محجوب محمد صالح: هل يسقط “السودان الجديد” في مستنقع العنصرية؟

عندما نشأت الحركة الشعبية لتحرير السودان قبل ثلث قرن من الزمان – وتحديداً في العام 1983- طرحت نفسها كحركة (تحرير) من جنوب السودان، ذات توجه …

بقلم: محجوب محمد صالح

 

عندما نشأت الحركة الشعبية لتحرير السودان قبل ثلث قرن من الزمانوتحديداً في العام 1983- طرحت نفسها كحركة (تحرير) من جنوب السودان، ذات توجه مختلف تماماً عن كل حركات جنوب السودان السابقة، فهي لم تكن حركة (انفصالية)، رغم أنها تقود تمرداً مسلحاً ضد الحكومة.

وهي تدعي أنها لا تتحدث عن مشكلة جنوب السودان، إنما هي معنية بمشكلة السودان كله -بكامل حدوده الجغرافية – شرقه وغربه وشماله وجنوبه، وأنها على قناعة أن نخبة تقليدية استولت على مركز السلطة في البلاد، رغم أنها تمثل أقلية، وفرضت نفوذها على الكافة، وهمشت الأغلبية السودانية التي تعيش بعيداً عن المركز.

كان هذا الطرح مختلفاً تماماً عن كل أطروحات الحركات الجنوبية السابقة، الداعية لانفصال الجنوب، على أساس أن أهل الجنوب أفارقة، والمتعلمون منهم مسيحيون، وأن شمال السودان عربي ومسلم، وأنه لا شيء يجمعهم سوى السلطة الاستعمارية، التي رسمت حدود السودان.

هذا الطرح كان له تأثيره على مجمل المشهد السياسي السوداني، فهو من ناحية.. أغرى بعض القوى السياسية في الهامش – خاصة في منطقتي النيل الأزرق وجبال النوبة – أن تنضوي تحت لواء الحركة وفق هذا المفهوم، وتحارب في صفوفها، كما أغرى عدداً محدوداً من النخبة السودانية أن تنتمي للحركة، لأنها وجدت في أطروحاتها ما تنشده، لإنقاذ السودان من الحلقة المفرغة التي كان يعيشها، تتقاذفه ديمقراطية عاجزة، وانقلابات باطشة.

وأصبح لمشروع (السودان الجديد) – الذي طرحه د. قرنق – مؤيدين وأنصار، التحقوا به عن إيمان، وانخرطوا في صفوف الحركة، واحتلوا مواقع متقدمة، وجاء آخرون من جبال النوبة، وجبال الأنقسنا ليرفدوا جيش الحركة بمقاتلين أشداء، ويشكلون بعض فرقها الضاربة.

ومرت مياه كثيرة تحت الجسر، والمفاوضات المتطاولة مع الحكومة، وصراعات الأجنحة داخل الحركة، وتمرد ريك مشار، ولام أكول على قيادتها، وانقسامهم، وتشكيل تنظيماتهم، ورفع شعار الانفصال بديلاً عن «السودان الجديد»، وحرب النوير ضد الدينكا – الأكثر شراسة من حرب الحركة مع جيش الحكومة،

ثم عودة لام أكول وريك مشار إلى عضوية الحركة، بعد أن فشل مشروع اتفاقية الخرطوم للسلام والتعاون مع الحكومة، ثم توقيع اتفاقية سلام نيفاشا، ورحيل د. جون قرنق في اللحظة الحرجة، واضطراب مسار الحركة، لكنها تتماسك، لتكمل المرحلة الانتقالية، وترمي شعار «السودان الجديد» وراء ظهرها، وتتبنى انفصال الجنوب، وتحققه، وكان ما كان.

والآن.. ينفجر الموقف فيما تبقى من الحركة الشعبية في السودان الشمالي، ويطال الصراع قادتها، بل، وقواعدها في النيل الأزرق وجبال النوبة، وها هي الأخبار هذا الأسبوع تتحدث عن دخول مرحلة تصفية الحسابات بين أنصار مالك عقار/ياسر عرمان وأنصار الرئيس الجديد عبدالعزيز الحلو، مرحلة الصراع العسكري المسلح.

ولا شك أن الحلو – الذي أكد بالأمس سيطرته على قوات الحركة في جبال النوبة – يسعى الآن للسيطرة على الفرقة الموجودة في النيل الأزرق، وهي تضم بعض أبناء الجبال.
المفارقة أن هذا الصراع – الذي يدور اليوم – يبدو أنه سيعود بالطرفين المتقاتلين إلى موقف (عنصري)، وستنتهي الحركة الشعبية (شمال) إلى فصيلين، أحدهما لأبناء النوبة، والآخر لأبناء الأنقسنا وقبائل النيل الأزرق الأخرى، ويتبخر تماماً المشروع الذي بشر به د. جون قرنق.
فالحرب الأهلية الدائرة الآن – بين أبناء الحركة الشعبية في جنوب السودان – هي حرب عنصرية قبلية بين الدينكا والنوير،

والصراع المسلح الذي يدور الآن في النيل الأزرق هو صراع عنصري قبلي.

فهل تكون هذه هي نهاية مشروع «السودان الجديد»،

الذي مات في سبيله الآلاف؟