صحافة المقاومة صامدة وباقية، والاظلام الاعلامي، ليس هو الحل !!

فى البدء والمُنتهي، المجد للشعب السوداني، الذي أحسن وصفه، ولخّص وعيه، شاعر الشعب، محجوب شريف، فى كلماتٍ معدودات، فقال : “شعباً عظيم الباس ،،، ما بيمسِكُو أب كبّاس” !.. وبالفعل فإنّ (بأس) هذا الشعب، لبأسٌ عظيم، وهذا هو سِر وجوده، وجسارته، وصموده، وقدرته الفائقة على تجاوز كل “الخيبات” المتكررة التي تسببّت – وتتسبّب – فيها النُخب/ة السياسية، فُرادى وجماعات، وسِر قُوّة جينات المقاومة النادرة، التي يمتاز بها هذا الشعب الكريم، ويورّثها لأجياله الجديدة، جيلاً بعد جيل، فتبقي جذوتها مُتّقدة على مر العصور والأزمان. وما أجمل أن نُغنّي مع شعبنا: “يا شعباً لهباً ثوريتّك،،، تلقي مُرادك والفى نيتّك،،، عمق احساسك فى حُرّيتك،،، يبقي ملامح فى ذُرّيتك” !.

فيصل الباقر

 

 

 بقلم: فيصل الباقر

 

جرس أوّل :

ما أكثر ما بذلنا فى سبيل هذا الوطن،،، بعضنا مات،،، وآخرون ألقوا الخُطب” ((أورهان أوقان ))

-1-
فى البدء والمُنتهي، المجد للشعب السوداني، الذي أحسن وصفه، ولخّص وعيه، شاعر الشعب، محجوب شريف، فى كلماتٍ معدودات، فقال : “شعباً عظيم الباس ،،، ما بيمسِكُو أب كبّاس” !.. وبالفعل فإنّ (بأس) هذا الشعب، لبأسٌ عظيم، وهذا هو سِر وجوده، وجسارته، وصموده، وقدرته الفائقة على تجاوز كل “الخيبات” المتكررة التي تسببّت – وتتسبّب – فيها النُخب/ة السياسية، فُرادى وجماعات، وسِر قُوّة جينات المقاومة النادرة، التي يمتاز بها هذا الشعب الكريم، ويورّثها لأجياله الجديدة، جيلاً بعد جيل، فتبقي جذوتها مُتّقدة على مر العصور والأزمان. وما أجمل أن نُغنّي مع شعبنا: “يا شعباً لهباً ثوريتّك،،، تلقي مُرادك والفى نيتّك،،، عمق احساسك فى حُرّيتك،،، يبقي ملامح فى ذُرّيتك” !.

-2-
هذا الشعب العظيم، لم ينتظر لحظة، أو يتلجلج، لسانه الفصيح، فى وصف وفضح ((الانقلاب العسكري))، الذى تمّ تنفيذه على أرض الواقع، صباح يوم 25 نوفمبر 2021، فأحسن – شعبنا – تسميته بـ”الانقلاب” واجاد تفسيره، وتصنيفه، ولم يكتفِ بمجرّد شرح الواقع، والحدث، بل، وضع المُوجِّهات المُؤدية لـ(تغييره)، فدعا شباب وشابّات الثورة، وبوضوح نظري وعملي تام، لاستكمال مهام ثورة ديسمبر 2019، المجيدة، بمواصلة حمل “سلاح” المقاومة السلميّة، الذى أبهر العالم – أكثر من مرّة – وأزعج الطُغاة، وأقلق مضاجعهم، وقصّر نومهم، فأعاد ألق وذكريات تجربة “ليلة المتاريس”، وما أدراكما المتاريس “الأكتوبرية”، فى نُسخةٍ جديدة، ومتطوّرة، وفعّالة، ومُتقدّمة، ومستجيبة – بطبيعة الحال – لتغيُّر الزمان والمكان، وهذا بعضٌ، من بعض عبقرية الشعب السوداني العظيم، مُفجّر الثورات، وصانع المُعجزات، وقاهر الدكتاتوريات !.

-3-
فى كل مرّة يتّضح أنّ الانقلابيين من العسكريين وسادتهم وبُطانتهم من المدنيين، يقرأون – دوماً – من نفس الكتاب القديم، ومن ذات صفحاته المُهترئة، والمقروءة للجميع، ويعودون من المعرفة، بـ”خفّي حُنين” بإعادة نسخ وصفاته المعروفة : “منع الصحافة، وتكبيل الصحفيين/ات، وحل المنظمات السياسية والنقابية، واعتقال السياسيين/ات، وتشريد النقابيين/ات، وقمع النشطاء السياسيين والمجتمعيين”، وهاهو الانقلابي الأخير، الجنرال عبد الفتاح البرهان – “فى متاهته الأخيرة” – ليستكمل مسلسل قفزاته فى الظلام، بانجاز الحلقات المفضوحة فى انقلابه المكشوف، والمشئووم، بثالثة الاثافي – كالمعتاد – “اعلان حالة الطواريء”، ونشرالعسكر، والمليشيات، فى االأبنية العسكرية والطُرقات، وترويع المواطنين والمواطنات….إلخ، وجميعها وسائل مُجرّبة، ثبت بالفعل، انتهاء صلاحيتها، فى عصر الانترنت، وعصر الشُعوب، ولهذا، فقد أضاف الانقلابيون الجُدد لوسائلهم المُجرّبة “قطع الانترنت”، والذي استمرّ من يوم 25 نوفمبر 2021، وحتّي تاريخ نشر هذا المقال، ويبدو انّه سيستمر لفترة أطول، بغرض فرض إطالة عمر أقصي حالة من ما يسمّي فى علوم الصحافة والاتصال بـ(الاِظلام الاعلامي) … ولكن، هيهات!.

-4-
فى مواجهة انقلاب البرهان، ندخل – الآن – مرحلة ((صحافة المقاومة))، إذ لم تعُد الصحافة “الميديا” القديمة، بأساليبها الموروثة، من القرن المنصرم، هي سيّدة الحدث، والموقف، فقد تغيّر وتبدّل المشهد الاعلامي – تماماً – بفضل التطوّر التكنولوجي، فأصبح صُنّاع الحدث، المواطنون والمواطنات، هم الصحفيون/ات الجُدد، وذلك، بفضل انتشار واتّساع دائرة فعل وتأثير “صحافة المواطن”، فالناس – نساء ورجال، وبخاصةً فئة الشباب – وهم/ن فى قلب الحدث، وصُنّاعه الحقيقيين، تجدهم/ن، يحملون – فى ذات الوقت – معهم/ن صحافتهم/ن وأدوات عملهم/ن فى كل مكان، وزمان، حيث تلعب “صحافة الموبايل”، وهي واحدة من أدوات الصحافة الجديدة، والصحافة البديلة، دورها الكبير، والخطير، فى توثيق الانتهاكات، ونشرها، وكشف الحقيقة، متحدّية ركون الصحافة التقليدية، لأساليب التغطية الصحفية القديمة!.

-5-
نحن الصحفيون المحترفون، المنتمين لمدرسة ((صحافة المقاومة)) أصبحنا – بفضل المعارف الجديدة – أكثر حساسية تجاه “التغطية الصحفية” للـ(أحداث)، والتي كُنّا حتّي وقتٍ قريب، نُشارك فيها من منصّات الصحافة التقليدية، حيث نجتهد فى أن نجعل بيننا وبين صانعي/ات الأحداث “مسافة”، يُسمّيها البعض – رجماً بالغيب – “الحياد المهني”!

-6-
ولكنّنا، سرعان ما نكتشف، أنّ هذا الحياد “المُتوهّم”، غير ممكنٍ، بل، ومُستحيل – بالضرورة – بين المتظاهر/ة السلمي/ة، والشرطي الذي يطلق الغاز المُسيل للدموع، والرصاس المطّاطي، أو الحي، وزميله الذي يضرب المتظاهرين/ات بالعصي وأعقاب البنادق، وثالثهم “القنّاص” الذي يأخذ موقعه – قبل وقتٍ كافٍ من ساعة تحرّك التظاهرة والموكب – فى أعلي البنايات الجانبية، يوجّه بندقيته الآلية، تجاه “الهدف”، الذي يتم اختياره والتركيز عليه، و”اصطياده” بعناية شديدة، فيسقط شهداء، وجرحي، ويطال المئات من الناس الاعتقال والاحتجاز التعسُّفي، بعضهم/ن تذهب بهم/ن الشرطة وشريكتها فى الجريمة الأجهزة الأمنية والمليشيات، إلى مقرّات معلومة، ويبقي آخرون وأُخريات فى خانة “المخفيين/ات”، ولو إلى حين!.

-7-
ولأنّ التعليق على الأحداث ما زال يُشكّل واحد من مجالات علوم الصحافة والسياسة، والاقتصاد، والاجتماع، فى عصر “الصحافة الرقمية”، فإنّ الواجب يُحتّم على الصحافة، وعلى الصحفيين/ات الحقيقيين/ات “المحترفين/ات”، والكثيرين من جوقة المحللين السياسيين، ومنهم من أضاف إلى حزمة ألقابه الكثيرة عبارة “الخبير الاستراتيجي”، من الذين يُكثرون الظهور من على شاشات التلفاز والقنوات الفضائية، الانتقال من مُربّع توصيف ما حدث، أو”تفسيره” – وللأسف، حتّي دون تكبُّد مشاق البحث عن المعلومات – إلى اِعمال التفكير فى السبيل الأمثل، والطريق الأصوب، والدروب الأوضح لـ”تغييره”، وهذا هو المطلوب !.

-8-
الواقع يشرح نفسه، تماماً، وما عاد يحتاج – فى تقدير الكثيرين من أولي العقل والدِربة السياسية – إلى “مُفكّرين جُدد”، بعضهم فشلوا عمليّاً فى تحمُّل مسئولياتهم النضالية فى مؤسساتهم القاعدية، ليصبحوا – بين عشيّةٍ وضُحاها – مُنظّرين و”آيديولوج”، انفتحت شهيّتهم الكلامية – فجأةً – بعد بياتٍ شتويٍّ طويل، ليفكّروا، ويقرروا بالنيابةً عن الشعب، الذى حزم أمره، مُنذ الساعات الأولي للإنقلاب، وأعدّ عُدّته اللازمة، لمنازلة الانقلابيين، وسدنتهم، لإستكمال ثورته، بمواصلة السلمية كاملة الدسم، والعصيان المدني، وصولاً للاضراب السياسيي العام، وفى هذا، فليتنافس المُتنافسون!.

-9-
كلمة أخيرة يجب أن اوجهها لزميلاتي وزملائي الصحفيات والصحفيات، فى كل وسائل ووسائط الميديا، ومن موقع الزمالة الحقّة، والمسئولية المشتركة، تجاه الحقيقة وصحافة المقاومة، وهي : علينا أن نختار ما بين جنّة الشعب، ونار سلطة الانقلاب، حيث لا وسط ، ولا توسُّط، ولا وسيط، بين موقفين، ومعسكرين فى مهنة البحث عن الحقيقة. فهل نُحسن الاختيار، ونجتاز الامتحان التاريخي فى علوم وفنون الصحافة و”صحافة المقاومة”، على وجه التحديد، أم نسقط فى أوّل اختبار عملي، ونبقي فى ذات الجُب المُتصدّع، القديم، مع الغارقين فى “شبر موية” صحافة “درق سيدو”، وصحافة “تغبيش الوعي”، و”طق الحنك” التي – حتماً- لا تُفيد ؟!.

جرس أخير :
“يُمكنك أن تذهب بالفرس/ة للنهر، لكنّك، لا تستطيع اجباره/ا على الشُرب” ((مثل عالمي معروف ))