عمـر العمـر: البشير وفصل المؤتمر عن الدولة ..

بغض النظر عن الإتفاق أو الإختلاف مع صلاح غوش فالثابت قناعة الجنرال بنجاعة الوصفة المسرّبة على لسانه في معالجة حمى الحراك. تلك فرضية تستند …

عمـر العمـر(ارشيف)

بقلم: عمـر العمـر

 

بغض النظر عن الإتفاق أو الإختلاف مع صلاح غوش فالثابت قناعة الجنرال بنجاعة الوصفة المسرّبة على لسانه في معالجة حمى الحراك. تلك فرضية تستند إلى مبادرة رئيس جهاز الأمن لكشف أبرز مرتكزات خطاب رئيس الدولة قبل سويعات من إلقائه. من غير المألوف إستباق الرؤساء بالخوض في خطاباتهم المرتقبة. فما بالك إذ الخطاب يراه الجميع ضمن سياقه الحدثي خطاباً مفصلياً. خطوة رئيس جهاز الأمن أثارت علامات إستفهام كبرى خاصة في ضوء الفوارق المفصلية بين النصّين.علامات الإستفهام تطارد البشير، غوش كما تلاحق الوصفة المسرّبة والخطاب المعلن.

البحث في الإجابات على الأسئلة العالقة تستوجب إبانة أبرز الفوارق بين الوصفة المسرّبة والخطاب الرئاسي المعلن. غوش أبلغ الصحافيين ولوج البلد مرحلة إنتقالية بموجب إعلان الرئيس حل البرلمان والحكومات، تفويض البشير رئاسة الدولة إلى مجلس دستوري إبان المرحلة الإنتقالية بالإضافة إلى تخليه عن زعامة الحزب الحاكم وإلغاء فكرة خوض إنتخابات رئاسية مجدداَ.

من الجلي للعيان إدراك رئيس جهاز المخابرات طبيعة إجتماع قيادة الحزب الحاكم المقرر قبيل مخاطبة البشيرالشعب. غوش على يقين بنهوض رفض شرس لتلك المرتكزات الجاهزة للإعلان داخل الإجتماع. هوعليم كذلك بعدم قدرة الرئيس على الصمود أمام ضغوط الرفض الجماعي. ذلك ما دفع رئيس الأمن إلى كسر الأعراف والتقاليد وتسريب خطاب الرئيس بنفسه قبيل السويعات محاولاً بذلك إفشال مخطط إجهاض المشروع داخل مجلس لا يملك هو حق المشاركة فيه. إحدى معايب غوش نزوعه إلى لعب أوراقه السياسية في لجة الأضواء. هما مساحتان يحرص رجال الأمن عدم الركون إليهما؛ الإعلام واللعب المكشوف.

طموح غوش يغالب طبع مهنته. عودة الجنرال إلى منصبه لم تكن إستجابة خالصة لرغبة الرئيس بناء على توصية من أحد خلّصه.ربما وجد غوش في إستعادة موقعه فرصة لإسترداد كرامته السياسية المهدرة، تصفية حسابات قديمة لكن من ذلك الأهم فتح أفق الطموح الذاتي. عودة غوش لم تكن بغية خدمة الرئيس إلا بما يخدم مشروع الجنرال العائد المتمثل في بلوغ قصر الرئاسة. بغض النظر عما إذا كانت وصفة المرحلة الإنتقالية مخطط خارجي أو طبخة محلية صرفة فمما لاشك يشوبه وجود باع غوش فيها. كلاهما؛ تأمين إعلان الوصفة وتسويق المرحلة الإنتقالية تعززان فرص غوش – وفق حساباته – لجهة هندسة ما بعد البشير.

لكن قيادة المؤتمر أجهضت بعد سويعات فقط أحلام الساعة الأخيرة. إكفهرار الرئيس ووجوم الكومبارس في حديقة القصر كشفا عمق أزمة النظام المستحكمة؛ ذلك جمع جفّت في عروقه الحيوية وخلت قسماته من البشاشة والإرتياح. كلٌّ نام ليلتهاعلى جنب غير مريح. كل ذلك الجهد المحموم ليس فيه مثقال خردل من جهود تفكيك أزمة الوطن. هي لعبة الصراع على السلطة وحماية المكتسبات. يا للمفارقة بل يا للصدمة الرئيس لم يتخل عن رئاسة السلطة أو رئاسة الحزب الحاكم. أكثر من ذلك بدأ البشير خطوات مركزة السلطة في قبضته منفرداً. عسكرة مناصب الولاة ثم تفويضهم تشكيل حكومات بناء على معايير الكفاءة لا الولاء أو المحاصصة لا يعني سوى بداية البشيرالتوجه نحو فصل حزب المؤتمر عن الدولة. الأيام التالية تكشف حتماً إلى أي مدى قدرة الرئيس قي الذهاب بعيداً على هذا الطريق.

كعادته يريد البشير بالنأي عن المؤتمر تحميل قياداته إخفاق العقود الثلاثة الماحقة. تصعيد إيلا إلى رئاسة الحكومة ثم هارون إلى مؤسسة رئاسة الجمهورية والمؤتمر يفضحان إلى جانب عزمه إحتكار سلطة القرار المطلقة إنكفاء البشير داخل دائرة أضيق؛ هرباً من ضغوط الحزب إلى أهواء الذات. إيلا مثل أخيه هارون لا شيء يميزهما عن الآخرين سوى إستمزاج البشير. بالطبع لن تصمت قيادة المؤتمر أزاء انقلاب الرجل الفرد على سلطة الحزب. هكذا يفتح البشير جبهة عداء جديدة ساخنة على نفسه.

غوش ينزلق إلى جرف هار وحل. لن يعود ظهر الحراك وحده عرضة للعنف الوحشي الباطش من قبل زبانيته. ثمة رافد غضب جديد يتململ بغية ولوج حلبة المواجهة. ظهر النظام ذاك من يمسي مكشوفاً في الشارع. لعبة الشطرنج الممارسة بالإنتقال من حاضنة الحزب إلى التكنة العسكرية ليست سوى نقلة قصيرة البصر. مع احتدام المواجهة لن تجرؤ المؤسسة العسكرية بكامل قوتها وعقلها على ارتكاب جريمة الإنحياز ضد الشعب. منذ تلك الليلة فقد الرئيس منسأته المنخورة من قبل دابة الحزب. قادة المؤتمر سيسعون حتماً إلى إبقاء مفاتيح اللعبة بين أيديهم. محاولة البشير إستمالة المؤسسة العسكرية لن تقنع المؤتمر بفقدان الأمل في إنقلاب مضاد. إذا ما أفلحوا في استرداد سلطة القرار فسيصبح البشير حتماً كبش فداء. كل ذلك ليس سوى المشهد الأخير من الملهاة.

[email protected]