دارفور مرّةً أُخري : كتابة فى زمن أحداث كلوقي وتنصيب مناوي، والترحيب بزيارة خان، وغياب اليوناميد !.

شهدنا، ضمن الكثيرين والكثيرات من المشاهدين/ات، من علي شاشة تلفزيون السودان، إعادة لمشاهد حيّة، من حفل “تنصيب” قائد (حركة تحرير السودان)، السيد مني أركو منّاوي، “حاكماً” لـ(إقليم دارفور)، الذى تمّ يوم الثلاثاء 10 أغسطس 2021، بميدان الفرقة السادسة مُشاة بالفاشر. ويأتي “تعيين” القائد مناوي، بموجب اتفاقية سلام جوبا

بقلم: فيصل الباقر

شهدنا، ضمن الكثيرين والكثيرات من المشاهدين/ات، من علي شاشة تلفزيون السودان، إعادة لمشاهد حيّة، من حفل "تنصيب" قائد (حركة تحرير السودان)، السيد مني أركو منّاوي، "حاكماً" لـ(إقليم دارفور)، الذى تمّ يوم الثلاثاء 10  أغسطس 2021، بميدان الفرقة السادسة مُشاة بالفاشر. ويأتي "تعيين" القائد مناوي، بموجب اتفاقية سلام جوبا الموقعة في أكتوبر 2020، وتنفيذاً للقرار الصادر من مجلس الوزراء الإنتقالي (رقم 265 لسنة 2021)، بتاريخ 29 أبريل 2021. تلاحظ أنّ الاحتفال والترتيب له، جري في جو مشحون، وتوتُّر أمني ملحوظ، ومشاعر مختلطة بين القبول والرفض، والتفاؤل والتشاوم، عكست بعضه تلك الهتافات التي عبّرت عن عدم الرضا، والهتافات الأُخري التي عبّرت – فى الجانب الآخر- عن سعادتها بالاختيار. وجاء حفل التنصيب فى أعقاب أحداث منطقة كلوقي، فى ولاية شمال دارفور، والتي راح ضحيتها العشرات، ومازال الجدل ز"التحرّي" – السياسي، وليس القانوني- دائراً حول أسبابها، ومازالت الاتهامات المتبادلة بين المواطنين والحركات المسلحة، لم تُحسم بعد!. ونستطيع أن نؤكّد من متابعتنا اللصيقة لما يجري فى دارفور من عنف، أنّ أجزاء واسعة من دارفور الكبري، مازالت تسبح فى بحرالعنف وانتهاكات حقوق الإنسان، بصورة مروّعة، وفظّة، وصادمة، ولن تكون موجات العنف في دارفور التي تحكي عنها أحداث (كوقلي) وغيرها، آخر الانتهاكات، وللأسف، مازال الساسة – دعونا نقول "بعض الساسة"- يواصلون، الرقص علي جماجم البسطاء، وهذا ما يجب أن ننبه له – في الصحافة الحساسة تجاه النزاع – قبل أن "يتّسع الفتق علي الراتق"، وتعود دارفوربأكملها، إلي خانة الاحتراب الشامل، والنيران الملتهبة التي ستحرق الأخضر واليابس. وأستطيع أن أقول وأُردّد مع الشاعر القديم : "أري تحت الرماد وميض نارٍ، وأخشي أن يكون لها ضرام"!.

ومن الصدف النادرة، أنّ هذه الكتابة، تجيء، والبلاد، تستقبل زيارة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية "الجديد"، السيد كريم أسد خان، حيث يُقابل الرسميين فى الدولة السودانية، ويسمع منهم، ذات الحديث المُنمّق عن التعاون مع المحكمة الجنائية، بل "تسريعه"، ويلاقي السيد خان، نفس الترحيب، الذي قِيل للمدعية العامة السابقة السيدة فاتو بنسودا، والجديد في الأمر أنّ مجيئه للسودان، في زيارته "الأولي" هذه، سبقته – بأيّام معدودات – أنباء منشورة، وموثّقة، تتحدّث عن "إجازة" مجلس الوزراء لـ(نظام) روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، لتبقي – إلي حين إشعار آخر – "المصادقة" رهينة، بموافقة الإجتماع المشترك لمجلس الوزراء والمجلس السيادي، في غياب المجلس التشريعي، الذي سبق أن أعلن رئيس الوزراء "شخصياً" عن "تعيينه"، وحدّد افتتاح جلسته الأولي بيوم 17 أغسطس 2021، ولكنّه، لم يحدث بعد!، وهذا حديث يطول عن الوعود التي تقطعها الحكومة علي نفسها، وتعلنها للشعب، وتنساها، أو تتناساها، دون أن تُعلن للشعب لماذا؟!. ويبقي القول أنّ دارفور وأزمتها الطاحنة، تنتظر الحل، بعيداً عن الحل الأمني، الذي ما زال يُسيطر – للاسف – علي عقول البعض، وكأننا "يا عُنف، لا رُحنا ولا جينا"، ولمعلومية الجميع نقول : "لو كان الحل الامني، "يُجدي"، في دارفور وغير دارفور، لما سقطت الإنقاذ"، فانتبهوا يا أولي الألباب!. أقول قولي هذا، واستأذن القراء والقارءات، أن أُعيد نشر ما كتبته، ونشرته في أُكتوبر 2017، بعنوان ((انسحاب اليوناميد من دارفور – رسالة إلى كل من يهمه الأمر : ما ضاع حق، وراءه مُطالب)) وهذه دعوة – ثانية – لقراءة المقال، المعنون – وقتها – ((انسحاب اليوناميد من دارفور – رسالة إلى كل من يهمه الأمر: ما ضاع حق وراءه مُطالب!.)) :

فيما تمضى بعثة اليوناميد -المغلوبة على أمرها- فى تنفيذ مُخطّط سحبها (المتعجّل) من دارفور، رُغم استمرار حالة حريق الإنتهاكات، وتمشى فى طريق تسليم مواقعها للحكومة السودانية، وفق القرار"السياسى" الأُممى، والذى جاء بدعوى تقليل الإنفاق والنفقات على البعثة، وقد سمعنا – فى ذات الوقت- عن تبديل وتغييرمهام البعثة الأُممية، من (حفظ السلام)، إلى (بناء السلام)، يستمر النزاع المُسلّح – فى واحدة من أسوأ تجلياته المؤلمة – فى الإقليم المُحترق، وهاهى انتهاكات حقوق الإنسان، تتواصل بمُسمّياتها وتعريفاتها المُختلفة  "المُخفّفة والمُغلّظة "، بعيداً عن تحقيق العدالة المطلوبة، ومازال – وسيبقى- الضحايا والناجون من نيران وجحيم انتهاكات حقوق الإنسان فى دارفور، ينتظرون "الحماية الدولية"، وهى (حق إنسانى) كفلته الشِرعة الدولية، وماكان ينبغى أن يصبح مكان مناورات سياسية أو منحة، تُعطى وتُنزع وفق مزاج ومصالح الأقوياء (الفاعلين)، فى صناعة التوازنات فى اللعبة الدولية.. وبغض النظر عن مايجرى فى أروقة مراكز صانعى القرار الأُممى، وعواصم الدول الكبرى، فإنّ السلام، الذى لا يُراعى فيه مبدأ تحقيق الإنصاف والعدالة والمساءلة، لهو سلام هش وضعيف، سرعان ما يتبخّر، فى أوّل اختبارعملى قادم، لتعود الأزمة، أعمق وأشمل، وقد تخرج من النطاق الجغرافى الضيّق، لتشمل مناطق جغرافية وسياسية "جيوسياسية" أوسع وأكبر، وهذا ما يتوجّب أن نُحذّر منه، اليوم، وقبل الغد !.

لن نحتاج لسرد أدلّة جديدة، لتأكيد أنّ النزاع والصراع المُسلّح فى دارفور، مازال يُراوح مكانه، وأنّ الحديث عن تحسُّن الأوضاع – وبخاصة الإنسانية – فى دارفور، هو مجرّد حديث للإستهلاك، والتبرير السياسى فقط، فالواقع يؤكد أنّ الصراع المُسلّح فى دارفور مستمر، وأنّ جذور الأزمة الدارفورية مازالت باقية، وفى كل مرّة سيأخُذ الصراع والعنف أشكال وصور وتجلّيات مختلفة، ومالم تتم المعالجة للأسباب الحقيقية للنزاع، ستندلع النيران مرّة أُخرى فى دارفور، وستكون فاتورة تكلفة الوصول للسلام العادل، أعلى بكثير، من الفاتورة الحالية، وهذا ما يجب أن يعرفه ويتحسّب له العالم، بعيداً عن حسابات الربح والخسارة الآنية الضيّقة.

لأهل السودان، وللعالم أجمع، نقول: نعم، دارفورتحتاج لسلام دائم ولاستقرارحقيقى، وانسان دارفور يستحق احترام وتعزيز حقوقه مكتملة، وغير منقوصة، بما فى ذلك حقّه فى العيش بكرامة، وحقّه فى الحياة، وهذا وذاك، لن يتأتّى، بدون تحقيق العدالة والإنصاف والمحاسبة على الجرائم المرتكبة فى دارفور، وما يحدث – الآن- من سيناريوهات بائسة، هو محاولة لقطع الطريق أمام تحقيق العدالة المطلوبة، وبالتالى السلام الفعلى المطلوب محلياً وعالمياً، وللأسف، سيفتح، شهيّة منتهِكى الحقوق لمواصلة ارتكاب المزيد من الجرائم، وهذا يعنى فتح الباب للمزيد من الانتهاكات، التى ستُحيل دارفور إلى جحيم دائم ومستدام، وهذا ما أردنا – ويتوجب علينا – التنبيه له.

السلام، الذى يتحقّق عن طريق العدالة الكاملة "غير المنقوصة"، هو مطلب أهل دارفور، وماضاع حق وراءه مُطالب.. أمّا الذين يحاولون قطع الطريق أمام تحقيق العدالة فى دارفور، فهم – وحدهم- يتحمّلون مع الجُناة – تاريخياً –  مسئولية تنامى شجرة العنف، والنزاع المسلّح فى دارفور !. ألا هل بلّغت …اللهم فأشهد .

فيصل الباقر

[email protected]