في عيد العمال العالمي .. عمال بلا عمل ولا مأوى

احتجاجات عمالية في الموانء البحرية ببورتسودان - 2021- صفحة الموانئ على فيسبوك

الأربعاء 1/ مايو/2024: راديو دبنقا

تقرير: سليمان سري

يصادف الأول من مايو من كل عام اليوم العالمي لعيد العمال والذي كان يمثل مناسبة عظيمة للتذكير بنضالات العمال ونقاباتهم في انتزاع الحقوق من أجل الحرية النقابية والعيش بكرامة ورفاهية، غير أن هذه المناسبة تأتي وعمال السودان بلا امل ولا عمل ولا مأوى.

لم تمنع ظروف الحرب في السودان عمال الموانئ البحرية في بورتسودان بولاية البحر الأحمر من ممارسة حقوقهم وحريتهم النقابية في تنظيم أنفسهم وممارسة حقهم في التنظيم والتظاهر والاحتجاج السلمي وإشهار سلاح الإضراب، لنيل حقوقهم. ما اعتبرته قواعد العمال انتصارًا للحركة النقابية وتعزيزًا لوحدتها.

وأثنى عدد من الخبراء النقابيين الذين استطلعهم “راديو دبنقا” على موقف عمال الموانئ داعيين لوحدة الحركة النقابية والشعب السوداني بكل تنظيماته من أجل وقف الحرب وتحقيق السلام وتعزيز أهداف ثورة ديسمبر في التغيير.

جشع المؤسسات

وحيا الخبير النقابي ونقيب المهندسين ومدير عام سكك حديد السودان “سابقا” هاشم محمد أحمد نضال العمال السودانيين وانتصاراتهم في تحقيق مطالبهم، وقوفهم أمام ما وصفه بجشع مؤسسات الرأسمالية والمخدمين في هضم حقوقهم، باستغلال المؤسسات ومقدرات البلاد.

واعتبر هاشم في حديث لـ”راديو دبنقا” إن ذكرى عيد العمال تأتي هذا العام في ظل ظروف يعاني فيه الشعب السوداني وطبقته العاملة من كوارث الحرب الداخلية، متهمًا دولًا ومنظمات عالمية مع من سماهم بوكلائهم بالداخل في إشعالها، مشيرًا إلى أن آثارها المدمرة طالت كل أرجاء الوطن وقال أن نتائجها عادت على الشعب السودان قتلًا، إرهابًا، تشريدًا، نزوحًا، تصفية وسلبًا لممتلكاتهم ومقدراتهم.

العبء الأكبر

وعبر عن استيائه لما تعانيه الطبقة العاملة اليوم من ما وصفه بالعبء الأكبر من معاناة في أطماع ومحاولات الرأسمالية للاستيلاء على المؤسسات وإداراتها وإدخال المشاريع الاستثمارية لصالحهم، مع مخططهم الرامي لخصخصة الموانئ ومشاريع الطاقة والزراعة والصناعة. محذرًا من كل تلك الخطوات ستعرض العمال للتشريد والفصل وقال هم في الأصل يعانون من ضيق العيش وقلة الأجور ومعظم العاملين لم يصرفوا مرتباتهم لشهور طويلة.

واتهم نقيب المهندسين جهات لم يسمها بالعمل على تفتيت وحدة الحركة النقابية واشغالها بتلك المشاكل وقال: “كما تجري محاولاتهم لتأجيج نيران الصراع القبلي واستعداء القبائل المسلحة لبعضها لقطع الطريق أمام أي محاولات للسلام” لكنه شدد على ضرورة الوقوف والتصدي بقوة ضد ذلك لكي محذرًا في القوت نفسه من أن تتطور لحرب أهلية.

ودعا هاشم جميع النقابات والمنظمات والنشطاء والشعب السوداني للوحدة والتكاتف والعزيمة لدحر هذا المخطط والمطالبة على وقف الحرب وإنهائها وليصبح الأول من مايو معلمًا في نضال الشعب السوداني والحركة النقابية في تحقيق أهداف ثورتها في التغيير.

تدمير ممنهج

اعتبر الباحث د. صديق الزيلعي أن ذكرى عيد الطبقة العاملة العالمية الذي يصادف الأول من مايو من كل عام، قد جاءت هذا العام والبلاد ترزح تحت جرائم الحرب والتدمير الممنهج لكافة مناحي الحياة، وفي مقدمتها حياة العاملين، مشيرًا إلى تدمير معظم الصناعات الأساسية التي توجد في العاصمة السودانية الخرطوم وتشريد العاملين.

ورأى الزيلعي في اتصال هاتفي مع “راديو دبنقا” أن المصانع والمكاتب والهيئات المتواجدة خارج الخرطوم، نفسها لم تكن بأفضل حالاً من تلك التي تم تدميرها في الخرطوم وقال أنها أيضًا لا تعمل لأن الواقع العسكري والصدامات المستمرة والقذائف مجهولة الهوية تقع في مواقع الانتاجية فتم إغلاقها تمامًا كالمصانع وحتى مشروع الجزيرة لحقه الدمار أيضًا، كما أن السكة الحديد تعمل بأقل من طاقتها.

وأوضح أن عمال الموانئ هم الجهة الوحيدة التي تعمل نسبة لاحتياج البلاد لحركة تصدير البضائع واستيرادها، وأمتدح مواقفهم وقال بأن لديهم تاريخ نضالي وإرث طويل، في مواجهة كل محاولات الخصخصة والتي استمرت لسنوات، كما انهم قاوموا بيع الميناء أو إنشاء موانئ جديدة في أبو عمامة، وقال هم الآن يطالبون ويناضلون من أجل تحديث الميناء الحالي لاستخدام طاقته القصوى لصالح الشعب السوداني وفي إطار هيئة الموانئ البحرية.

وأشاد الخبير النقابي صديق الزيلعي بنقابات الصحفيين والأطباء والدراميين وكل الفئات التي بدأت بتنظيم نفسها بأشكال ديمقراطية، عرفت بها الحركة النقابية، وأعتبر أنه لا بديل لإيقاف وإنهاء الحرب ومعالجة جذورها، لتعود عجلة الانتاج وتعود الحياة الانتاجية والطبقة العاملة وكل المهنيين إلى مواقعهم في مقدمة الصفوف من أجل السودان الديمقراطي المتعدد الأعراق والأجناس والمستمر في نضاله الدائم لاستقراره كنظام ديمقراطي غير قابل لحكم العسكر.

فراغ نقابي

عبر الخبير النقابي محجوب كناري عن تضامنه مع عمال السودان الذين قال بأنهم يعيشون في ظروف الحرب إضافة إلى الضائقة الاقتصادية التي زودت عليهم الخناق، في ظل عدم اهتمام الحكومات المتعاقبة،

وحيا، كناري، عمال السودان في عيدهم وهم يعانون من ما وصفه بالأهوال في ظل هذه الحرب الكارثية قتلا، تشريدا، لجوءً ونزوحًا، وقال حتى الذين في أماكن عملهم السابقة ويعانون الأمرين من عدم الأمان والوضع المعيشي في حالة الحرب، مع عدم صرف المرتبات، إجازات بدون مرتب، تشريد بالجملة، قوانين ليس فيها أي إشارة للتعامل مع الكوارث والأزمات، وقال أنهم يعيشون في حالة فراغ نقابي والذي استمر لخمسة وثلاثون عاما ويحرمون من حق التنظيم.

واعتبر كناري أن الحركة العمالية في السودان رائدة التنظيم النقابي في أفريقيا والشرق الأوسط وكان لها دور في الاستقلال وفي الحركة الوطنية السودانية في كل منحنياتها، وفي مناهضة ديكتاتوريات إبراهيم عبود، وجعفر نميري والإنقاّذ.

رواد التنظيم النقابي

وامتدح الخبير النقابي محجوب كناري عمال السودان بأنهم رواد التنظيم النقابي في أفريقيا والشرق الأوسط في الأربعينات، وقال أنهم الآن يكافحون لاعادة تأسيس نقاباتهم لإسماع صوتهم لشعبهم وللعالم حول هذه الحرب ويحرمون من حق كفلته لهم القوانين المحلية والدولية، بأمر من وصفهم بساسة لا يرون الا أنفسهم في مرآة السلطة ويخافون من صحوة من سماه بهذا المارد الذي قال بأنه يميل لهم ميزان القوة لمصلحة جماهير الشعب السوداني، الذي قال بأنه ظل يعاني من الحروب والديكتاتوريات العسكرية وحتى المدنية منذ الاستقلال.

ودعا كناري إلى استغلال هذه المناسبة من أجل الوقوف ومحاسبة النفس ومراجعة المواقف وتصحيحها وقال: “لابد من العمل على إصلاح اخطاءنا”، وإزالة كل معوق يقف أمام حق التنظيم وما يعنيه من انتزاع حقوق مشروعة في الحياة الكريمة

وأعاد التشديد على نبذ الحرب وما سماه بالتسلط والعمل على تجميع الصفوف لبناء وطن خير وديمقراطي مشيرًا إلى أنه هدف يجب أن يسعى اليه الجميع.

عمال غير نظاميين

اعتبر الخبير النقابي فقيري عبادي الامين العام السابق للنقابة العامة لموظفي هيئة الموانئ البحرية، أن العمال يعيشون في ظروف غير طبيعية خاصة وأن هنالك تراجع كبير في حريات العمل النقابي وحرية حركة العمال وإهدار حقوقهم الطبيعية، خاصة بعد حرب الخامس عشر من أبريل 2023.

ولفت عبادي إلى أن الظلم الذي وقع على العمال جراء التشريعات والقوانين السودانية على مر التاريخ، عملت على إهدار حقوق العمال، بقوانين عملية مثل قانون علاقات العمل في القطاع الخاص من القوانين غير السوية، والتي قال بأنها تهضم حقوق العمال لمصلحة أصحاب العمل.

وأعاد التذكير بأن النظام السابق أقر قوانين التي تسببت في وقف حركة الحريات النقابية باعتماده على نظام نقابات المنشأة على حساب النقابات الفئة، وقال أنه عمل على التأثير المباشر على حقوق العمال، حتى على مستوى القطاع والخاص.