فورين بوليسي: انقلاب السودان مقامرة غير محسوبة

تقول ريبيكا هاميلتون -الأستاذة المشاركة في كلية واشنطن للقانون بالجامعة الأميركية- إن الجيش السوداني استولى على السلطة في مقامرة لن يهتم بها أحد، وإن توقعه بألا يواجه مقاومة في الداخل أو الخارج، هو مجرد أمنيات “تفكير راغب”.

 

تقول ريبيكا هاميلتون -الأستاذة المشاركة في كلية واشنطن للقانون بالجامعة الأميركية- إن الجيش السوداني استولى على السلطة في مقامرة لن يهتم بها أحد، وإن توقعه بألا يواجه مقاومة في الداخل أو الخارج، هو مجرد أمنيات "تفكير راغب".

وأوضحت هاميلتون -في مقال لها بموقع "فورين بوليسي" (Foreign Policy) الأميركي- أنه من المرجح ألا يقبل الشعب السوداني باستيلاء الجيش على السلطة، "إذ يفخرون -عن حق- بالإشارة إلى أن الرئيس السوداني السابق عمر البشير كان ثالث دكتاتور أسقطوه، واستمرت ثقتهم وقدراتهم التنظيمية منذ قيامهم بذلك، خلال العامين الماضيين في النمو، بينما يستعدون لمظاهرة حاشدة اليوم السبت".

وقالت إن ما زعمه القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان من أن ما قام به كان ضروريا لتجنب حرب أهلية وأن الجيش يخطط لنقل البلاد إلى انتخابات ديمقراطية في يوليو 2023، يعلم من هم داخل السودان وخارجه بأنها أكاذيب.

ويعتمد مستقبل السودان والمنطقة والأمل بالحركات الديمقراطية في جميع أنحاء العالم -جزئيا- على قدرة من هم خارج السودان على رفض الرواية الخاطئة التي يروج لها البرهان.

 

ينضح بالعقلانية

 

وأشارت إلى أنها أجرت مقابلة عام 2019 -من أجل مقال لها في "فورين بوليسي"- مع البرهان في القصر الرئاسي السوداني، واصفة حديثه آنذاك بأنه ينضح بالعقلانية، قائلة إنه يحب أن يرى نفسه خادما للشعب، ويود أن يصور انتزاعه للسلطة بديلا مستساغا للديمقراطية أو -على الأقل- درءا للفوضى في المنطقة.

ووصفت الكاتبة استيلاء البرهان على السلطة بأنه مقامرة، قائلة إنه يعتقد أن الدول القوية ستذعن، لكنه ينسى حماسة الشعب السوداني للديمقراطية ومرونته، ومن يتضامنون معه في الخارج.

وأشارت إلى أن حركة الشباب السودانيين الرافضين "للانقلاب" تحظى بثقة ودعم الشعب السوداني، قائلة إن هؤلاء الشباب وجدوا طرقا للاستمرار في مواجهة قمع مليشيات الدعم السريع وقوات الجيش هذا الأسبوع، كما استطاعوا إيصال صوتهم إلى الخارج رغم قطع الإنترنت.

 

أمراض الحكم الموروثة

 

وقالت إن السعي لتحقيق الديمقراطية السودانية يمتد لعقود، لأن الطريقة التي حكم بها البريطانيون السودان أصابت سودانيين أقوياء بأمراض الحكم منذ ذلك الحين. ومع ذلك، فقد واصل كل جيل سوداني جديد النضال من أجل الديمقراطية.

واستمرت هاميلتون تقول إن عهد البشير أدى إلى إضفاء الطابع المؤسسي على الفساد، وتطبيع عنف الدولة ضد المدنيين، وترسيخ جهاز استخبارات داخلي، وإن السودانيين طالبوا بتشكيل حكومة مدنية وبدلا من ذلك حصلوا على سلطة يتشاركها معهم الجيش، وكانت تلك النتيجة هي ما كان يمكن أن يتحمله ميزان القوى، مع عدم ارتياح المجتمع المدني السوداني أو الجيش.

وكان ترتيب تقاسم السلطة -تقول الكاتبة- يعني أن على المدنيين العمل من أجل الانتقال الديمقراطي بيد واحدة مقيدة وراء ظهورهم. ومع ذلك، استمروا في إصلاح بطيء للغاية، وكانت المساءلة عن الفساد والفظائع الماضية بعيدة المنال.

وذكرت أن البرهان عمل بجد لبيع نفسه للقادة في مصر والسعودية والإمارات باعتباره شخصا غير أيديولوجي وسيبقي الحماسة الإسلامية الإقليمية تحت السيطرة ويحافظ على سيطرة صارمة على السكان. واستجابت دول الخليج العربي، ومهدت استجابتها، إلى جانب الدعم الروسي الذي يتدفق بالفعل إلى قطاع الأمن السوداني من خلال مجموعة فاغنر شبه العسكرية، وهي الأساس لمقامرة البرهان.

 

تهديدات فيلتمان

 

وقالت إنه في ظل هذه الخلفية، يتضاءل النفوذ الأميركي عما كان يمكن أن يكون عليه، وإدراكا منها لهشاشة الانتقال، عملت الولايات المتحدة مع الحلفاء الأوروبيين لتقديم حوافز دبلوماسية ومالية لدعم الحكم المدني. فبعد إزالة السودان من قوائم العقوبات ووعده بمساعدات مالية كبيرة، حمل جيفري فيلتمان -المبعوث الأميركي الخاص إلى القرن الأفريقي- تهديدا حقيقيا معه عندما سافر إلى الخرطوم الأسبوع الماضي.

وعندما حذر فيلتمان البرهان من التدخل في الانتقال، كان البرهان يعلم أن إزالة هذه المكافآت المرغوبة كان احتمالا حقيقيا. ومن الواضح أن هذا التهديد لم يكن كافيا.

وختمت هاميلتون مقالها بالقول إن واشنطن بحاجة ماسة إلى مواصلة المسيرة في دعم إرادة الشعب السوداني بالتواصل مع دول الخليج، والضغط عليها لعدم تمكين الانقلاب بشكل أكبر.