سلطة الانقلاب حلت النقابات والاتحادات عدة مرات وليس مرة واحدة ..

صدرت عدة تصريحات من النقابيين السابقين، كما نشرت بيانات باسم هيئة وهمية تسمي اللجنة القومية التي كونت لرفض قرار حل النقابات. وأعلنت تلك التصريحات والبيانات رفضها القاطع لقرار الحل، ودفاعها المستميت عن استقلال الحركة النقابية، واستعدادها الفوري للذهاب للمنظمات الدولية لتحميها من تغول السلطة. سأبدأ اليوم مناقشة قضية حل النقابات، وكيف ان سلطة انقلاب يونيو

بقلم: صديق الزيلعي

صدرت عدة تصريحات من النقابيين السابقين، كما نشرت بيانات باسم هيئة وهمية تسمي اللجنة القومية التي كونت لرفض قرار حل النقابات. وأعلنت تلك التصريحات والبيانات رفضها القاطع لقرار الحل، ودفاعها المستميت عن استقلال الحركة النقابية، واستعدادها الفوري للذهاب للمنظمات الدولية لتحميها من تغول السلطة. سأبدأ اليوم مناقشة قضية حل النقابات، وكيف ان سلطة انقلاب يونيو 1989 قد حلت النقابات والاتحادات أكثر من مرة، وتدخلت في أخص شئونها، ولم نسمع من الذين يتباكون اليوم عن الاستقلالية أي كلمة، بل هم الذين هللوا لتلك القرارات، وتم تعيينهم كقادة للنقابات، بينما تم اعتقال وتعذيب القادة المنتخبين من القواعد. وفي المرة القادمة اعرض موقف المنظمات النقابية الدولية من تغول سلطة الانقلاب على الحركة النقابية.

أعلن انقلاب 30 يونيو 1989، في بيانه الأول، وفي الفقرة الثالثة، الغاء قانون النقابات وحل كل النقابات والاتحادات، ومصادرة أموالها ودورها وممتلكاتها. وقام، فور صدور القرار، بحملة اعتقالات واسعة شملت الاف النقابيين. وتم توزيعهم ما بين بيوت الاشباح وسجن كوبر وسجن شالا في دارفور. أما اتحاد العمال، فقد لجأوا لأسلوب الخداع مع قيادته المنتخبة. فقد ذكر لي النقابي جماع، آخر رئيس لاتحاد العمال، ان حسن محمد علي خدعهم. فقد أبلغهم حسن محمد علي، ان السلطة الجديدة لا تستهدفهم، ولكنها تستهدف النقابات التي يسيطر عليها الحزب الشيوعي. بل نظم لهم مقابلة مع البشير، بعد خمسة أيام من الانقلاب ، حضرها محمد عثمان جماع ويوسف أبو شامة وحسن محمد علي. وذكر لهم البشير: " الدواعي التي حدت بهم لحل الحركة النقابية والتي أجملها في ان بعض الاتحادات والتنظيمات النقابية كان لها ارتباطات حزبية صارخة وارتباطات خارجية ضد مصلحة السودان". وقد انطلت الخدعة عليهم.

صدر في 27/9/1989، كنتيجة لتصاعد الحملة العالمية ضد حل النقابات، قرار مجلس قيادة الانقلاب رقم 77 بتعيين لجان تسيير. وكعادة الاسلامويين، فقد تم تعيين أغلب تلك اللجان من العناصر التي سقطت في انتخابات نقاباتها. ونقول للمتباكين الآن، ان تلك التعيينات تمت من السلطة وليس عن طريق انتخابات وجمعيات عمومية.

قررت لجنة تسيير اتحاد مزارعي الجزيرة والمناقل، وتحت ضغط قوي متواصل من جماهير المزارعين، التعرض لقضايا المزارعين. فورا قرر الطيب سيخة وزير شئون الرئاسة، كرد فعل على ذلك، حل اللجنة. وجاء في بيانه الذي صدر في 4/1/1990 ما يلي:" لعل من أسباب التردي الواضح التي استهدفت ازالتها ثورة الإنقاذ الوطني ذلكم الخلط المشين والمخل بأهداف العمل النقابي وامتزاجه بتيار العمل السياسي الامر الذي أدى لاختلاط الأوراق والمفاهيم. وقد استعادت الثورة للعمل النقابي ملامحه وفعاليته. الا انه لوحظ ان هناك بعض الأصوات النشاز التي تسعى للخروج عن الإطار العام للعمل النقابي. ولعل لجنة تسيير اتحاد مزارعي الجزيرة الحالية وباعتمادها لأسلوب تسيس العمل النقابي على غرار ما كان سائدا قبل اندلاع الثورة فضلا عن عدم مواكبتها للمتغيرات الوطنية، إضافة لتسجيلها غيابا تاما تجاه دعم الجبهة الداخلية ومحاصرة الطابور الخامس. عليه فقد تقرر حل لجنة تسيير اتحاد مزارعي الجزيرة والمناقل والنظر في إعادة تكوينها بما يتوافق مع مقتضيات المرحلة الراهنة."

قامت سلطة الانقلاب، في مارس 1990، بتعيين لجنة لمؤتمر الحوار النقابي، ضمت أعضاء اللجنة السياسية للمجلس العسكري الحاكم، بعض الأعضاء المعينين في لجان التسيير، وممثلين لبعض الوزارات والمصالح الحكومية. عين عثمان عبد القادر عضو اللجنة السياسية للانقلاب رئيسا للمؤتمر، وتاج السر عابدون مقررا. وانعقد المؤتمر تحت رعاية عثمان احمد حسن عضو قيادة الانقلاب، كما شارك في جلساته ثلاثة من قادة الانقلاب هم: التجاني آدم الطاهر ومحمد الأمين خليفة وبيو يوكوان. كما ان كل الأوراق والقرارات والتوصيات كانت تعد مبكرا داخل اللجنة السياسية للانقلاب، وتأتي جاهزة للمؤتمر.

ويتواصل مسلسل الحل. فقد قررت سلطة الانقلاب في 23/2/1992، بمناسبة إصدارها قانون النقابات لسنة 1992، حل جميع التنظيمات النقابية وتشكيل لجان تمهيدية جديدة برئاسة تاج السر عابدون وتم الحجز على جميع أموال النقابات والاتحادات، وإلغاء عمليات التفرغ النقابي بمختلف اشكالها.

وإذا قارنا كل القوانين النقابية التي صدرت في بلادنا، بما فيها قانون 1948، الذي صدر أيام الاستعمار، نجد ان اكثرها سوءا هو قانون 1992. وتنطبق عليه تماما، قولة الشفيع أحمد الشيخ الشهيرة " هذا قانون للعقوبات وليس للنقابات".

لم تتوقف سلطة الانقلاب عن التدخل في العمل النقابي. وكانت تتهيب من أي شكل من اشكال العمل النقابي المستقل. ولذلك اخترع الترابي شكلا من اشكال الانتخابات، لأول مرة في تاريخ النقابات في كل العالم. هذا الشكل الجديد اسماه "الاجماع السكوتي". وهو ان يتم اعداد قائمة المرشحين خارج الاجتماع وبمشاركة فعالة من جهاز الامن الذي يفحص الأسماء المرشحة عدة مرات. وعند انعقاد الجمعية العمومية، تقدم الأسماء المرشحة لتفوز بالتزكية، وسمي ذلك بالإجماع السكوتي.

هل بعد هذا العرض المختصر جدا، لتاريخ اسود قهرت فيه النقابات والنقابيين، يملك بقايا النظام السابق الحق في التحدث عن استقلالية العمل النقابي؟ وهل يملك من شارك وأيد وهلل لكل تلك الممارسات، ذرة من الحياء، ليواجه جماهير شعبنا، بحديث كاذب ، الآن ، عن تدخل السلطة في العمل النقابي؟