دبلوماسي متقاعد:نجاح الرباعية رهين بتوافق داخلي ورقابة دولية


أديس أبابا – 18 سبتمبر 2025م – راديو دبنقا
تقرير: سليمان سري

أكد مسعد بولس، كبير مستشاري الرئيس الأميركي لشؤون أفريقيا، أن الآلية الرباعية المعنية بالسودان، والتي تضم الولايات المتحدة والسعودية والإمارات ومصر، تُعد منصة داعمة للمبادرات الأخرى وليست بديلاً عنها، مشددًا على أن الاتحاد الأفريقي لا يزال طرفًا أساسيًا في جهود حل الأزمة السودانية. وأوضح بولس، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي محمود علي يوسف في أديس أبابا أمس الأربعاء، أن الرباعية أعلنت عن خارطة طريق إصلاحية تضمنت جداول زمنية واضحة، مؤكدًا أن القرار النهائي يجب أن ينبع من إرادة السودانيين أنفسهم.

وشهدت العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، الأربعاء، جولة مباحثات مهمة بين رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي محمود علي يوسف ومستشار الرئيس الأميركي للشؤون الأفريقية مسعد بولس، حيث طرح الطرفان كل القضايا والنزاعات الإقليمية في دول القارة الأفريقية على طاولة المباحثات الثنائية.

وتصدرت الأزمة السودانية جدول المباحثات الأميركية – الأفريقية، وأكد الجانبان أن السودان يمثل أولوية قصوى في الجهود الإقليمية والدولية، حيث شدد الاتحاد الأفريقي على مواصلة مساعيه لوقف إطلاق النار وتهيئة الطريق لحوار يقوده السودانيون نحو انتخابات تعيد الحكم المدني الديمقراطي.

وشدد الاتحاد الأفريقي على أن “الأولوية تبقى للاستجابات الأفريقية للأزمات”، مؤكدًا أنه لا حل دون إشراك الاتحاد الأفريقي، فيما اعتبرت واشنطن أن الآلية الرباعية مكملة لدور الاتحاد الأفريقي وليست بديلًا عنه.

وأشار المستشار الأميركي إلى أن الأزمة الإنسانية في السودان باتت الأكبر عالميًا، مضيفًا: “الأزمة الإنسانية في السودان تُعد الأكبر عالميًا، إذ يموت عشرات الآلاف، بمن فيهم الأطفال، جراء الجوع، وهذا البعد الإنساني وحده يحتم علينا، سواء في إطار الرباعية أو عبر الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي ودول الجوار، تكثيف الجهود لإيجاد حل عاجل.”

أميركا تلقي بثقلها

أكد الدبلوماسي المتقاعد السفير د. الصادق المقلي أن الولايات المتحدة ألقت بثقلها في ملف الأزمة السودانية منذ الاجتماع الأول المؤجل للرباعية، التي تضم بجانبها مصر والسعودية والإمارات.

وقال في حديثه لـ”راديو دبنقا” إن اللقاء الذي جمع مستشار الرئيس الأميركي لشؤون أفريقيا والشرق الأوسط مسعد بولس برئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان في سويسرا شكّل بداية تفاهمات بين واشنطن والدول الثلاث الأخرى الأعضاء في الرباعية.

وأوضح المقلي أن الجديد في الأمر يتمثل في نجاح الولايات المتحدة في خلق قدر من التناغم بين مواقف الدول، خصوصًا مصر والإمارات، مشيرًا إلى تحليلات تربط هاتين الدولتين بإفشال الاجتماع الدولي في لندن وتأجيل اجتماع الرباعية الأول.

واعتبر أن توحيد مواقف هذه الدول وصياغة بيان موحّد وخارطة طريق يمثل نجاحًا للدبلوماسية الأميركية، لا سيما أنها استطاعت ضم أكثر دولتين مؤثرتين في النزاع إلى جانب السعودية، التي ظلت تحافظ على الحياد وهي الشريك في منبر جدة مع واشنطن وكذلك في محادثات جنيف.

وأضاف أن زيارة بولس إلى أفريقيا تهدف إلى توسيع رقعة الرباعية، مشيرًا إلى لقائه في أديس أبابا مع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي محمود علي يوسف، ورئيس الهيئة الحكومية لتنمية دول وسط وشرق أفريقيا (إيقاد) د. ورقنة جيبيه. وتوقع أن تشمل تحركات بولس كينيا والاتحاد الأوروبي والنرويج، بما يعزز الجهود الدولية والإقليمية في مسار الرباعية.

الحل بيد السودانيين

وأشار السفير المقلي إلى أن بولس أكد بوضوح أن الحل بيد السودانيين، على أن يلعب المجتمع الدولي دور المسهّل والميسّر، مبينًا أن هذه الرسالة تعكس غياب الإملاءات الخارجية المباشرة، وتركز على حشد الإجماع الدولي والإقليمي لوقف الحرب ومعالجة الكارثة الإنسانية، وتهيئة الظروف لعودة النازحين واللاجئين.

ورهن نجاح المرحلة الانتقالية المقبلة بتوافق وطني شامل بين القوى السياسية المختلفة، بما يفضي إلى تشكيل حكومة مستقلة ذات قاعدة عريضة تتولى استكمال بناء مؤسسات الدولة وصولًا إلى الانتخابات في نهاية الفترة الانتقالية.

وأوضح أن الهدف الرئيسي للرباعية يتمثل في وقف الحرب وإسكات البنادق وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، إلى جانب استعادة المسار الدستوري الذي انقطع منذ انقلاب أكتوبر 2021، منوهًا إلى أن الاتحاد الأفريقي أعلن صراحة ضرورة معالجة حالة الفراغ الدستوري في السودان.

خارطة السيادي مرفوضة

وفي ما يتعلق بخارطة الطريق الحكومية التي دفع بها مجلس السيادة عبر بعثته الدائمة في نيويورك، اعتبر المقلي أنها مرفوضة لكونها صيغت بصورة أحادية من الكتلة الديمقراطية دون تشاور مع بقية القوى السياسية الأخرى، مضيفًا: “بالتالي لا تحظى بإجماع داخلي أو قبول دولي.”

وانتقد الدبلوماسي المتقاعد أداء رئيس الوزراء د. كامل إدريس، قائلاً إنه استعجل تشكيل حكومة انتقالية دون تحقيق التشاور المطلوب داخليًا أو تلبية متطلبات المجتمع الدولي، الأمر الذي جعل الاتحاد الأفريقي يرفض الاعتراف بها ويعلّق مشاركة السودان في أنشطته.

وقال المقلي إن المجتمع الدولي يتعامل مع الحكومة الحالية في بورتسودان كحكومة “أمر واقع” دون اعتراف قانوني كامل، مشيرًا إلى أن ضعف الاستقبال الرسمي لإدريس خلال زيارته للسعودية يعكس حالة عدم الاعتراف بالحكومة.

وأضاف: “كيف لرئيس وزراء أن يُستقبل من قِبل نائب أمير منطقة، أي حتى ليس من قِبل أمير؟ هذا يعني عدم اعتراف. ولا أعلم ما صاحب زيارة إدريس من ملابسات، إن كان نتيجة خلل بروتوكولي من الحكومة السعودية أو السودانية، لكن هذا الخطأ تتحمل مسؤوليته الخارجية السودانية.”

الرباعية تعاني بعض النواقص

وأعاب السفير المقلي على خارطة الطريق التي طرحتها الرباعية بأنها تعاني بعض النواقص، وقال إنها لم تحدد بوضوح موعد بدء تنفيذ الهدنة، سواء لثلاثة أشهر أو تسعة أشهر، لإنهاء الصراع وبداية المرحلة الانتقالية.

وتابع: “كما أنها لم تضع آلية رقابة دولية أو إقليمية لمتابعة الهدنة الإنسانية ووقف إطلاق النار، مما يهدد نجاحها.” لكنه وصفها في الوقت ذاته بالخطوة الإيجابية التي كسرت الجمود وأعادت قضية السودان إلى دائرة الاهتمام الدولي.

وأرجع المقلي اهتمام الولايات المتحدة المفاجئ بالملف السوداني إلى عدة دوافع، منها رغبة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الظهور كـ”رجل سلام” تمهيدًا لنيل جائزة نوبل للسلام، إضافة إلى الطابع الصفقاتي الذي ينتهجه في سياسته الخارجية.

وقال: “ينظر ترامب إلى السودان كفرصة استثمارية واعدة في مجالات المعادن والنفط والزراعة والصناعة والثروة الحيوانية.” كما أشار إلى البعد الاستراتيجي المتعلق بأمن البحر الأحمر، حيث تتوجس واشنطن من النفوذ الإيراني المحتمل هناك، وهو ما انعكس في العقوبات التي فرضتها مؤخرًا على وزير المالية د. جبريل إبراهيم وآخرين متهمين بالتسهيل لإيران.

وعبر السفير المقلي عن اعتقاده بأن خارطة الطريق الأميركية – الإقليمية تشكل فرصة حقيقية لوقف الحرب، لكنها تتطلب إجماعًا داخليًا سودانيًا وآلية رقابة فعالة، حتى تتحول من مجرد إعلان سياسي إلى واقع عملي يمهّد لسلام دائم واستقرار دستوري.

Welcome

Install
×