د. الوليد آدم مادبو: الشعور القومي الجريح (2/2) ..

“حينما تصير البلاد سجناً تصبح زنزانتها أحلامنا المرهقة بالقتامة”
(كلثوم فضل الله، رواية الصدي الأخر للأماكن، ص:164) …

د. الوليد آدم مادبو(ارشيف)

بقلم: د. الوليد آدم مادبو

 

"حينما تصير البلاد سجناً تصبح زنزانتها أحلامنا المرهقة بالقتامة"

(كلثوم فضل الله، رواية الصدي الأخر للأماكن، ص:164)

 

إن تعثر التنمية في بلادنا العربية والأفريقية وفي السودان خاصة لا يعزي فقط إلي غياب سياسة تنموية، إنما أيضاً في اتكاء هذه السياسات التنموية علي أطر مفاهيمية خاطئة وفلسفة أخلاقية بائسة، تكاد تكون هي الحالقة والماحقة لمفهوم القومية، إذ لم نقل الإنسانونية. بمعني أن الأشكال هو إشكال أخلاقي قبل أن يكون إشكالي فكري، وهذا ما ظللت أكرره ويكرره زملائي الكتاب الذين يوقنون أن الإنسان ليس مجرد وسيلة لتحقيق غايه يعلمها أحد "العباقرة" سلفاً، إنما قناعة "هؤلاء العباقرة" أن مجرد الاتصال بالجمهور هو كفيل بإلهامنا العبقرية اللازمة لتطوير المجتمعات، صون كرامتها، والحرص علي تحقيق السؤدد، الرفاة والازدهار لها ولغيرها من الأجيال القادمة.

إن التعرض للإشكالات المفاهيمية والتطبيقية التي تعتور عملية الإعداد للسياسات سيسهل لنا فرصة التثبت من هذه المبادئ ويوفر لنا إمكانية التحقيق من هذه الإجراءات التي لم تكن يوماً مجرد قناعات إنما حيثيات تعرفت عليها البشرية من خلال مسيرتها الطويلة والمضنية والتي افضت إلي الاتي: علمية المجتمع، تكاملية أدواره، التمفصل الوظيفي لهذه الاداء، الدينامية المؤسسية، الأبستمولوجيا، توفر شرط الحرية، الدستور.
(
تم تناول هذه العوامل بالتفصيل في الجزء الاول من المقال، وقد أدرجت المقدمة فقط لتسهيل المتابعة).

الثنائية المخلة: التعليم والفقر في دولة ما بعد الاستعمار
اذا كان التعليم يمثل حجر الزاوية في مشروع البناء الوطني فهنالك إشكالات جَمَّة تواجه القائمين علي الامر والمعنيين بشأن التربية والتكوين، فهناك ثنائية وإذا شئت تلازميه أخلت بإمكانية هذه الدول للنهوض بمجتمعاتها نهوضاً يقوم علي أسس عدلية وتوافقية، ألاَّ وهي ثنائية الفقر والتعليم.

إن الهدف من أي نظام تعليمي هو خلق بيئة تحرض الناس على التفكير النقدي. يغطي التفكير النقدي مدى واسعاً يبدأ من خانة الخبير الذي يتوخى الوصول الي الحقيقة العلمية، بيد أن الحقائق قد تغمره فلا يستطيع التميز أو الوصول إلي ما هو أصوب بيسر، إلى خانة العَرَافة أو الكهانة التي يميل فيه أدعياء المعرفة إلى تلفيق الحقائق معتمدين كآفة سبل الغواية. يحاول الأول دراسة الاحتمالات بينما يسعى الثاني لاستكشاف الامكانيات. في مكان ما في الوسط، علينا أن نحقق التوازن، حتى لا نسمح لأنفسنا بالانخداع بالذين يتنكرون في إهاب الخبراء. ولا أن نسمح لعقولنا بأن يتم تجاوزها من خلال التحيزات العاطفية. ففي الوقت الذي يبدو فيه أن الغرب قد أعطى وزناً أكثر من اللازم لفضاء الاختيار العقلاني، يبدو أن الشرق قد اقتصر على عالم الخيال. أعلم أن في هذا شيء من المبالغة، أو في أحسن الفروض هي فقط صورة تقريبية للواقع. إن استخدام ذكائنا (في هذه الحالة حكمتنا) في تقرير مصيرنا في الحياة يحتاج إلى أكثر من مجرد المعادلة بين الفكر والعاطفة، إنه أمر يحتاج إلى الحرية. كي نفكر يجب أن نكون أحراراً، كي نفكر نقديا لابد أن نكون مقتدرين روحياً.

لا تقتصر نتائج تشكيل المجتمع على نحو تراتبي على استضعاف لمواطنين وحرمانهم من حقوقهم، ولكنها تمتد أيضاً الى حالات انفصام في دورة صنع السياسات في سياق استلاب القيم، بدلاً عن توليفها. بل يؤدي المجتمع التراتبي الى جعل طابع السياسة شقاقياً بدلاً عن طابعها المتجه نحو التصالح والمساومة، ويتجاهل دور العلم في توسعة حدود المعرفة وذلك بالتشديد على أهمية القواعد والقيود التي تجسد التفوق الثقافي والفكري لمجموعة واحدة. ومن المفارقات أن النخبة الوطنية في بلادنا اشترت هذه المغالطة بحماس شديد.

في تجربتنا الوطنية، قبل أن نتمكن من التعامل مع تحديات العصر الكولونيالي، وجدنا أنفسنا نواجه تحديات وأسئلة ما بعد الحداثة، ومؤخراً الإمبريالية. ما نوع الفلسفة التربوية التي يجب تبنيها لإطلاق العنان لإمكانيات العقل البشري اللامحدودة، وجعل روح هذا العقل جديرة بأن تخدم أهداف الاقتصاد الأخلاقي الدولي؟ كيف يمكننا أن نتجاوز الرؤية الأبوية المتعلقة بالتغيير إلى النهج التشاركي المتعلق بإنجاز التحول؟ ففي الرؤية الأبوية نحن مجرد وكلاء، ولكن في المنهج التشاركي نحن فاعلين تربويين.

وعلى الرغم من أنه لا يوجد في نصوص أهداف التنمية المستدامة (SDGs) ما يفسر كيف ترتبط الأهداف والغايات الجديدة للتعليم، وتحديداً الهدف الرابع الخاص بالتعليم ذي الجودة، ببقية أهداف التنمية المستدامة الأخرى والتي لمعظمها أبعاد تعليمية، أو يفسر لماذا يكون المبدأ المتعلق بأولوية وشمولية الوصول الى التعليم (reaching the furthest behind first) أكثر معقولية في البيئات التي تشهد انهياراً منهجياً للخدمات، من حاله في هامش أنظمة التعليم ذات الأساس المنيع، إلا أن استراتيجية بناء مواطنة مستنيرة لها قدرات على العمل الجماعي هي أساس التنمية المستدامة.

لقد موضعت أهداف التنمية المستدامة التعليم كجزء من تعريف التنمية أكثر من كونه وسيلة لتحقيقها، ولكنها فشلت في دفع النقاش حول نوع التعليم المطلوب تقييمه وتحديد الغرض وراء ذلك النوع من التعليم. ويؤكد كيث لوين أن "هناك فرصة ضاعت، وقد كانت فرصة للتركيز أكثر على ما يحول العقول والأيدي والقلوب ويقدم نظرة ثاقبة حول ما يمكن أن يكون عليه التعليم المُصَمَّم لتعزيز التنمية المراعية للمناخ والمكترثة لا المدمرة له، واحترام حقوق الإنسان، والمزايا الاقتصادية".

إن توصيف النمو باعتباره حلاً هو تعريف التخلف على أنه غياب التنمية. يؤكد مانينغ ماربل ، "التخلف ليس غياب التنمية ، بل هو نتيجة حتمية لدمج السكان المقهورين في اقتصاد السوق والنظام السياسي العالمي". وعلى الرغم من الاختلافات الفنية الطفيفة، اعتمدت برامج التنمية للحد من الفقر على النموذج القديم للنمو الصناعي ذي الأهداف المكرسة للنمو، وعلى وجه التحديد النمو الموجه نحو التصدير. هذا السعي القسري للنمو الصناعي الذي لا نهاية له يطحن الحياة في كوكبنا، وينتج الفقر بمعدلات سريعة، ويهدد أساس وجودنا. ولمواجهة صريحة مع لاعقلانية النمو اللامتناهي، نحتاج الإشارة إلى أن النمو الرأسمالي – كما يقاس بالناتج المحلي الإجمالي – ليس هو الحل لأزمات الفقر و البيئة، بل هو السبب الأساسي لها. نحن في الحقيقة بحاجة إلى معيار جديد يقيس التقدم الإنساني، معيار لا يسوقنا الى المزيد من الاستحلاب والاستهلاك من قبل نخبة العالم، بل إلى مزيد من الإنصاف والمساواة، والرفاهية، والمشاركة، لمصلحة الغالبية العظمى من الناس.

ختاماً، إن الجهود الصادقة التي يبذلها الكثيرون، الشباب خاصة، تمثل فرصة مناسبة للمفكرين السودانيين و العلماء، وكذلك أصدقائهم من جميع أنحاء العالم، لتشكيل تحالف من القوى التقدمية كافة، يستطيعون من خلاله فهم المجتمع وإعادة تفسير تشكّله أن يراجع السياسات التي أثرت على بعض المجموعات السودانية تأثيراً أكثر حدة من غيرها، وأن يطور حلولاً عملية لمواجهة معضلة هؤلاء السكان المحرومين من التنمية والامتيازات، وفي إمكان المشاركين في هذا التحالف صياغة مطالب إصلاحية انتقالية لا تهدف إلى تغيير المجتمع وإنما إلى تحويله بإبداع وتفعيل إطار منطقي أو نظام عقلاني وإنساني. فقط من خلال التعليم المناسب والعمليات السياسية يمكن للأمم أن تتعافى وتتوحد طوعاً في اتحاد يحفظ كرامتها ويقدم لها الخدمات الضرورية، بل وينشد تحقيق مجتمع الرفاهية.

حالة الاتحاد والتخاذل الوطني المسنود
بدا أن الأحجية السودانية قد اكتملت ولا ينقصها إلا ذلك الاستقصاء الذي لازمها منذ اليوم الأول، بالافتقار إلي رؤية أخلاقية قادرة على بلورة وعي وطني وجازمة علي إنجاز فعل قومي معتمدة علي توفر الحد الأدنى من الاتفاق في الشأن البرامجي وحد أقصي من التوافق في الجانب الرؤيوي والاستشرافي. فعلى الساحة السياسية، انطلقت أقلام عديدة تحرض على خوض المعترك الانتخابي، في الوقت الذي من المفترض أن تعمل فيه هذه النخب على شحذ همة الشعب السوداني وحثه على التمسك بثوابته الوطنية وتمتين ارتباطه بإرثه النضالي المجيد، وتطوير سبل مقاومته حتى يتمكن من إفراز قيادات واعية تُفَعِّل من قدرته التنظيمية وَتُنْهى احتكار "جيل البطولات" للشأن الوطني السوداني.

إن الانخراط الفعلي للقيادات الشابة في القطر كآفة واعتمادها "التشبيك" وسيلة لتطوير نهج قومي في التفكير في قضايا الوطن المختلفة، المتشعبة، والمتشابكة، منطلقة من الإحساس بوحدة المصير المشترك، غير متوجسة من الهامش، أول محاولة استغلال لنضالات شعبية، أو ناشدة الحفاظ على مكاسب فئوية. فالكفاح المشترك تفترضه ضرورات النضج الأخلاقي والإنساني وتشترطه مطلوبات التنمية المستدامة، التي تهدف إلى رسم أهداف لا تمليها سياسة الأمر الواقع أو العجز عن تقديم قراءة وافية كافية عن تبعات الثورة ومالات السيناريوهات غير المتفق عليها. غير مطلوب من المثقف العضوي أن يكون عرَّافاً، بل المطلوب منه أن يكون واثقاً وعارفاً، واثقاً بأن النصر حليف المستضعفين، وعارفاً بأن المبادئ لا تتجزأ وأن الكرامة دونها القتاد.

إن الكفاح غير المسلح ضد أفراد العصابة يعتبر من الأساليب الفعالة سياسيا ولعل هذا ما يفسر خوف العصابة العنصرية من هذا النوع من الحراك، فتراها تسعى إلى قمعه أو تعتمد أحياناً تحويله إلى مواجهات عنيفة (كما تفعل الآن بمحاولتها تفكيك معسكر كلمة قسريا). إن للكفاح غير المسلح قدرة على تغيير السردية السائدة التي تتعلق بالنزاع المسلح بين المركز والهامش، والتي تُحَوِّل النزاع من نزاع حول الثروة والسطلة إلى نزاع يخوضه شعوب الهامش ضد النخب المركزية التي لم تسع فقط إلي الاستحواذ على الموارد، إنما أدمنت أيضاً محاولات طمس الهوية الجغرافية والتاريخية. فهذا الشكل من الكفاح عَصِي على الشيطنة بخلاف جسارة الحركات الثورية أو عمليتها العسكرية التي أثبتت عدم جدواها بالإضافة إلى إشكالاتها السياسية الذي تستغله النخب المركزية لتقلب المعادلة الأخلاقية كأن يصبح المعتدى معتدا عليه.

وصلت إحدى الرسائل التي أرادها خليل من عملية "الذراع الطويل"، وهي إن بُعد البقعة وقادتها السياسيين التقليديين منهم والحداثيين، لن يمنع الحركات الثورية من الوصول إلى عمق المركز الذي تحاك منه كل المؤامرات ضد الهامش. ولذا فالعملية لم تكن عبثية لكنها كانت بهدف إنجاز رمزية معينة. هي ذات الرمزية التي نجحت فيما أخفقت فيه العمليات العسكرية المتعاقبة واللاحقة. في الوقت الذي تعمل فيه نخب الوسط — بوعي وبدون وعي — على قطع السبيل المعنوي والمادي للثوار من خلال البوح علنا بمخاوفهم وهواجسهم من تغلغل "الغرابة" والتذكير دوما بخطورة قبول "الأخرين" ككائنات قابلة للمساكنة، يجب أن نعتمد فكرة "التشبيك الاجتماعي" في محاولتنا لصد هذه الدعوات المنهزمة من التغلغل في مساحات من الوعي غير مأهوله بروح التسامي، إنّما التعالي الذي أعاق حتي الأن إمكانية تشييد منصة تكون بمثابة حاضنة لكل التيارات التي نفرت من محاولة التدجين أو التجيير كافة.

فمن تباين المصالح بين قادات الحركات التي أفشلت أي محاولة للتنسيق، إلى استمرار النظام التبشير باتفاقيات فاقدة الصلاحية، ودق إسفين بين أبناء الإقليم بحجة أن العرب (عرب دارفور) لن يجدوا أرضا تقلهم بعد انهيار النظام وأن الزرقة سيسعون لإبادتهم، وما إلى ذلك من دعاءات يبقها قادة الاستيطان، نجد أن شعوب الهامش (النوبة، النوبيين، دارفور، الشرق، النيل الأزرق جنوب كردفان، الي أخره) ظلت أكثر وعيا بدقائق المرحلة الراهنة وأكثر إدراكاً لحجم المؤامرة على قضيته وثوابتها الأساسية: الحق السيادي في الأرض، النازحون، والبقعة. لقد فرضت المسيرات العديدة في المعسكرات جاهزية الشعب الدارفوري، وتعدد أساليبه الاحتجاجية السلمية ضد آلة القمع الإنقاذي والحصار واستحالة الاستيطان المجاني، ورغم أن هيئات سياسية ومدنية كثيرة تقف خلفه، وعلى رأسها حركة عبدالواحد، إلا إن اجتراح الدارفوريين وغيرهم من السودانيين أساليب مبتكرة للصمود، يؤكد على استعدادهم للمواجهة طويلة المدى مع الفصائل الاستيطانية رغم كل التعقيدات المحلية الدارفورية والإقليمية والدولية.

لم تفلح المسيرات السلمية في معسكرات النزوح — رغم الدموية التي اعتمدها النظام في محاولته لقمعها — في إحداث شرخ داخل مجتمعات الوسط، هذا مما يؤكد فاعلية الإعلام السياسي للمركز ودعايته المغرضة، وقابلية هذه المجموعات للاستقطاب العرقي والجهوي. وهذا أمر يجب معالجته، بالتركيز علي الخطاب الوطني الجادي والمخلص وتوعية الجميع بأن "إهدار كرامة مواطن سوداني واحد في اي البقاع كانت هو إهدار لكرامة جميع المواطنين في كل الأزمان."

الغريب في الأمر أن إعلام الحكومة (غير الرسمي) يسعى لشيطنة ذات الجهات التي تساعده في قمع الحركات المسلحة، بل إن المعارضة تتهمها بإطالة عمر النظام، علماً بأنها قدمت إلى الخرطوم بعد حوادث سبتمبر. من كان يدعم النظام طيلة الفترة الماضية؟ بل هل الدعم العسكري وحدة فقط كافي لتوطين أركان أي حكم؟ إلا يستلزم وجود ركائز ثقافية ودينية وسياسية واقتصادية واجتماعية؟ إذا كانت المهمة الوطنية تقتصر على إيقاف الزحف من الهامش وصد قوى الريف من التغلغل في العمق النيلي، كيف لم يُعْلَن عن هؤلاء الصبيان أبطال قوميين؟ كيف تبدي القوات النظامية امتعاضا من ذات الجهة التي تقوم بالمهمة أصالة عنها، فيما تتفرغ هي لنيل الاستحقاق المعاشي وتستحوذ سبل الترقي المهني غير محترسة من خطر قد يداهمها وغير أبهة باختلال المعايير والنظم؟

ختاماً، إن أخوف ما تخافه هذه النخب تبدل قواعد اللعبة نتيجة حراك (سياسي أو عسكري) متوقع قد لا يخضع لآلياتها المعتمدة تاريخيا (أكتوبر وأبريل) أو المتقبلة تقليديا. وهي لا تملك بعد أن تفرض إرادتها بحق بالأقدمية علي الجماهير نتيجة للتغيير الديمغرافي المريع، وتبدل الولاءات لدى الشباب الذين يمثلون 70% من جماهير الشعب السوداني. لا ننسي انعتاق المواطنين من الخرافة ومن الأوهام الأيدولوجية كافة، وانتقال المشاريع الفكرية الحقة إلى الهامش لأنه جعل من التنمية والعدالة الاجتماعية مرتكزا لمشروعه الفكري والاخلاقي. فالمركز إذن لم يفقد فقط المبادرة الوطنية، إنما فقد أيضا البراعة الفكرية. وهي، اي النخب المركزية، إذ تستعيض عن الفكرة بتنميق الكلم، فهي إنما تخاطب هواجساً في باطنها، وحرصاً على مستقبلها، دفعها دفعاً للإفصاح عن أفكارها هذه المرة وقد دأبت على اللحن بها حيناً من الدهر. هم يريدون أن يقنعوا "صاحب الشأن" بأنه ليس من المصلحة فضح التواطؤ الذي حمله إلى السلطة وسيحمل اخرين رغم بؤس إمكانياتهم، بمعني أن كل مجموعة من السياسيين تريد أن لا يخرج المعترك عن دائرة نفوذها، وكلهم يريدون للمعركة أن تظل في أطار يسمح لهم بالتنبؤ بالمخرجات. هذا بالنسبة للأخلاقيين منهم، أما العنصريين فيفضلون التبول على الميراث الوطني السوداني على أن يروا مستضعفا حاكما للسودان. إذن فالإشكال إشكال نفسي في أحسن الأحوال وأخلاقي في أسوائها وليس فكري كي يُفَنَّد بالتعرض لجوانبه الإجرائية والقانونية.