في اليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالأشخاص.. ملايين الضحايا السودانيين

أمستردام – 30 يوليو 2025 – راديو دبنقا
تؤدي الحرب المستمرة والكارثة الإنسانية في السودان إلى تعريض ملايين المدنيين الأبرياء للاستغلال من قبل المتاجرين بالبشر.
في اليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالأشخاص، الذي يوافق 30 يوليو، وتحت شعار «الاتجار بالبشر جريمة منظمة – أوقفوا الاستغلال»، يقف السودان كمأساة تتقاطع فيها الحرب الممتدة، والنزوح الجماعي القسري، والجريمة المنظمة.
وقال المتحدث باسم المفوضية يوجين بيون خلال إحاطة في يونيو2025: «هذه أزمة إنسانية وأزمة سلامة وأزمة طفولة. حياة ومستقبل ملايين المدنيين الأبرياء على المحك»، مشددًا على حجم الأزمة وإلحاحها.
في عام 2023، حذر مركز الهجرة المختلطة من أنه «إذا استمر النزاع في السودان وزاد من التجزئة، فمن المرجح أن نشهد زيادة في الاحتجاز التعسفي للحصول على فدية، وكذلك الاتجار بالأشخاص». وقد تحققت هذه المخاوف لاحقًا وفقًا لبيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لعام 2024 في تقريرها «الموت في الصحراء»، الذي استند إلى مقابلات مع أكثر من 31 ألف لاجئ ومهاجر. ووثّق التقرير المخاطر الأكثر شيوعًا على طول طرق الهجرة من السودان، بما في ذلك: الاختطاف للحصول على فدية، والاتجار بالبشر، والابتزاز، والاغتصاب، والسرقة، وإزالة الأعضاء، والاحتجاز، والطرد.
أكثر من 12 مليون نازح ولاجئ
حتى يونيو 2025، أفادت المفوضية بوجود نحو 7.67 مليون نازح داخلي في السودان وأكثر من 4.7 مليون لاجئ وطالب لجوء فروا إلى دول مجاورة مثل تشاد ومصر وإثيوبيا وجنوب السودان.
وتعكس هذه الأرقام المذهلة حجم النزوح، وزيادة خطر الاستغلال والإكراه وسوء المعاملة على طول الطرق غير النظامية وغير المحمية.
وقال بحر الدين يعقوب، وهو لاجئ سوداني يبلغ من العمر 25 عامًا وصل إلى أوروبا عبر طرق التهريب: «كان البحر هائجًا، وكانت رحلة صعبة للغاية، لكننا كنا مرهقين من كل ما تحملناه في ليبيا. لم يكن لدينا خيار آخر، إما أن نعبر أو نموت».

ويؤكد ذلك الحاجة الملحّة لموضوع الحملة التي يقودها مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة لهذا العام، والتي تشدد على «الدور الحيوي لإنفاذ القانون ونظام العدالة الجنائية في تفكيك شبكات الاتجار المنظم، مع ضمان اتباع نهج يركز على الضحايا».
النزوح يمثّل نقطة ضعف خطيرة في السودان. وتتحمل النساء والأطفال على وجه الخصوص وطأة الحرب، ويواجهون مخاطر أكبر من غيرهم، حيث يتعرضون للعمل القسري، والاستغلال الجنسي، ونزع الأعضاء. وتنتشر هذه المخاطر بشكل خاص على طول طرق الهجرة عبر ليبيا ومصر.
ويظهر ذلك في مخطط 4Mi INFOGRAPHIC لعام 2025 الصادر عن مركز الهجرة، حيث أفادت أن 28.9% من النساء السودانيات المستجيبات اللواتي تمت مقابلتهن في تونس أبلغن عن تعرضهن للاتجار أو الاستغلال أثناء رحلتهن.
فشل
وقد أكد تقرير وزارة الخارجية الأمريكية حول الاتجار بالأشخاص لعام 2024 هذا الفشل في أنظمة مكافحة الاتجار في السودان، إذ وضع البلاد في المستوى الثالث، موضحًا: «السودان لا يفي بالمعايير الدنيا للقضاء على الاتجار بالبشر ولا يبذل جهودًا كبيرة للقيام بذلك». كما أشار التقرير إلى أن السلطات السودانية ما زالت تخلط بين الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين والاختطاف للحصول على فدية، الأمر الذي أعاق التقييم الدقيق لبيانات إنفاذ القانون.
ومن دون اهتمام وتدخل دولي متواصل – يشمل مقاضاة المتاجرين بالبشر، وحماية السكان النازحين، والتعاون عبر الحدود، والاستثمار في خدمات الدعم الصحي والنفسي والاجتماعي التي تركز على الناجين – يواجه السودان خطر تحوّل الاتجار بالبشر من نتيجة ثانوية للحرب إلى أحد أخطر عواقبها وأكثرها دوامًا.
وقد تكثف الاتجار بالبشر في السودان بشكل ملحوظ منذ اندلاع النزاع في أبريل 2023، وفقًا لتقرير أصدره المركز الإفريقي لدراسات العدالة والسلام (ACJPS) في يونيو الماضي. ووصف التقرير، الذي جاء بعنوان «الاتجار بالبشر في السودان: الجذور والسياق والتحديات الحالية»، الأزمة بأنها «أزمة إنسانية وجريمة منظمة» مدفوعة بـ«العنف، والأمن الهش، والفقر، والصراع السياسي، والانقسامات الاجتماعية».
رحلات انتحارية
كما رصدت مبادرة الحد من الهجرة غير النظامية والعودة الطوعية للجاليات السودانية في ليبيا تصاعدًا مقلقًا في ظاهرة ما وصفته بـ «الرحلات الانتحارية» التي يخوضها اللاجئون السودانيون نحو أوروبا عبر مسارات متعددة تشمل ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا، إضافةً إلى تركيا وعدد من دول أوروبا الشرقية.
وأوضح مالك الديجاوي، صاحب المبادرة ومفوض منظمة الحد من الهجرة غير الشرعية والعودة الطوعية للعالقين بدول المهجر، لراديو دبنقا أن عشرات الآلاف من اللاجئين السودانيين انخرطوا مؤخرًا في محاولات الهجرة مستخدمين أساليب تهريب مبتكرة مثل الطائرات الشراعية والمناطيد، فضلًا عن تعديل القوارب التقليدية بتركيب محركات إضافية لتحويلها إلى قوارب نفاثة، بهدف تسريع الوصول وتجاوز حواجز خفر السواحل.
وأشار الديجاوي إلى أن هذا التصاعد جاء نتيجة الارتفاع الكبير في تكاليف التهريب التقليدي، التي قد تصل إلى 150 ألف دولار أمريكي للرحلة الواحدة. الأمر الذي دفع العديد من المهاجرين إلى الاعتماد على أنفسهم في تجهيز مستلزمات رحلاتهم بطرق أقل تكلفة، رغم ما تحمله من مخاطر جسيمة في الصحاري والغابات والبحار، حيث يواجهون الموت، والتيه، والانتهاكات من قبل المهربين.