عمر البشاري: خواطر متأملة في تقرير البي بي سي عن التعذيب في السودان ..

شاهدت تقرير للبي بي سي عن التعذيب في السودان … وماهي فرق الاعتقال … ومن هم عناصرها… وكيف تباشر عملياتها…. وأين هي أبرز …

البشير وقوش(ارشيف)

بقلم: عمر البشاري

       

شاهدت تقرير للبي بي سي عن التعذيب في السودان … وماهي فرق الاعتقال ومن هم عناصرها… وكيف تباشر عملياتها…. وأين هي أبرز… مواقع المعتقلات.. وصادف أنني …. هذه الأيام… اطالع ترجمة لكتاب..توماس هوبز… المشهور بالتنين.. أو اللفياتان…. أو الوحش البحري المخيف… وهي تعبيرات أراد بها.. توصيف الدولة… كتنظيم… اجتماعي.. …. ديكتاتوري..بالغ القوة يحتكر العنف ويمارسه بالشكل الوارد في التقرير المذكور أعلاه والدولة ..بهذا المعنى تنظيم غير ديمقراطي بسبب أن العقد فيها… يهدف إلى تحقيق السلام والأمن والخروج من حالة الطبيعة التي افترض هوبز أنها لا بد من أن تكون حالة فوضى تسودها أوضاع حرب الجميع…ضد الجميع .

وللخروج منها يتنازل الناس عن بعض من حرياتهم فيما يخص حفظ الأمن وإقامة العدل وحكم القانون…كهدف.. ملزم لها بحكم المصلحة الضرورية للحاكم والمحكوم فيه… ولكنه غير ملزم للحاكم بموجب العقد…. أي أنه منطقيا يكون سعي الحاكم لحفظ الأمن لأن في ذلك تطابق لمصلحته مع مصلحة المحكومولا بأس لو كان هذا بالعدل والحكمة وحكم القانون… ولكن إذا فشل في إقامة العدل وظلم الناس وقتلهم وسحلهم وسجنهم وقيد حرياتهم(كما في التقرير الذي يصور واقعنا هذه الأيام) فلا يعد هذا مبررا لفسخ العقد الاجتماعي لهوبز…. بسبب أن فسخ العقد يعني العودة إلى حال الطبيعة،حال حرب الجميع ضد الجميع… كما يقول البشير في منطقه الرافض للمظاهرات بدعوى أننا سنصبح كليبيا واليمن وسوريا.. في حال من انعدام الأمن وغياب السلام لو تمسكنا بقولنا الذي جعلنا منه اقنوم لثورتنا وشعار لها … (تسقط-بس)… . لنشت ونلجأ في بلاد الناس وهو (البشير) كما ورد في لقاء له…. محتار في أمرنا فالحدود من حولنا ليس بها منفذا لبلد يقبل بنا ويرحب بأستقبالنا.. وبهذه الحجة ينهي هوبز العقد إلى حال من التنازل الكامل من الناس عن حياتهم المذكورة ويفوضونها بكامل إرادتهم لهيئة تمارس مهام السيادة عنهم.. و تتسامى بها على وجودهم الفردى وأشكاله الاجتماعية الأدنى من الدولة…وهو عين ما يريده لنا البشير…. (مع ملاحظة أن حكم البشير انقلابي لا يقوم على عقد رضا في بدايته وعنيف بداية ونهاية)
ونقطة الضعف هنا في تفكير هوبز وفلاسفة التنوير.. هي افتراض أن الدولة تقوم على التعاقد في نشأتها(يعترض ماركس هنا بكل الشموخ على المبدأ التعاقدي ويقول أن القهر هو أساس الدولوهي أدوات لسيطرة من يملكون على من لا يملكون ) وثاني نقاط الضعف في فكر هوبز لوحده دون لوك وروسو…. هو أن التنازل التعاقدي… من الناس لصالح الدولة… مطلق غير مشروط بحسن إدارة الدولة… ولا يمكن التراجع عنه فيتمتع صاحب التفويض التعاقدي بصلاحيات السيادة من غير خضوعه للمسائلة أو الثورة عليه أو الخروج عن محكوميته من قبل طرف التعاقد الآخر وهو الناس.. على عمومهم
وهو بذلك يبرر لنشوء النظم الملوكية الدكتاتورية… وأستمرارها على حسبان أن وجود أي شكل من الدولة خيرا من فوضى عدم وجودها

وكما نرى أن الدولة من هذه الناحية يمكن تعريفها بأداة لإدارة العنف المنظم… و بتعريف هوبز تعتبر دولة البشير جيدة على سوءاتها
لاحقا تطورت النظريات السياسية… مع روسو… وجون لوك وبرزت معهما فكرة أن التفويض يمكن إلا يطلق من غير معيار… ومعياره هو أن تكون الدولة التعاقدية مشروطة بحسن الادارة.. والعدل.. والحرية…. وهذا ما مثل الأرضية الملائمة لنشوب الثورات الاجتماعية السياسية الليبرالية في بريطانيا أولا ثم أمريكا إلي أن بلغت ذروتها في مثالها الأعظم الثورة الفرنسية
وتطورت بموجب مبادئها… الدولة؛ وأوجدت المؤسسات وطبق فيها مبدأ فصل السلطات.. لمنتسكيو… الوارد في كتابه روح الشرائع .. بين تنفيذ وتشريع وقضاءيراقب كل منها الآخر… حتى لا تتركز سلطة تنين هوبز في يد فرد أو مجموعة لتعذبهم وتقتلهم بطريقة الأجهزة الأمنية للبشير الواردة في تقرير البي بي سي.. والذي أثار عندي هذه الخواطر….أو تشتط في قسمة الموارد.. والسلطان بينهم… بشكل يميل بميزان العدل للرجحان بكفة صوب فئة دون الأخرى
وما تلى هذا من الانتخابات كوسيلة للتداول السلمي الدوري المشروط للسلطة المفوضة من قبل الناس للحكام… وحرية التعبير والتنظيم والحركة وحقوق الإنسان كركائز تضمن عدم تعدي الوحش البحري المخيف على الناس
وهي الموضوعات الملهمة لمعاني الحرية والعدالة والسلام التي ترفعها ثورتنا كشعارات.. لو أحسن الناس فهمها. .
والسؤال هو… لماذا يصر البشير ورهطه على جعلنا بين خيارين أحلاهما مر….
فأما الحرب الأهلية….الطاحنة التي لا تبقي ولا تذر
أو نترك التنين المفزع هذا…. يلتهمنا…. و يهدر مواردنا…و يمزق أرضنا ووحدتنا.. ويهلك حرثنا والنسل…ويجافي العدل في سياسة امرنا .وهو بذلك يقودنا بلا شك إلى حالة الفوضى التي نخشاها.. ونحاول تجنب الانزلاق اليها…. بعدم مواجهته والرضوخ… لإرهابه وقمعه….
أو ليس من حقنا وفي مقدور حظنا أن نمارس حياتنا في دولة تعاقدية على مبادئ لوك… كبقية الدول المعاصرة لنا في حقبتنا التاريخية الراهنة … بديمقراطية كاملة الدسم… بسلطاتها… المتفاصلة.. المراقبة الضابطة لبعضها… بحقوق أنسانها المعزز المكرم…. بانتخاباتها الحرة النزيهة… بصحافتها… التى تمثل سلطة رابعة… برأيها العام الذي تحسب له الحكومة الف حساب… بقضائها الحر المحايد المستقل الذي يتساوى أمامه الحاكم والمحكوم والضعيف والقوي…بأجهزتها العدلية الشفافة الناجزة…. المستقيمة على سواء الحقوق والواجبات…مع مراعاة حق الرعاية للفئات الأضعف كالنساء والأطفال وكبار السن والمعوقين والعاطلين عن العمل.. والمشردين والنازحين واللاجئين.. ومن يعيشون على تخوم الدولة والهوامش… وضمان الحقوق الخدمية الأساسية في السكن والصرف الصحي والماء والعلاج … والتعليم ؟
أوليس هذا ممكناً ومن حقنا..!!!!! ؟
 

https://youtu.be/335gggqK3n8

الرابط أعلاه يحيلك إلى التقرير المصور المعني لمن أراد مشاهدته….