعطيل حركة النقل والتذرع بتعطيل الدراسة الجامعية, وإستخدام القوة المفرطة في مواجهة المعتصمين السلميين كما حدث في مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور ( للشهيد ألف نور وعاجل الشفاء للجرحي), وإصدار أوامر بموجب الطوارئ تحمل عقوبات تستهدف الحق في التعبير والتجمع, التراخي في تعقب المتورطين من النظام السابق في مخالفة القانون.
التكتيك الثالث : غياب الشفافية حول وضع قادة النظام السابق المحتجزين والتهم التي يواجهونها وأماكن إحتجازهم, والتركيز الاعلامي حول الرئيس الأسبق عمر البشير دون سواه في خطاب قصد تسويقه للمجتمع الدولي بما يوحي بجديةالمجلس عدم الإرتباط بينه والنظام السابق حيث بقيت القرارات الأخري المرتبطة بسلطات النائب العام الصادرة من المجلس دون تنفيذ, خلق مناخ للجماعات المتطرفة و مليشيات الحزب الحاكم المحلول من الظهور لكي يسوق المجلس لتواجده بضرورة حفظ الامن و السلم و اقتلاع الدولة العميقة و امامنا حادثة القبض علي الخلية الإرهابية بالخرطوم
بإستصحاب النقاط السابقة هنالك حقائق غائبة عن المجلس في ظل ممارسته لشراء الزمن وإستخدام التكتيكات تتمثل في أنه:
أولاً: سعي إلي كسب ثقة قوي إعلان الحرية والتغيير في سلوك يُمكن وصفه بالإتفاق الأخلاقي يُمكن رصد ذلك في أول تصريح صحفي مشترك بين الطرفين.
ثانيا : يُراهن المجلس علي قوة الطوارئ لكسب سلطته متناسياً أن الشارع السوداني علي وعي تام بحدود تلك السلطة, يستند في طموحه للبقاء في السلطة علي دول داعمة بينما هنالك قوي إقليمية ودولية مثل الإتحادين الأفريقي والأوربي ترهن وجوده بفترة زمنية وتصنف إستمراره بمثابة إنتهاك لمواثيقها في ظل تطور دولي وإقليمي يجعل من الانقلابات العسكرية سببا كافيا للعزل المحيطين الإقليمي والدولي.
ثالثا : تراخي المجلس تجاه المجموعات الدينية المتطرفة و المليشيات المرتبطة بالنظام السابق يمثل خطرا علي امن و سلمة البلاد بل ان نشاط مليشيات الحزب الحاكم خلال فترة الاحتجاجات والاعتصام تطابق انشطة المجموعات الارهابية بما يجعل المجلس ليس مسئولا فقط علي المستوي الوطني لكن اقليميا و دوليا مع الاخذ في الاعتباران تلك المليشيات لا تزال تملك السلاح و المعينات اللوجستية .
أخيراً، الراهن لا زال يُمثل لحظةً تاريخيةً في مسيرة السودان علي مر تاريخه لفترة ما بعد الإستقلال، أمام المجلس فرصةً ليُسطّر أسماء أعضائه في سجلٍ خالدٍ، وطنياً ودولياً، فالتحول الديمقراطي يجعل من السودان نموذجاً يحتذي به ، كما سيُعزِّز من إعادة الإعتبار للمؤسسة العسكرية بعد تراجع دام 30 عاما.

[email protected]