عائدات الذهب تعجز عن الحد من تصاعد الدولار وتخفيف معاناة الناس

سبائك ذهب من إنتاج مصفاة للذهب بالخرطوم - المصدر وكالة السودان للأنباء

بورتسودان: السبت 27 أبريل2024: راديو دبنقا
تقرير: سليمان سري

برغم استمرار الحرب في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل من العام الماضي، أي أنها دخلت عامها الثاني، إلا أن صادرات الذهب لم تتوقف أو تتأثر بعامل الحرب بل وساهم في تمكين الحكومة السودانية من توظيف عائداته، مع الموارد والثروات “الزراعية والصناعية” في شراء السلاح والصرف على الجيوش المتعددة، المتحالفة معها، المتمثلة في حركات الكفاح المسلح، الموقعة على اتفاق جوبا.

وفي نهاية الأسبوع الماضي، أعلنت الشركة السودانية للموارد المعدنية المحدودة، عن تقرير صادر الذهب للربع الأول من هذا العام والذي قالت بأنه تجاوز 7 طنًا و626 كيلو، ما قيمته (428) مليون دولارًا وتم توريدها لبنك السودان المركزي.
غير أن هذه العائدات لم تساهم في الحد من ارتفاع سعر الدولار مقابل العملة الوطنية “الجنيه السوداني” الذي ظل يواصل التراجع ولازال دون أي معالجة من الدولة. كما لم يسهم في تخفيف معاناة المواطن السوداني.

أمر جيد:

لكن الخبير والمحلل الاقتصادي د. محمد الناير يرى أن صادرات الذهب حققت معدلات إيجابية في الربع الأول من العام 2024 والذي تجاوز قيمته (428) مليون دولارا، بكمية صادر بلغت 7.6 طن معتبرًا أن ذلك أمر جيد، ورهن تجاوز صادر الذهب حاجز الـ 2 مليار دولار ربما نهاية العام، باستمرار الصادر بهذا المعدل.

وأكد على أن حصيلة صادرات الذهب تجاوزت حاجز الـ 2 مليار دولار قبل بداية الحرب أي في العام 2022، وكانت تشكل أكثر من 50% من حصيلة كل الصادرات، وقال إذا استمر هذا المعدل بتحقيق 2 مليار دولار بنهاية العام سيكون له أثر إيجابي على سعر الصرف وتوفير النقد الأجنبي لتلبية الاحتياجات الأساسية والضرورية في ظل الوضع الراهن.

ولفت الخبير الاقتصادي إلى ضرورة ترشيد فاتورة الواردات بترتيب الأولويات والعمل على إيقاف استيراد السلع غير الضرورية، باعتبار أن الظرف لا يتطلب استيراد كل السلع، بل التركيز على السلع الأساسية والضرورية حتى يتم خفض العجز في الميزان التجاري بصورة أساسية.

محل النفط:
ورغم ذلك اعتبر د. الناير أن الذهب بعائداته لم يحل بالكامل محل النفط لكنه حل جزء كبير جدًا وقال أن انتاج الذهب ظهر قبل انفصال جنوب السودان بفترة قليلة، وبعقد مقارنة بسيطة، رأى أن الفارق في أن البترول كان ملك للدولة، ومعظم الشركات التي كانت تعمل فيه وفق اتفاقيات مع الدولة، لكن العامل الأهم في هذه المقارنة، كما يشير د. الناير، هو أن العائد من النفط سواء كان نقدًا أجنبيًا أو إيرادات في الموازنة كانت أعلى من الذهب.

وأعتبر أن الذهب سد جزءا الذي سببه غياب البترول وليس تغطية كاملة بعد انفصال جنوب السودان حيث استطاع أن يخلق نوع من التوازن، لكن الذهب لا يغطي ما كان يغطيه النفط بالكامل، باعتبار أن النفط كان يتم تنقيبه عبر شركات بعقودات امتياز محددة ويتم قسمة الانتاج بين الدولة والشركات.

وأشار د. الناير إلى أن مشكلة تهريب الذهب ظلت تؤرق الاقتصاد السوداني وتحتاج إلى ضبط وليس فقط بالإجراءات الأمنية بحماية الحدود مؤكدًا أنها قضية مهمة وملحة، لكن بالسياسات المشجعة وقال كان يفترض أن يكون هنالك بورصة للذهب في السودان غير أن ظروف الحرب أخرت إنشاء هذا المشروع على حد تعبيره، لكنه شدد على ضرورة وجود سوق أو بورصة للذهب حتي يتم تداول هذا المعدن النفيس في السودان بما يوازي الأسعار العالمية، وأن تكون مربوطة بالبورصات سواء على المستوى الإقليمي والعالمي في المرحلة القادمة.

“كنترول”:

وعبر الخبير الاقتصادي د. محمد الناير عن اعتقاده بأن قطاع التعدين في حاجة إلى مزيد من الجهد لكي يعوض مافقده السودان من عائدات البترول بانفصال جنوب السودان، ورأى أنه حال تم الحد من التهريب وإجراء تحكم “كنترول” لانتاج الذهب وزيادة معدلات القطاع المنظم، قطاع شركات الامتياز، والتقليل من التعدين الأهلي، وهذا من شأنه أن يخلق نوع من التوازن ويخلق زيادة في عائدات الصادر بالنسبة للذهب بصورة كبيرة. أو حتى من الممكن في المرحلة القادمة أن يحتفظ السودان ببنك السودان المركزي وهذا يدعم قوة العملة الوطنية بصورة كبيرة.

ويشير إلى أن كل هذه الأشياء تحتاج إلى برامج ووزارة المعادن كان لها برامج من قبل بتحويل التعدين التقليدي إلى قطاع منظم، بالنظر إلى أن كثير من المعدنيين وضعهم المالي تحسن كثيرًا وأصبح لديهم القدرة على امتلاك مربعات حتى وان كانت مربعات صغيرة وبالتالي يمكن أن يتحول القطاع التقليدي إلى قطاع منظم وتكون الفائدة في الاقتصاد أكبر من أن يكون 80% من التعدين قطاع أهلي أوتقليدي.

ورأى الناير بأن كل هذه الأشياء تحتاج إلى خطط وبرامج في المرحلة القادمة لكي تدعم الاقتصاد السوداني بصورة أساسية، مؤكدًا أن هذا ليس كل انتاج السودان من الذهب بل يرى أنه أعلى من ذلك ولكن كما ذكرت عدم الحد من التهريب والذي يجعل معدلات عائد الصادر بالحجم الحالي ويمكن أن تصل إلى ضعف الرقم المعلن إذا تم الحد من التهريب بصورة أساسية.

وكشف تقرير للأمم المتحدة، عن استمرار عملية تهريب الذهب منذ اندلاع الحرب بالسودان، وأكد التقرير على وجود شبكات مالية، معقدة أسستها قوات الدعم السريع قبل وأثناء الحرب، مكنتها من الحصول على الأسلحة، ودفع الرواتب، وتمويل الحملات الإعلامية، والضغط، وشراء دعم الجماعات السياسية والمسلحة الأخرى، وفق التقرير.

تشكيك:
الصحفي والمراقب الاقتصادي حسن منصور شكك في التقارير الصادرة عن صادر الذهب وقال لـ”راديو دبنقا”، إنّ الحديث عن صادرات الذهب والصادرات الوطنية وأثرها على سعر الصرف ” سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني”، حديث يهزمه واقع الحرب.

مشيرًا إلى أن الواقع يقول إن الجهة التي تقوم بالإحصاءات الرسمية للصادرات هي وزارة التجارة الخارجية وتقارير بنك السودان ربع السنوية، مؤكدًا أن كلا المؤسستين لا تعملان حاليًا في حكومة الأمر الواقع. واعتبر أن الأرقام الصادرة تفتقر للدقة المطلوبة، وقال بمعنى آخر أنها غير حقيقية.

وقال منصور: “لو افترضنا جدلاً أن تلك الأرقام صحيحة فأن ما يتم حاليًا من صادر لا يزيد عن كونه تهريبًا لسلع وطنية بالاستفادة من حالة السيولة الأمنية بالبلاد خاصة عند المعابر”، وأضاف: “فحصيلة الصادر ستكون مفقودة ولاتدخل ميزانية للدولة”.

وحول تأثير الصادرات على العملة الوطنية في انخفاض سعر الصرف يقول هي قضية توجيه الموارد نحو الحرب، فالدولة، كما يرى، توجه كآفة الموارد للحرب وشراء السلاح عليه يظل الطلب على النقد الأجنبي عالٍ أو فاقدا للمرونة بالتالي يظل الدولار في حالة ارتفاع بوتيرة ثابتة حتى تضع الحرب أوزارها، ويضيف: عندها فقط سيمر بمرحلة ثبات نسبي لفترة زمنية قصيرة إلى أن تعود البلاد إلى أنشطتها الاقتصادية وبالتالي يكون هنالك وافر من النقد الأجنبي القادم للبلاد وبالتالي انخفاض قيمته أمام الجنيه السوداني.