د. صدقي كبلو: الإقتصاد السوداني: لا حلول مع وجود حكومة المؤتمر الوطني

مع الانهيار الأخير للاقتصاد السوداني، تم طرح العديد من الأسئلة حول الحلول التي يمكن أن تنعش الاقتصاد. التقت شبكة (عاين) بالخبير الاقتصادي د. صدقي كبلو…

صدقي كبلو(ارشيف)

د. صدقي كبلو

مع الانهيار الأخير للاقتصاد السوداني، تم طرح العديد من الأسئلة حول الحلول التي يمكن أن تنعش الاقتصاد. التقت شبكة (عاين) بالخبير الاقتصادي د. صدقي كبلو، حيث يقول انه أصبح من الواضح أن هيكلة وسياسات حكومة المؤتمر الوطني لا تسمح بتطبيق الحلول. يشرح كبلو جذور الأزمة مثل تحول الحركة الإسلامية إلى رأسمالية طفيلية، كما يتناول الحل السياسي للأزمة والحلول التي تتعلق بالعلاقات الإنتاجية ومكافحة الفساد.
رغم استمرار تراكم ديون السودان وفوائده منذ ما بعد استقلال السودان، اضافة للحرب الاهلية المتقطعة في جنوب السودان التي انهكت خزينة الدولة كثيرا، اضافة الى غيرها من الأمراض المزمنة للاقتصاد السوداني، الا ان الفساد المالي كان له – بشهادة خبراء – دورا بارزا ضمن أسباب تراجع الاستقرار الاقتصادي في البلاد.
وأوضح كبلو أن الانهيار الاقتصادي الناتج عن الفساد أدى الى تهتك النسيج الاجتماعي، بسبب مجاراة سُبل العيش اليومي، واشعل الحروب بسبب محاولة كل قوى لأخذ حقه. ويقول كبلو أن”الفساد كأحد آليات الثراء الفادح، التي أدت إلى انهيار الاقتصاد السوداني أصبح فسادا مؤسسيا، ظل ينخر في عظم السودان، الى ان وصل الى مرحلة الإنعاش. وهو فساد يصعب استئصاله

الفساد و غياب التنمية المتوازنة
بدأت مظاهر الفساد في جسد الدولة السودانية مع الخطة الانقاذية المحكمة التي استهدفت مؤسسات وقوانين الخدمة المدنية في جهاز الدولة التي تعد أحد أقوى آليات الرقابة على المال العام والانفاق ومحاربة الفساد، بل وشردت الآليات الاهلية والمدنية الأخرى التي تمثل ضامنا للرقابة الشعبية على المال العام مثل النقابات والصحافة وغيرها. وركزت السياسات الانقاذية على حل الأجهزة القضائية وتعيين تابعين للجبهة الاسلامية القومية مكانهم، الامر الذي أهدر استقلالية ونزاهة القضاء وانه بالتالي اي در محتمل له في الولاية على المال العام ومحاسبة المفسدين.
واسترجع كبلو ميزانيات الأعوام السابقة حيث ربط مخرجات الميزانية بالتركيز على مناطق الانتاج لدفع رواتب العاملين في هيكل الدولة، دون الاهتمام بتنمية المواطن واستدرك قائلاً “كان هذا في السابق أما في الانقاذ فقد تحول الأمر بشكله العام بغياب التنمية المتوازنة في السودان بسبب الفساد” ـ مستشهداً في ذلك بتاهيل مستشفي ابوزبد قائلاً هنالك منظمة غربية تكفلت باعادة تأهيل مستشفى ابوزبد بكردفان – فجاة تحول المنحة من ابوزبد الى منطقة بالولاية الشمالية ولما المنظمة عرفت قالو ليها وجدنا الحوجة اكبر“.
يشير كلبو الى استشراء الفساد بالقول “اذا سألت اي واحد قلت ليهو ’بنيت البيت ده كيف؟’ بتلقي انو المسألة فيها إن وكيف. وإذا نظرت من ناحية تانية اوجدو فقه التحلل، وهو التسوية باعادة المال والمحاكمة باقل عقوبة من العقوبة المعنية. الفساد سببه الأساسي في دولة شمولية هو غياب الشفافية العلنية البلدان الأخرى بها فساد لمن بتكشف بحرية الصحافة والمراجعة الرقيب العام على مكان معين مثلاً الكهرباء بها أحد مسئولي على الرقابة عليها ولكن هذا لايوجد“.
ويصف د صدقي كبلو لـ(عاين) ان من أطلق عليهم (القطط السِمان) هم أطراف في صراعات مراكز القوى داخل النظام وهي عبارة عن اعتقالات ضد عدد من الأفراد المقربين من النظام، “وهو ما ظهر من رأس جبل الجليد“، مضيفا أن السبب في ذلك يعود إلى تعمد الحكومة عدم الاهتمام بالنظر إلى الفساد في رأس الدولة. “المراجع العام يهتم بانو الافندي شال شنو ولكنه لايهتم بالفساد القائم على التمكين” وزاد انهم “اي الإخوان المسلمين“ استلموا مفاصل الدولة في المنافسة على الوظائف عبر التمكين الذي توجد به امبراطوريات، وأي مؤسسة لها امبراطورية داخلية “مثلاً شركة الأقطان دي مؤسسة وجد انه مديرها له شركات اخرى تعمل مع شركة الأقطان وهذا معيبة“.

إعلان إفلاس الدولة من داخل البرلمان السوداني
برز اتجاه غير مسبوق لدى عدد من قادة الحكومة باعلان افلاس الدولة. الاعلان نفسه فيه جانب كبير من الحقيقة تحت وطأة الأزمة الاقتصادية الحادة حاليا، اضافة الى كونه تعبير عن الصراعات الداخلية بين مراكز القوى داخل النظام في ذات الوقت.
وسط احتدام غير مسبوق للازمة الاقتصادية التي تجتاح السودان حاليا وبروز إشارات ودلائل عديدة لتفاقم الصراع الداخلي بين مراكز القوى في الحكومة والحزب الحاكم، تكرر تعمد كبار المسئولين الحكوميين اعلان جوانب من افلاس الدولة وعجزها عن الايفاء بأقل التزاماتها ليس فقط تجاه المواطنين بل تجاه موظفي جهاز الدولة نفسه. وقبل أن تغب عن الأذهان حادثة إعلان وزير الخارجية، ابراهيم غندور، عجز الحكومة عن دفع رواتب الدبلوماسيين وايجار السفارات في الخارج والتي أدت للاطاحة بغندور من منصبه. بادر وزير الدولة بوزارة النفط سعد البشري للقول أمام البرلمان بأن أزمة شح المحروقات لن تحل ما لم توفر الدولة التمويل اللازم. ولم يقف أمر التصريحات التي اتسمت بالطابع الفضائحي عند الوزراء بل ان رئيس الوزراء والنائب الاول لرئيس الجمهورية أكد أمام ذات البرلمان ان الحكومة لم تستطع توفر مبلغ 100 مليون دولار مع تزايد التضخم الذي بلغ 56%.

ركود مفاوضات دارفور في ظل فشل اتفاقية الدوحة
فشل المشاورات الاخيرة التي جرت في العاصمة الالمانية برلين ابريل الماضي، بين حركتي العدل والمساواة وتحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، والوفد الحكومي المفاوض فتحت الباب أمام أسئلة عديدة بشأن مدى جدوى وصلاحية اتفاق الدوحة الموقع منذ ما يقارب عقدا من الزمان. تكمن أهداف اتفاق الدوحة في ايجاد الحلول الانية لتطورات الأزمة في دارفور واقناع كافة الأطراف بإبرام الصفقة السياسية التي يلهث خلفها مبعوثو المجتمع الدولي.
وفيما تتمسك الحكومة باتفاق الدوحة الذي وقع في العام 2011 كمرجعية لامناص عنها للتفاوض، تري حركتي التمرد انه لابد من ايجاد آليات جديدة خارج ذلك الاطار. ويرى مراقبون أن اتفاق الدوحة تحول لعقبة كؤود أمام التوصل لاتفاق بدلا عن كونه آلية مرنة يمكن أن تجمع عليها الاطراف المتحاربة لتحقيق السلام في الإقليم المنكوب منذ 15 عاما.

صلاحية وثيقة الدوحة
وفي 14 يوليو 2011 وقعت حكومة السودان وحركة التحرير والعدالة بقيادة التجاني السيسي علي وثيقة الدوحة جراء وساطة قطرية ودولية وبعد مشاورة ما سمي بـ”مؤتمر أصحاب المصلحة في دارفور”. وانشأ بموجب الاتفاق السلطة الإقليمية لدارفور ونصب التجاني السيسي رئيسا لها.
لكن مراقبون كثر يرون انها لم تحقق الأهداف والتوصيات الاساسية لاتفاق الدوحة الذي نص على إحلال السلام ووقف الحرب والالتزام بوقف إطلاق النار الدائم. كذلك من أهداف الاتفاقية اعادة توزيع الثروة والموارد القومية في الإقليم، تقاسم السلطة والوضع الإداري لدارفور، كفالة الحريات الاساسية وحقوق الانسان، اضافة لإجراءات العدالة والمصالحة والالتزام بالتعويضات وتمهيد الأوضاع لعودة النازحين واللاجئين .
وصاحبت فضائح فساد متعددة العمل في صندوق اعمار دارفور الممول من قطر بين الاجنحة الكثيرة التي وقعت على اتفاق الدوحة في أوقات مختلفة لاحقا، ما أدي لضعف كبير في إنجاز خطط الإعمار والتنمية التي التزمت بها الحكومة القطرية وعدد من المانحين الدوليين ووكالات الأمم المتحدة وعدد من الدول. وشهد فندق السلام روتانا بالخرطوم في العام 2015 عراكا بالايدي بين جناحي حركة التحرير والعدالة واحدهم بقيادة التيجاني السيسي رئيس السلطة الانتقالية والآخر بقيادة بحر إدريس أبوقردة وزير الصحة الاتحادي. وتبادل الطرفين اتهامات واسعة بالفساد والمحسوبية وتبديد بل وسرقة أموال صندوق اعمار دارفور، ورغم تشكيل لجنة تحقيق من قبل رئاسة الجمهورية وقتها إلا أنه لم يقدم أحد تلك القيادات للمحاسبة حتى تاريخ اليوم.
بموجب نصوص اتفاق الدوحة نفسه فإن آخر فصول تنفيذ ذلك الاتفاق تنتهي بإجراء الاستفتاء علي الوضع الإداري للإقليم والذي تم في أبريل من العام 2016. وقد التزمت كافة الاطراف حينها (الحكومة والحركات الموقعة) بإجراء الاستفتاء الذي أفضت نتائجه إلى تقسيم الإقليم لخمسة ولايات وحل السلطة الاقليمية لدارفور، الأمر الذي يعني للكثيرين انتهاء أمد وصلاحية الاتفاق نفسه حسب ما ورد في نصوصه.
ورغم ذلك تتمسك الحكومة باتفاق الدوحة كمرجعية دون سند قانوني من نصوص الاتفاق نفسه الامر الذي يجعل محاولة تمديده أمرا صعب القبول من قبل الحركات المسلحة التي تراه عديم الجدوى ومنتهي الصلاحية.

info=[email protected]
//////////////