في قلب كمبالا .. الشباب السوداني يصنع مسار التغيير والسلام

ورشة شبابية في كمبالا

ورشة شبابية في كمبالا- سبتمبر 2025- راديو دبنقا

كمبالا: امستردام/ الأربعاء 1 اكتوبر 2025: راديو دبنقا

اختُتم بالعاصمة اليوغندية كمبالا، أمس الثلاثاء، فعاليات الملتقى التفاكري الشبابي الأول، للخروج من الحرب وبناء المستقبل، بدعوة وتنظيم من مشروع الفكر الديمقراطية بعد ثلاثة أيام من الجلسات الحوارية والنقاشات الفكرية بمشاركة أكثر من أربعين شاباً وشابة من مختلف مناطق السودان، نصفهم من النساء، يمثلون شبكات مدنية ومجتمعات شبابية وثوار ديسمبر.

واشتمل البرنامج على أوراق علمية، عن ثورة ديسمبر، أزمة الدولة السودانية، وقضايا التهميش والمواطنة، إلى جانب حوارات مفتوحة ومداخلات من خبراء وأكاديميين وناشطين سياسيين، ركزت على تحليل مسارات الانتقال والسلام في السودان وتحديات بناء الدولة، بجانب مناقشات مفتوحة أفسحت المجال أمام تبادل الرؤى والأفكار حول مستقبل البلاد. وقد خلصت المداولات إلى ضرورة معالجة جذور الأزمة السودانية، وتعزيز دور الأجيال الجديدة في صياغة مستقبل البلاد.


افتتح الملتقى مدير مشروع الفكر الديمقراطي شمس الدين ضو البيت، مؤكداً أن الهدف من انعقاد الملتقى هو تمكين الشباب من تقديم رؤى معرفية وفكرية وسياسية متماسكة تكون همها الأول والأخير وقف الحرب الكارثية، وإنقاذ السودان ومستقبل أجياله القادمة، وانتشالهم من المحنة الوطنية الراهنة.

اليوم الأول: الثورة والدولة والمجتمع

شهد اليوم الأول ثلاث جلسات رئيسية ركزت على الثورة والدولة والتهميش من منظور شبابي نقدي. في الجلسة الأولى التي أدارها الحسين جعفر، قدم بدوي ناصر ورقة عن تجربة لجان المقاومة وإشكالية الحكم المحلي، بينما تناول سانديوس كودي واقع الشباب واستراتيجياتهم في التحول من قوة ضغط إلى قوة حكم، واستعرض محمد أحمد النعسان تجربة الحركة الطلابية كنموذج لاستعادة الزخم الحركي. وأكدت سمر سليمان على التحديات التي تواجه القوى الشبابية والثورية في مرحلة ما بعد الحرب، بينما دعا الحسن إبراهيم إلى توحيد الرؤى عبر التنسيق بين المنصات الشبابية لتعزيز المشاركة الحقيقية للشباب.


وفي الجلسة الثانية تحت عنوان “الدولة السودانية من منظور شبابي”، قدمت سندس حسن عرضًا للانتقال من الدولة الشمولية إلى الدولة المدنية، مؤكدة أن ثورة ديسمبر مثلت قطيعة تاريخية وذروة الوعي الجماعي بالمطالبة بدولة مدنية، فيما قارنت هويدا من الله بين الحكم العسكري الشمولي والحكم المدني وأبرزت الحاجة لإصلاح متكامل يشمل المؤسسة العسكرية والأحزاب والمجتمع المدني. وأوضح حسن آدم إشكالية العلاقات المدنية العسكرية ودعا لعقد اجتماعي جديد ودستور دائم، بينما أكد محمد أحمد محمود على أهمية الفيدرالية في إعادة توزيع السلطة والثروة بشكل عادل. وأثرت المداخلات على النقاش، حيث شدد محمد عبد الرحمن على أولوية إنهاء الحرب، ورأت يسرى النيل أن التمسك بقيم الثورة هو الضامن الحقيقي للتغيير، بينما نبهت إيناس منصور إلى غياب استراتيجية موحدة للعمل الشبابي، مؤكدة تعقيد الحرب بفعل العوامل الهيكلية والتدخلات الخارجية، فيما دعا شمس الدين ضو البيت إلى مساءلة الفكر السياسي المؤسس للدولة والبحث عن منهج تحليلي جديد.


وفي الجلسة الثالثة حول “المجتمع السوداني بين التهميش والمواطنة المتساوية”، قدمت نضال أحمد تحليلاً للتهميش المركب السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، مع التركيز على التهميش المزدوج للمرأة، فيما تطرقت جيسيكا جمعة إلى جذور التهميش الديني وأهمية عقد اجتماعي جديد قائم على المواطنة المتساوية، كما أشار أحمد التوم إلى دور التعليم في تأجيج الصراعات واستدامة التبعية، بينما دعا عكرمة عباس إلى ثورة وعي مجتمعي وإعادة تأسيس الدولة على أسس جديدة من المواطنة، وأوضح الرشيد مصطفى آثار التهميش التاريخية والحاجة إلى بناء الثقة عبر المجتمع المدني.

اليوم الثاني: العدالة الانتقالية وبناء المستقبل

ركز النقاش على العدالة الانتقالية والتعافي الاجتماعي، حيث قدمت مريم عبد الله عرضًا لأثر العنف البيئي والتدهور الزراعي على النزوح، فيما أكدت إيناس محمد لطيف على العدالة الانتقالية الشاملة التي تأخذ في الاعتبار النساء والشباب وذوي الإعاقة واللاجئين، وأبرزت يسرى النيل دور العدالة الرقمية في أوقات النزاع، مشيرة إلى استغلال البنية التحتية الرقمية في “اقتصاد الحرب”. كما شددت سماح المعز على أهمية تحويل الشباب من “وقود للصراع” إلى شركاء في السلام، بينما ركزت معزة فقيري على العدالة الانتقالية من منظور نسوي مع تطوير آليات توثيق تراعي الفوارق الجندرية، وعالجت ورقات قتيبة عثمان ومنار محجوب وويني عمر وهيام البشري مسألة العسكرة والعنف الممنهج وسياسات إضعاف مؤسسات الدولة التي أدت إلى انهيار العقد الاجتماعي.


خلصت جلسات اليوم الثاني إلى أن العدالة الانتقالية تمثل مدخلاً رئيسيًا لإعادة تأسيس الدولة على أسس العدالة والمواطنة، وأن تبني المقاربة البيئية والرقمية والشبابية والنسوية أمر ضروري لبناء سلام شامل ومستدام.

اليوم الثالث: المجتمع المدني الجديد وأدوار الشباب

خصص اليوم الأخير لمناقشة المجتمع المدني الجديد ودور الشباب في صياغة مستقبل السودان، حيث أدار الجلسات سوسن جمعة. تناول سانديوس كودي أبرز سمات المجتمع المدني الجديد بعد انفصال جنوب السودان عام 2011، ووضح كيف نجحت المبادرات مثل “نفير” و”القراءة من أجل التغيير” في تجاوز الحدود الجغرافية وبناء شبكات جديدة، مع الإشارة إلى أن الحرب الأخيرة أضعفت هذه الديناميكية وأبرزت التحدي في إنتاج خطاب مدني مقاوم للخطابات المثيرة. وأكدت ويني عمر على ضرورة إعادة تعريف أجندة ومصالح المجتمع المدني من منظور نسوي، مشيرة إلى التأثير السلبي للنيوليبرالية على الدور السياسي للمجتمع المدني وإمكانية تأسيس حركات اجتماعية جديدة رغم الحرب.
تحدث الحسين جعفر عن تفعيل المجتمع المدني في المهجر والشتات، مستعرضًا التجارب الإقليمية في الصومال وجنوب السودان وإريتريا، مؤكداً على أهمية استخدام هذه التجارب لتعزيز المساهمة في التنمية وصياغة عقد اجتماعي جديد. كما تناولت نضال أحمد، القيود التي تواجه المجتمع المدني الجديد، موضحة تأثير القوانين الأمنية على فضاءاته منذ عهد الإنقاذ وتفاقم التحديات بعد حرب 15 أبريل، بما في ذلك المركزية المفرطة وحالة انعدام الثقة. وقدم عباس عبد الغفار ورقة حول الفكر والمعرفة كمدخل للمشاركة السياسية، مسلطًا الضوء على غياب الفكر التحليلي منذ تأسيس الدولة وتأثير عسكرة المجتمع في عهد الإنقاذ، مؤكداً على أن ثورة ديسمبر أبرزت قدرة الشباب القيادية وضرورة استيعاب طاقاتهم من قبل القوى السياسية التقليدية.

وانهي الملتقى جلساته، بعمل المجموعات النقاشية التي عكست رؤى المشاركين حول الدولة، الثورة، العدالة الانتقالية، التعافي الاجتماعي، وعقد اجتماعي جديد، والتي ستوضع لاحقًا في مسودة البيان الختامي لتعكس صوت الشباب والشبكات المدنية في سعيهم لإيجاد حلول جادة ومستقبلية لأزمات السودان.

Welcome

Install
×