معبد أباداماك في النقعة وأمامه المعبد الروماني بولاية نهر النيل : المصدر : ويكيبديديا

لفتت إليها الانتباه فيديوهات المسلحين في النقعة والمصورات
متاحف السودان ومواقعه الآثارية في مرمي النيران !!

امستردام: باريس: الخرطوم: الجمعة 19 يناير 2024: راديو دبنقا

تقرير: عمر عبد العزيز

اثارت مجموعة الصور ومقاطع الفيديو التي اظهرت مجموعة من جنود الدعم السريع في موقعي النقعة والمصورات الأثريين جنوب مدينة شندي ردود فعل متخوفة من أن تطال الحرب في السودان تراث السودان المادي وآثاره.

ولقيت تلك الفيديوهات إدانات من هيئات وجهات آثارية وحقوقية، من بينها “هيئة محامي الطوارىء”.

واعرب بعض المهتمين بالتراث والآثار عن مخاوفهم من تعرض هذين الموقعين للتدمير بسبب العمليات العسكرية.

ويقول دكتور حاتم النور، المدير العام السابق لهيئة الآثار والمتاحف السودانية إن موقع النقعة والمصورات واحد من المواقع الهامة في الخارطة الأثرية السودانية.

ويضيف أن المنطقة ظلت محافظة على إرثها وكان يجب أن تظل محافظة باعتبارها بعيدة عن العمران.

من جانبها، قالت دكتورة حباب إدريس، كبير مفتشي الهيئة العامة للآثار والمتاحف إن موقع النقعة والمصورات من المواقع المصنفة ضمن للتراث العالمي.
وأضافت أن آثار تلك المنطقة تعود إلى القرن الرابع الميلادي، الفترة المروية، وفيها عدد من المعابد والمراكز الدينية، مشيرة إلى أن البعثة البولندية عملت هناك منذ بداية التسعينيات، حيث حققت العديد من الاكتشافات الأثرية الهامة.

واكدت أنهم تلقوا تقريرا بالأمس من مدير الموقع بأن موقع النقعة والمصورات بخير ولم يتعرض لأي تدمير.

وقالت الشبكة الإقليمية للحقوق الثقافية في بيان صحفي الثلاثاء، ان موقعي النقعة والمصورات الأثريين يضمان تماثيل وأثار ومزارات منذ الحقبة المروية ٣٥٠ قبل الميلاد حتى ٣٥٠ بعد الميلاد.

وبشان الجهود المبذولة من هيئة الآثار والمتاحف للمحافظة على التراث السوداني عموما، تقول دكتورة حباب إنه منذ بداية الحرب انشأ مكتب افتراضي للطوارىء في جمهورية مصر العربية لتقييم أوضاع المواقع الأثرية ومخاطبة الجهات الدولية التي يمكن أن تساعد على هذا الامر.

وأضافت أن هناك مبادرات سودانية أخرى من قبل العاملين في حماية التراث الثقافي، من جهود شركاء يعملون معهم لوضع خطة عاجلة للطوارىء لدرء أي أخطار محتملة على المواقع الأثرية.

وفيما يتعلق بالخطوات التي يمكن اتخاذها من قبل خبراء الآثار والمهتمين بها، إشار دكتور حاتم إلى أن مجموعة من الآثاريين نظموا حملات كبيرة داخل السودان وخارجه بالتعاون مع منظمات المجتمع الدولي والأكاديمي لحماية التراث المادي السوداني.

لكنه اعرب عن اعتقاده بان السكة القصيرة حاليا للحفاظ على التراث الآثاري السوداني “هي مناشدة القادة (العسكريين) بضرورة المحافظة على هذا التراث المادي”.

وبشأن الدعم الذي يمكن أن تقدمه المنظمات الدولية المعنية بالآثار، تقول دكتورة حباب إن حماية التراث المادي هو أمر معنية به الدولة نفسها.

لكنها اشارت إلى أن السودان مصادق على اللوائح الدولية الحامية للتراث العالمي ومن ضمنها اتفاقية لاهاي واتفاقية اليونيسكو عام 1970 لحماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح، وبالتالي هذه المصادقة تجعل اليونيسكو قادرة على التدخل تدخلا مباشرا بمخاطبة رسمية للجهات الضالعة في الحرب.

وأشار دكتور حاتم، في حديثه إلى راديو دبنقا، إلى أن عددا من الآثاريين خاطبوا منظمة اليونيسكو، لكنه أضاف أنه على المستوى العملي فليس لدى اليونيسكو آلية عملية لتحقيق هذا الهدف، مشددا على أن الآلية القوية في هذا الشأن هي “مناشدة قادة الجهتين المتصارعين.

وكان عدد من الجهات المهتمة بالمواقع الإثرية قد ابدت خشيتها من تضرر المواقع السودانية الأخرى والمتاحف في ولاية الخرطوم وبقية انحاء البلاد.

وابدت دكتورة حباب اسفها لأن معظم المتاحف في ولاية الخرطوم واقعة في مناطق النزاع والاشتباكات مثل المتحف القومي بالخرطوم ومتحف بيت الخليفة في أمدرمان.

واشارت إلى أنهم لا يعرفون حتى الآن ما حدث في المتحف القومي بالخرطوم منذ أن راج فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي منذ الشهور الأولى للحرب يظهر دخول مسلحين، يعتقد أنهم من قوات الدعم السريع، إلى صالات المتحف.

لكنها ابدت نوعا من الاطمئنان، حيث ذكرت أنه لم ترد إليهم أي معلومات عن تعد أو إتلاف لمحتويات المتحف على الرغم من وجود قوات الدعم السريع في محيطه.

وأضافت أنه ليست هناك معلومات دقيقة كذلك عن الوضع في متحف بيت الخليفة في أمدرمان، لكنها اشارت إلى أن صور الأقمار الصناعية لم تكشف عن أي تغيير في مبنى المتحف، لكنها لا توضح وضع المقتنيات داخله.

وطالما عبر العديد من المشتغلين بالهم الثقافي والفنون عن اعتقادهم بأنها من الأدوات التي يجب أن يحافظ عليها السودانيون باعتبارها من العوامل التي يمكن أن تدعم الوحدة الوطنية، في بلد لا يزال يعاني من الخلافات السياسية وتعدد الثقافات واللهجات وانماط العيش وغيرها من سمات التباين.

وفي هذا الصدد يرى دكتور حاتم أنه ليس من مصلحة الطرفين المتحاربين أن يمسوا بالمواقع الأثرية، لأنها “ستكون أول مفتاح للحل في مرحلة ما بعد الحرب، باعتبار أن التراث المادي أو الآثاري هو الموحد الحقيقي للوجدان وللسودانيين ما بعد الحرب” على حد وصفه.

ويضيف أن الجماهير والشارع السوداني كان لديه أحساس كبير بتراثه القومي، وظهر ذلك في شعارات ثورة ديسمبر المجيدة، مشيرا إلى ذكر “الكنداكة” واستحضارها مرة أخرى في الهتافات ووصف الفتاة أو المرأة الثائرة أو المتظاهرة بأنها “كنداكة”.

يذكر أن عدد من التجار وأصحاب المحال المختلفة اطلقوا اسم “الكنداكة” أو اسماء مشابهة على محالهم عقب سقوط المخلوع عمر البشير.

ويشير دكتور حاتم إلى أنهم كانوا قد طرحوا مشروعا فكريا في الهيئة القومية للآثار والمتاحف، موضحا أنه كان يستند على عدة محاور من بينها الإجابة على سؤال الهوية، والمساهمة في حماية الأمن القومي.

واعرب عن اعتقاده بأن التراث المادي السوداني هو مادة قوية لتوحيد الشعب السوداني “في وقت ظل فيه الجميع فريسة للغة الاستعلاء الاثني والصراع القبلي والزج بالقبلية في كل المشاريع السياسية”، حسب وصفه.

من جانبها تقول دكتورة حباب، إنهم رفعوا منذ وقت طويل شعارا وأطروحة تتحدث عن أن الترث الثقافي المشترك يمكن أن يسهم في تحقيق الوحدة الوطنية، لأنه عابر لأي حدود جغرافية على حسب وصفها.

وتابعت قائلة إن التراث الثقافي هو الذي يمكن أن يجمع الناس، مشيرة إلى أنهم عندما ينقبوا عن الآثار في أي منطقة “لا نتحدث عن منطقة جغرافية بعينها، بل نتحدث عن إنسان سوداني وتاريخ ممتد وتفاصيل التطور الثقافي في السودان منذ ما قبل التاريخ”.

واعربت عن امنياتها بأن تكون مرحلة ما بعد الحرب “هي المرحلة الجامعة للسودانيين، بحيث يحس من يدخل متحفا أو موقعا أثريا بأن أسلافه هم صانعو هذا التراث ومن المفترض أن نحافظ جميعنا عليه”

وفي هذا الإطار، وجه دكتور حاتم مناشدة للقادة الكبار في الطرفين (الجيش والدعم السريع) بأن يوجهوا بعدم المساس بهذه المواقع لأهميتها “التي سيحتاجون إليها قريبا” باعتبار التراث الآثاري عاملا هاما في توحيد وجدان السودانيين.

ودعا الطرفين للجنوح للسلم “اليوم قبل الغد حقنا للدماء ورعاية لهذه الدولة العظيمة ولمجدها التليد”.

ومن جانبها ناشدت دكتورة حباب كل المواطنين المحافطة على المواقع الاثرية وعدم تعريضها للتلف والأضرار والتبليغ الفوري في حالة حدوث أي نوع من التعدي على تلك المواقع.

وشددت على ضرورة التواصل مع جهتي النزاع وحثهما على المحافظة على هذه المواقع الأثرية والتراث الثقافي السوداني والنأي بها عن أن تتحول إلى منطقة اشتباكات.