قوى الثورة وإنقاذ الوطن

هنالك شبه إجماع على ضرورة وجود شكل من أشكال التوحُّد ، التنسيق ، إتفاق حد أدنى على برنامج …الخ بين القوى السياسية الوطنية (قوى الثورة) لحسم المعركة القائمة بين الثورة وأعدائها في الانقلاب العسكري البرهاني القائم…بينما الأعداء داخل وخارج الوطن يقاومون كل شكلٍ وحدويٍّ تنسيقي بين قوى الثورة … وبين هذا وذاك يتقدم الخطر الحقيقي ، خطر الوجود والفناء الذي يريد تقسيم الوطن وتفتيته على أسسٍ جهوية وقبلية ، الخطر الذي تقوده دويلة “إسرائيل” مستثمرةً (غرابة) آل دقلو ومليشياتهم البدوية الخالية من أي هدف سوى الارتزاق بالقتل والعبث ..

محمد عتيق

 

بقلم : محمد عتيق

 

هنالك شبه إجماع على ضرورة وجود شكل من أشكال التوحُّد ، التنسيق ، إتفاق حد أدنى على برنامج …الخ بين القوى السياسية الوطنية (قوى الثورة) لحسم المعركة القائمة بين الثورة وأعدائها في الانقلاب العسكري البرهاني القائم…بينما الأعداء داخل وخارج الوطن يقاومون كل شكلٍ وحدويٍّ تنسيقي بين قوى الثورة … وبين هذا وذاك يتقدم الخطر الحقيقي ، خطر الوجود والفناء الذي يريد تقسيم الوطن وتفتيته على أسسٍ جهوية وقبلية ، الخطر الذي تقوده دويلة “إسرائيل” مستثمرةً (غرابة) آل دقلو ومليشياتهم البدوية الخالية من أي هدف سوى الارتزاق بالقتل والعبث ..

وإذا كانت النفس الإنسانية (عموماً) مطبوعة على عدم الاعتراف بالخطأ (المكابرة) ، فإننا في حضرة وطن ، وطن نعشقه حد التقديس ونُجِلُّ تاريخه : مقياس الوطنية في هذه الحضرة هو الاعتراف بالخطأ عند وقوعه ، الاعتراف الصريح طريقاً للتقدم والارتقاء في مدارج العزّ والرفاهية ، ولا طريق غيره … ممارسة النقد الذاتي هنا هي للأحزاب والتنظيمات وليس لأفراد..والمخاطر هنا لم تجد فرصتها للنمو والتطور الَّا في تربة أخطائنا السياسية التي اشتركنا جميعنا في وقوعها وتطورها ، والنهج الوحيد الآن لحفظ الوطن هو اعتراف كلٌّ منّا بخطئه والتخلِّي عن ذلك الخطأ ونتائجه لنتوجه جميعاً ، أنقياءَ متحررين من كل قيد لنكسب وطننا موحداً عزيزاً ، نعيد بناءه … وذلك في الأخطاء التالية :

 

(١) – أ – بدأت أطراف قحت عملها “بإعلان الحرية والتغيير” ثم المسيرات الشعبية وكان الاعتصام الجبار في سلميته ونمط الحياة التي رسمها شباب الثورة في محيطه إلى ان سقط النظام ، (وكانت المخاطبات ثم لقاءات التفاكر و”التآمر” التي رافقتها) ، فالفض ، فالخروج الشعبي الأسطوري الذي أعاد كل الأطراف إلى طاولة التفاوض ، فكانت الوثيقة الدستورية … وأثناء النشاط الواسع لقحت ولجانها المختلفة حدث الاستبعاد المفاجئ لبعض أطراف قحت لينفرد بها البعض الآخر : المؤتمر السوداني ، البعث العربي الأصل ، التجمع الاتحادي ، الناصري ، والأمة (أحياناً) ، هذا البعض الآخر ، إضافةً لذلك الاستبعاد ، رَكَلَ مبادئ قحت وخططها ونصوص الوثيقة الدستورية التي توافقت عليها مع المكون العسكري :

 

– سمحت للمجلس السيادي ممثلاً في المكون العسكري أن يتجاوز صلاحياته وينتزع أهم سلطات مجلس الوزراء : السلام ، الاقتصاد ، العلاقات الخارجية والأجهزة العدلية وينفرد بها ..

– خضعت لشروط صندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية بالضد من برنامجها وتوصيات لجنتها الاقتصادية والمؤتمر الاقتصادي القومي وبالضد من مشروعها لبناء دولة الرعاية الاجتماعية …

ب – المجموعة الأخرى من قوى الحرية والتغيير ، التي تم استبعادها ، وفي سعيها الحثيث لتصحيح الأوضاع بالعودة إلى منصة التأسيس التي تتيح لقحت أن تعود كما كانت وتستعيد مقود الثورة نحو غاياتها ، في سعيها ذلك وقعت في محظور التماهي مع العسكريين “اللجنة الأمنية”.. هذا المحظور الذي تداركه البعض وأدانه ، لا يعفي أحداً فالنتيجة لا يمكن أن تكون إلا ما حدث من الانهيارات التي قادت إلى انقلاب ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١ العسكري البرهاني ، أي المساهمة السلبية في الأحداث..

 
(٢) كان الحزب الشيوعي عضواً في قحت وحكومة حمدوك الأولى ، وبعد فترة أعلن انسحابه من الحكومة ومن قحت … كان يمكن له أن يظل موجوداً داخل قحت وداخل الحكومة ، يعترض على ما يراه خطأً ويطرح مبرراته ، شارحاً الأمر للجمهور عبر وسائل الاعلام والإتصال المختلفة وعلى رأسها اللقاءات الجماهيرية المباشرة والمفتوحة .. كان الأثر سيكون أقوى (إذا موقفه كان صحيحاً) والانحرافُ أقل.. كان يمكنه القيام بدورٍ تاريخي مبدع ، أما أن يخرج ويقف بعيداً ، ينقُدْ ويدعو إلى إسقاط الحكومة ويقود التعبئة لذلك فإن النتيجة لا تكون إلا الانهيارات التي حدثت وقادت إلى إنقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ العسكري البرهاني ، أي المساهمة السلبية في الأحداث..

 
(٣)وكما قيل كثيراً أن حركات الكفاح المسلح في السودان قد تنكَّبت الطريق عند سقوط النظام في ٢٠١٩، حيث كان على قياداتها أن تأتي مباشرةً إلى الخرطوم وتجلس مع رفاقها في قحت وتتفق على برنامج سياسي واقتصادي وطني وتضع خططاً لتنفيذه وتذهب إلى الشعب في دارفور والمنطقتين، في المعسكرات وفي الملاجئ والكهوف تُبَشِّرهم بذلك ، تستمع لآرائهم ومطالبهم ، وتشرع في التنفيذ ، وعندها كانوا سيجدون العالم بجانبهم بالدعم المادي والمعنوي والسياسي ، هذا هو الطريق الوطني الذي يسلكه المناضلون الديمقراطيون – سواءً بالوسائل السلمية أو العسكرية – من أجل شعوبهم وأوطانهم .. أما الإخوة في الجبهة الثورية (بعض فصائل الكفاح المسلح) ، ورغم أنهم أعضاء في كتلة (نداء السودان) وأعضاء في قحت ، إلّا أنهم رأوا الانسحاب من كل ذلك والبحث عن سلامٍ “لا يعرف له شعب السودان معنىً أو كُنهاً” في دول الإقليم ، وضعوا ثقتهم في المكون العسكري بالمجلس السيادي “اللجنة الأمنية” وطربوا لتَغَوُّلِهِ على صلاحيات وسلطات مجلس الوزراء في ملف السلام برئاسة عدُوّهم الأول بالأمس (حميدتي) وجلسوا إليه في جوبا ، وبدلاً عن دارفور والمنطقتين ، تناولوا السودان كله وحددوا مساراتٍ لوسطه وشرقه وشماله ، ثم تمت مكافأتهم بحصصٍ في السلطة ، وأن ممثليهم فيها يحق لهم خوض الانتخابات العامة عكس السياسيين وكوادر النضال المدني السلمي الذين أنجزوا إسقاط النظام بثورتهم العظيمة ، وكافأوهم كذلك بمجلسٍ أسموه “شركاء الانتقال” يضمهم مع قيادة قحت والمجلس السيادي ورئيس الوزراء … أنجز أبطال الجبهة الثورية مع اللجنة الأمنية ذلك السلام وتركوا القوى المسلحة الأكثر تاثيراً (حركتي عبد الواحد والحلو ) متكئين على البنادق في مناطقهم ، وجماهير دارفور والمنطقتين تحت رحمة المعسكرات ورمضاء المهاجر يفعل بهم الجنجويد ما يفعل حتى اليوم ..

هذا التماهي مع عسكريي اللجنة الأمنية لا ينتج عنه إلا الانحدار الذي انتهى إلى الإنقلاب العسكري البرهاني في ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١ ، هو المساهمة السلبية في الأحداث..

(٤) لجان المقاومة نبتةٌ صلبةٌ وإنتاجٌ سوداني فريد ، وكلما مارست الاستقلالية في المواقف كانت أكثر بهاءً وسُمُوّاً ، هي في مستوىً متقدّمٍ جداً في الوعي بأهداف الثورة ، في معرفة الواقع والمطلوب ، شاباتها وشبابها هم الراهن والمستقبل لهذا الوطن ، هذا وطنهم … من الطبيعي أن تكون لديهم حوجة لبعض خبرات السياسيين الكبار في الأحزاب الوطنية .. ومن المؤكد أن لبعضهم ميول أو انتماءات حزبية (وذلك حق) وعليهم الاستفادة من ذلك في رفد نشاطهم كلجان مقاومة : الاستفادة منها دون تجييرها لمصالح حزبية ضيقة ، وتلك هي ضمانة استمرارها مُوَحَّدةً مُتوهِّجةً ، قوةً حقيقيةً لوطنهم وقواه المستقيمة …