سَدُّ النَّهضة: بعض الحقائق والتضليل

على إثر الإعلان الإثيوبي الأخير بتشغيل السد وإنتاج الكهرباء منه، وَاصَل حُكَّامُ السُّودان الحاليُّون مسيرة تضليل ( سابقيهم )، وبنحوٍ خاص، ملأوا الدنيا ضجيجاً، بأنَّ إثيوبيا خَرَقَت اتفاق المبادئ المُوقَّع في مارس 2015، خاصَّةً ( المبدأ الخامس )، من الاتفاقِيَّة، وهذا غير صحيح البتَّة، لأن الإثيوبيين التزموا تماماً بجميع تفاصيل الاتفاقية التي وصفناها بالكارثية في حينه.

د. فيصل عوض حسن

 

 بقلم: د. فيصل عوض حسن

 

على إثر الإعلان الإثيوبي الأخير بتشغيل السد وإنتاج الكهرباء منه، وَاصَل حُكَّامُ السُّودان الحاليُّون مسيرة تضليل ( سابقيهم )، وبنحوٍ خاص، ملأوا الدنيا ضجيجاً، بأنَّ إثيوبيا خَرَقَت اتفاق المبادئ المُوقَّع في مارس 2015، خاصَّةً ( المبدأ الخامس )، من الاتفاقِيَّة، وهذا غير صحيح البتَّة، لأن الإثيوبيين التزموا تماماً بجميع تفاصيل الاتفاقية التي وصفناها بالكارثية في حينه.

وللتوضيح إليكم أدناه المبدأ الخامس كما في الاتفاقِيَّة دون تصرُّف ( بي ضُبَّانتو ):

 

5- مبدأ التعاون في الملء الأول وإدارة السد:

 

– تنفيذ توصيات لجنة الخبراء الدولية، و( احترام ) المخرجات النهائية للتقرير الختامي للجنة الثلاثية  للخبراء حول الدراسات الموصى بها في التقرير النهائي للجنة الخبراء الدولية خلال المراحل المختلفة للمشروع.

– تستخدم الدول الثلاث، بروح التعاون، المخرجات النهائية للدراسات المشتركة الموصى بها في تقرير لجنة الخبراء الدولية والمتفق عليها من جانب اللجنة الثلاثية للخبراء، بغرض:

• الاتفاق على الخطوط الإرشادية وقواعد الملء الأول لسد النهضة والتي ستشمل كافة السيناريوهات المختلفة، بالتوازي مع عملية بناء السد.

• الاتفاق على الخطوط الإرشادية وقواعد التشغيل السنوي لسد النهضة، و( التي يجوز لمالك السد ضبطها ) من وقت لآخر.

• إخطار دولتي المصب بأية ظروف غير منظورة أو طارئة تستدعي إعادة الضبط لعملية تشغيل السد.

– لضمان استمرارية التعاون والتنسيق حول تشغيل سد النهضة مع خزانات دولتي المصب، سوف تنشئ الدول الثلاث، من خلال الوزارات المعنية بالمياه، آلية تنسيقية مناسبة فيما بينها.

– الإطار الزمني لتنفيذ العملية المشار إليها أعلاه سوف يستغرق خمسة عشر شهراً منذ بداية إعداد الدراستين الموصى بهما من جانب لجنة الخبراء الدولية.

 بالتأمُّل في تفاصيل هذا المبدأ، سنجده مَنَح إثيوبيا كل الحقوق في ما يتعلَّق بتشغيل وإدارة السد، دون أي ( التزام ) واضح وصريح تجاه السودان، مما يعني ان البشير ورطنا بتوقيع الاتفاقية بحالتها تلك، لكنه لم يخطئ وحده فنحن أيضاً مخطئين لاننا استسهلنا الامر، وظللنا ندافع عن السد دون ان نقرا اتفاقيته او ندرك بنودها، وصدقنا المضللين والمطبلاتية وتضايقنا من النصيحة. المفردات الطاغية على الاتفاقية ضبابية، ولا تمنحنا حقاً ولا تفرض على إثيوبيا التزاماً، مثل ( احترام ) وليس ( التزام )، وشَتَّان ما بين الكلمتين، وهذا ما ظللتُ أكتب فيه منذ سنواتٍ مضت ( قبل وبعد ) توقيع الاتفاقِيَّة.

مُصيبتنا الحقيقية أنَّنا ننسى السُّودان تماماً وهو الذي يخصَّنا، ومُنقسمين ما بين مصر وإثيوبيا ( تأييداً/رفضاً )، رغم أنَّ لديهما شعوباً كفيلون بالدفاع والحديث عنهما، بخلاف أنَّ كلتاهما تحتلَّ السُّودان، وهذه مِعضلة نَبَّهنا إليها كثيراً ولكن للأسف ما نزال في ذات الدَّائرة. المُشكلة الثانية تتمثل في إعلامنا، الذي يتناول الموضوع بسطحية ودون قراءة/فهم ( تفاصيل ) الاتفاقية، أو عاطفياً أو وفقاً للمصالح الشخصيَّة ( المُؤقَّتة )، ويتناسون تماماً أنَّ السودان ( أرضاً وشعب ) هو المُتضرِّر الأكبر من هذا السد، إذ خَلَت الاتفاقية تماماً من أي ( التزام ) بالتعويض عمَّا قد يلحق بنا من أضرار أياً كانت، وخلت أيضاً من أي ( التزام ) بمنحنا كهرباء من أساسه، ناهيك مجانِيَّة أو بأسعار تفضيلية، بل من أي ( التزام ) إثيوبي لصالحنا. حتى النزاعات لا توجد لها آلية ( مُلزمة ) وقاطعة، وتم تحاشي ( التحكيم )، ولا أدري على أي أساس ( هَلَّلَ ) الكثيرون لهذا السد وما يزالون؟!

الحل:

قلناه كثيراً وسنقوله الآن، هو  المُطالبة بإقليم بني شنقول المُقام عليه السد، لأنَّه أرض سودانيَّة خالصة ( آلت إدارته ) لإثيوبيا إبان الاستعمار وفقاً لاتفاقية 1902، وإثيوبيا أكَّدت أكثر من مرة أنها لا تعترف ولا تلتزم بـ( جميع ) الاتفاقيات السَّابقة، يعني الدرب واضح وسالك لاسترداد بني شنقول وحسم السد نهائياً، والاهم من ذلك أن اهلنا ببني شنقول يرغبون في العودة للسودان ومستعدون اليوم قبل الغد، لاي استفتاء بشأن ذلك. لكن الاشكالية في من يحكموننا، الذين يمثلوننا – رضينأ أم أبينا – خارجياً،  لا يرغبون في حسم الامر السيادي كغيره من الامور الخطيرة الأخرى..! 

إثيوبيا لن تتوانى عن ابتزازنا، اذا اكتمل السد، وسيزداد ابتزازها بنحوٍ تطالُ تبعاته جميع السودانيين (  بلا استثناء ) وأولهم الذين يُطبِّلون لها الآن..
ليتنا نفيق ولو مرة في العمر وستخدم المنطق والعقل بدل العواطف والتضليل والهتاف.. ليتنا نعرف العدو من الصليح.. ليتنا نُركِّز على ( السُّودان ) ونترك للشعوب الأخرى مُتابعة مصالحها..

ألا هل بلغت.. اللهم فاشهد، ولا حول ولا قوة إلا بالله..