عندما يكون العسكري جباناً .. مجزرة.. “كرينك”!!

جثثت متناثرة هنا وهناك، لأطفال ونساء وعجائز وعجزة، وقطاطي وبيوت مشتعلة بالنيران، وأخرى أصبحت بما فيها رماداً.. وصراخ الأطفال وبكاء النساء، وتكبير وحوقلة الرجال، تملأ الفضاء بين القرية والمقابر.. والناس يحملون الجنائز الى حيث يحفر الشباب صفاً من القبور. المصابون تعج بهم المستشفى الصغيرة، وقد اصيب بعض من كان فيها من المرضى وذويهم، حين هجم عليها المعتدون. هذا بعض ما صار عليه حال قرية كانت آمنة مطمئنة، في غرب دارفور تسمى ” كرينك”.

د. عمر القراي

 

 

بقلم : د. عمر القراي

 

(ٱلنَّارِ ذَاتِ ٱلۡوَقُودِ * إِذۡ هُمۡ عَلَيۡهَا قُعُودٞ * وَهُمۡ عَلَىٰ مَا يَفۡعَلُونَ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ شُهُودٞ)

صدق الله العظيم

 

جثثت متناثرة هنا وهناك، لأطفال ونساء وعجائز وعجزة، وقطاطي وبيوت مشتعلة بالنيران، وأخرى أصبحت بما فيها رماداً.. وصراخ الأطفال وبكاء النساء، وتكبير وحوقلة الرجال، تملأ الفضاء بين القرية والمقابر.. والناس يحملون الجنائز الى حيث يحفر الشباب صفاً من القبور. المصابون تعج بهم المستشفى الصغيرة، وقد اصيب بعض من كان فيها من المرضى وذويهم، حين هجم عليها المعتدون. هذا بعض ما صار عليه حال قرية كانت آمنة مطمئنة، في غرب دارفور تسمى ” كرينك”.

هذه مجزرة فظيعة، أهدرت فيها دماء المواطنين، العزل، البسطاء، دون جريرة، في عمل جبان، خائر، خال من أي مروءة ..لأنه هجوم مسلحين على عزل، وكبار سن، ونساء واطفال. وكان من بين الضحايا أربعة معلمين، وعدد من عمال وموظفي المستشفى، وموظفين من المحلية، وافراد من الشرطة. رحمهم الله جميعاً وجعلهم من الشهداء الأبرار.

مثل هذه الجرائم البشعة المدفوعة بالأحقاد والعنصرية، والتي تستهدف التصفية العرقية، هي جرائم ضد الانسانية لم تحدث في السودان، إلا في عهد حكم الاخوان المسلمين، وهاهي تعود الآن، بعد أن أطلق البرهان سراحهم، وبدأوا تآمرهم، وتواصلهم مع كتائب ظلهم، وصنائعهم من الدعم السريع، وحرس الحدود، والدفاع الشعبي وغيرها.

بلغت حالات القتل 176 وهناك حالات دفنت، دون أن تعرف، حسب تقرير لجنة أطباء السودان المركزية. وهناك عدد 220 مصاباً بعضهم في حالة حرجة. وفي هذه الظروف أغلق مستشفى الجنينة المرجعي أمام الضحايا، وهذا ما اعتبره بيان الأطباء جريمة انسانية، تتحمل مسؤوليتها سلطة الولاية (بيان لجنة الاطباء 27 أبريل 2022م).

لقد وقع الإعتداء الآثم في يومي الجمعة 22 أبريل والأحد 24 أبريل، وجاء في بيان السلطان بحر الدين سلطان دار مساليت (نحمل الدولة واجهزتها الأمنية مسؤولية ما يجري بالولاية ونطالب بالمحاسبة للمسؤولين وضرورة التحرك العاجللةقف هذا العبث)(بيان السلطان 25 ابريل 2022م).

من المسؤول عن هذه الجريمة النكراء في حق مواطني دارفور؟؟ ولماذا لم يتحرك رئيس مجلس السيادة، وقائد الجيش البرهان الى موقع الحدث، ويخاطب أهالي المواطنين المنكوبين ويعدهم بالقصاص، وحفظ ما تبقى من أراضيهم وممتلكاتهم؟؟ لماذا لم يخرج نائبه وقائد قوات الدعم السريع، ليخبرنا من الذي قام بهذه المجازر، إن لم تكن قواته؟ ولماذا قامت بها إن كانت قواته؟؟ وأين حاكم دارفور مناوي مما يجري في دارفور؟ وهل يظن أن حكم الاقليم هو ركوب عربات في الخرطوم، والتنقل بين القاعات والفنادق؟ لماذا لم نراه بين أهله المنكوبين يطمئنهم، ويصر على تحقيق القصاص لهم؟؟ هل باع أهله ووطنه وروحه للمكاسب الشخصية من اتفاقية جوبا للسلام، التي سقطت في أول اختباراتها؟!
وأين الأحزاب السياسية؟! لماذا لم تدن مجزرة “كرينك”؟ ولماذا لم تحمل مسؤوليتها للمكون العسكري للحكومة، لأنه الذي يدير البلاد الآن، بعد أن عجز عن تكوين حكومة مدنية؟! وما موقف الأحزاب والمجموعات المسلحة التي دعمت انقلاب البرهان؟ هل كانوا يعلمون أنه وقائد الدعم السريع سيقتلون المواطنين بعد أن استولوا على السلطة ؟! فإن جهلوا ذلك من قبل، فقد عرفوا الآن، فما هو موقفهم من الاستمرار في دعم النظام الذي يقتل أهلهم، الذين يدعون أنهم رفعوا السلاح ضد نظام البشير من أجلهم؟!
إن على هيئة محامي دارفور، أن تتصل بأسر الضحايا، وتحصل منهم على توكيل لرفع القضية للمحكمة الجنائية الدولية. وذلك لأنها جرائم ضد الانسانية، وأن الحكومة لن تحاكم المتورطين فيها لأنها متواطئة.
في احدى زيارات الرئيس البرهان لوحدات الجيش، وهو يحاول كسب جانبهم ضد المدنيين، زار معسكر فتاشا وتحدث الى الجنود وقال (إن القوات المسلحة هي القوة الوحيدة التي يعتمد عليها وقال للعساكر إنتو القوة number one وانتو الكلمة كلمتكم وانتو البتحددو البمشي منو والبقعد منو وانتو ما في اي قوة قدامكم ومافي زول يزايد عليكم)(عريف سابق ابراهيم محمد مصطفى).
ونحن نود أن نسأل البرهان أين كانت القوات المسلحة حين استبيحت ” كرينك” ؟! لماذا لم يدافعوا عنها في وجه المعتدين؟! فإن كانوا يخافون قوات الدعم السريع فما أضعفهم، وإن كانوا متآمرين معها فما أحقرهم، وأبعدهم عن الوطنية .. ماذا فعلت قوات الشعب المسلحة حين قام حميدتي بتجنيس، واستخراج الرقم الوطني، لقبائل “الماهرية” جهاراً نهاراً عبر مجمعات خدمة الجمهور في الخرطوم، وأنت وجيشك تعلمان أنه بداية استعمار استيطاني لقبائل غرب افريقيا في السودان؟!
 هل أصبحت لهذا الجيش السوداني تحت امرتك أي كرامة، حين تكون مقار الجيش، ورأس الدولة، تحرسه قوات الدعم السريع، وبعضها أجانب غير سودانيين؟!
 ما هي قوة وكرامة ضباط الجيش السوداني، حين يقبلون وأنت على رأسهم، أن تكون مخصصاتهم دون مخصصات قوات الدعم السريع، وتصرف لهم مرتباتهم، من وزارة المالية السودانية، وجلهم اجانب، ويسيطرون على ذهب السودان؟!
 ماذا بقى للجيش السوداني من هوان، حين يتم ضرب عميد بالقوات المسلحة، وهو القائد الثاني في الفاشر، بواسطة مجموعة جاهلة متفلتة وغير مؤهلة، من قوات الدعم السريع، ويربط، ويحلق شعره أمام المارة، ولا تحرك أنت ولا ضباط الجيش ساكناً؟! 
ماذا بقى لك أنت شخصياً من قيمة أو كرامة، حين يقوم قائد الجنجويد حميدتي بزيارة رسمية لدولة اثيوبيا، ويناقش العلاقات العسكرية بين البلدين مع رئيس اركان الجيش الاثيوبي!!
هل أنت حقاً تقدر زملائك من الضباط، حين تسمح لحميدتي بالتحقيق مع كبارهم مثل الفريق هاشم عبد المطلب، ويتم تصوير التحقيق وتسريبه وارساله للقادة الآخرين انذاراً وتخويفاً؟!
إذا كان لديك تقدير للبلد، ولقواته المسلحة، لماذا لم توقف تهريب حميدتي للذهب، ومنحه لروسيا والامارات، وشعبك جائع لا يملك القوت الضروري ؟! هل تظن أن القوات المسلحة يمكن أن تكون قوية ومحترمة لدى شعبها، وهي مهانة، ومستباحة من الدعم السريع وقواته الأجنبية، غير المتعلمة، وغير المؤهلة؟!
أنت رجل جبان، والعسكري إذا كان جباناً، لا يمكن أن يكون فيه خير لنفسه أو لغيره. وجبنك جعلك رهينة في يد حميدتي، وجعلك ترهن له الوطن!! 
هل تظن إن اخراجك للاخوان المسلمين من السجون واعادتهم ستجعلهم يدعمونك ضد حميدتي؟! 

إن الاخوان المسلمين يريدون السلطة لأنفسهم وسيستعينون في المرحلة بالاقوى منكما، ريثما يتخلصوا منكما. ولقد ظهر لهم وللشعب خورك أمام حميدتي، كما ظهر لهم رفض الشعب له ولك. لقد كنت أنت وحميدتي والاخوان المسلمين تحمون البشير، ومع ذلك اطاح الشعب به، فكيدكم بأمر الله مردود الى نحوركم جميعاً. ودماء شهداء “كرينك” الزكية، وشهداء الثورة التي تملأ الشوارع مشاعل في الطريق الى الحرية تبشر بأن زوال الظالمين قريب (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ۚ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ).