خبراء يستبعدون الموافقة على تعيين “تأسيس” مندوبًا لها لدى الأمم المتحدة


أمستردام – 4 سبتمبر 2025م – راديو دبنقا
تقرير: سليمان سري

فاجأ رئيس وزراء حكومة “تأسيس” بمدينة نيالا، حاضرة ولاية جنوب دارفور، محمد حسن عثمان التعايشي، السودانيين بإصدار القرار رقم (1) لسنة 2025م، الذي قضى بتعيين الدكتور قوني مصطفى أبوبكر شريف مندوبًا دائمًا لجمهورية السودان لدى منظمة الأمم المتحدة، كخطوة إجرائية قبل اكتمال تشكيل الحكومة نفسها.

وأثارت الخطوة نقاشًا واسعًا في مواقع التواصل الاجتماعي حول الهدف من وراء تعيين مندوب دائم لحكومة “تأسيس” لدى الأمم المتحدة.

وجاء القرار استنادًا إلى أحكام المادة (73) الفقرة (ب) من الدستور الانتقالي لجمهورية السودان لسنة 2025م، كما وجّه رئيس الوزراء الجهات المختصة باتخاذ ما يلزم من إجراءات لوضع القرار موضع التنفيذ الفوري.

غير أن خبراء دبلوماسيين وحقوقيين استبعدوا أن تعتمد الأمم المتحدة قبول مندوب حكومة “تأسيس”، مشيرين إلى أن المنظمة الدولية، التي رفضت من قبل تشكيل حكومة موازية من تحالف السودان التأسيسي “تأسيس”، لن تقبل تعيين مندوب دائم يمثلها في عضويتها.

ويُعد قوني أكاديميًا سودانيًا متخصصًا في مجال التنمية، شغل منصب مدير مالي في إحدى المؤسسات، ولديه خبرة عملية تمتد لأكثر من 25 عامًا، إلى جانب العمل في مجالات التخطيط العمراني، التنمية الاقتصادية المستدامة، التحول السياسي، التمويل، ومشروعات بناء القدرات، إضافةً إلى عمله في التدريس بعدد من الجامعات الأمريكية.

وله مؤلفات في السياسات والحوكمة ومبادرات بناء السلام في السودان وعلى المستوى الدولي، بما في ذلك التعاون مع البنك الدولي ومجموعة الخبراء السودانيين.

غير وارد


أكد الخبير القانوني والموظف السابق بالأمم المتحدة، د. عبدالسلام سيد أحمد، أن حكومة “تأسيس” استندت في قرارها بتعيين مندوب لها في الأمم المتحدة إلى الدستور الانتقالي لعام 2025م.

وقال في حديثه لـ”راديو دبنقا”: إن حكومة “تأسيس” تتصرف وكأنها حكومة ولديها دستور وتمثل جمهورية السودان، متسائلًا عمّا إذا كان بالإمكان أن تمثل حكومة “تأسيس” بديلًا لحكومة بورتسودان في المحافل الدولية، لكنه رأى استحالة ذلك، قائلًا: “من الناحية العملية غير وارد”.

وأوضح الخبير القانوني أن الأمم المتحدة تتصرف وفق إرادة الدول الأعضاء، مشيرًا إلى أن هناك دولًا لها تأثير أكبر من غيرها، لكن المحصلة النهائية أن قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة هي الفيصل في هذا الموضوع.

وقال: “في حالة حدوث انفصال آخر في السودان، وأصبحت هناك حكومة في جزء من الأراضي السودانية، يمكن أن يكون لديها شرعية تمثيل مستقل ويُعترف بها كدولة مستقلة”.

وأضاف: “كما حدث في دولة جنوب السودان بعد الاستفتاء على تقرير المصير لشعب جنوب السودان في عام 2011، نتيجة لاتفاقية السلام الشامل وقانون الاستفتاء، واعتراف المجتمع الدولي الذي جاء لاحقًا، فأصبحت جنوب السودان دولة مستقلة”.

لا يرغبون في الانفصال


ورأى الموظف السابق لدى الأمم المتحدة أنه من الواضح أن حكومة “تأسيس” لا ترغب في فصل جزء من الأراضي السودانية، وإنما تريد أن تحل محل “حكومة الأمر الواقع” الحالية في بورتسودان، ويصبحوا هم الحكومة الشرعية، “لكن كما قلت، هذا ليس واردًا”.

وقال سيد أحمد في حديثه مع “راديو دبنقا”: “في الغالب أن الأمم المتحدة – وأعني بذلك إرادة الدول الأعضاء – تتعامل مع الحكومات، وأي حكومة تتمكن من بسط سيطرتها، كما يحدث في الانقلابات العسكرية”.

وأضاف: “ولكن هناك استثناءات بالطبع. على سبيل المثال، في اليمن، رغم أن الحوثيين سيطروا على القسم الأكبر من الأراضي اليمنية، فإنهم لم يحظوا باعتراف من الأمم المتحدة بأنهم الحكومة الشرعية”.

يتصرفون كحكومة


وقال سيد أحمد: “بالنسبة للمعايير التي تتبعها الأمم المتحدة في الموافقة على تعيين مندوب الدولة، فهناك معايير نموذجية، وهي أن تمثل الحكومة الإرادة الغالبة للشعب في البلد المعني.

لكن هذه النقطة لا يتم التوقف عندها كثيرًا، باعتبار أن الأمم المتحدة، سواء في الجمعية العامة أو مجلس الأمن، هي أجهزة سياسية، وبالتالي فإن مجموع إرادة الدول الأعضاء هي التي تحدد قرارات الأمم المتحدة، وأي قرار يحصل على أعلى الأصوات هو في النهاية الذي يسود”.

وعبّر عن اعتقاده بأن حكومة “تأسيس” قصدت من توجيه الرسالة إلى الأمم المتحدة أنها تتصرف وكأنها حكومة شرعية، وبالتالي تسعى للتمثيل في المحافل الدولية.

وقال سيد أحمد: “من جانب آخر، بتعيينهم لهذا الشخص، قد يسعى هو وطاقم آخر لمحاولة إقناع الدول الأخرى أو الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، لكنه استبعد أن تعترف تلك الدول بحكومة (تأسيس)، فهذا لا يبدو واردًا في المرحلة الراهنة”.

تعقيد الأزمة وتقسيم الدولة


من جهته، استبعد الدبلوماسي المتقاعد، السفير الصادق المقلي، أن تعتمد الأمم المتحدة قبول ترشيح أي شخص من قبل حكومة “تأسيس”.

وأرجع ذلك إلى أن الأمم المتحدة سبق أن أعربت عن رفضها لأي حكومة موازية في السودان.

وقال في حديثه لـ”راديو دبنقا”: “إن الأمم المتحدة تعتقد أن مثل هذه الخطوة تزيد من تعقيد الأزمة، ومن جهة أخرى قد تُكرس لتقسيم الدولة، فضلًا عن أن الأمم المتحدة تعتمد حاليًا سفير (حكومة الأمر الواقع) في السودان”.

وأضاف: “ولذلك فهي بالتالي لا تعتمد ترشيحًا من حكومة نيالا، وهذه سابقة تاريخية بالنظر إلى نماذج ماثلة للعيان؛ لم يتم اعتماد الدول التي أعلنت حكومات مشابهة لحكومة (تأسيس) لتمثيل مندوبيها في نيويورك”.

وذكر السفير المقلي – على سبيل المثال – دول ليبيا (حفتر)، اليمن (الحوثي)، صوماليلاند، وجمهورية الصحراء الغربية، رغم أن الأخيرة عضو في الاتحاد الأفريقي، واصفًا الخطوة بالمتسرعة وغير المدروسة أو المحسوبة من قبل حكومة “تأسيس” في نيالا.

ورأى أنه كان بإمكان حكومة “تأسيس” أن تُقدِم على خطوة بديلة، مثل أن تطلب مخاطبة أي ممثل لها في الجمعية العامة للأمم المتحدة باعتبارها طرفًا في حرب السودان، وتطالب – مثلًا – واشنطن بإصدار تأشيرة لممثلها.

وتابع: “كما سمحت الأمم المتحدة من قبل لممثل للقوى السياسية المعارضة، د. الشفيع خضر، بمخاطبة مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة”.

الطرفان يواجهان عقوبات


وأشار السفير الصادق المقلي، في حديثه لـ”راديو دبنقا”، إلى أن المشكلة تكمن في أن كلا طرفي الحرب يواجهان عقوبات أمريكية، كما أن السودان ضمن قائمة الدول التي حظرت الولايات المتحدة الأمريكية دخول مواطنيها إليها.

غير أنه استدرك قائلًا: “لكن ربما تشفع الحرب الدائرة في السودان في عدم رفض التأشيرة لرئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان، كما فعلت مع الرئيس الفلسطيني وحرَمته من مخاطبة الدورة (80) هذا الشهر في نيويورك، في إطار سياسة الجزرة”.

وأضاف: “رغم أن أمريكا تتهم الحكومة السودانية باستخدام الأسلحة الكيميائية، ومن هذا المنطلق هيأت مقابلة البرهان لبولس في سويسرا”.

ورأى أن الولايات المتحدة الأمريكية، رغم أنها ملزمة بموجب المادة (47) من اتفاقية المقر الخاصة بالأمم المتحدة في نيويورك، إلا أنها في عدة مرات لم تلتزم، وتابع قائلًا: “ودونكم حالات البشير وبوتين، وحاليًا الرئيس الفلسطيني”.

وقطع السفير الصادق المقلي بعدم اعتماد الأمم المتحدة لأي سفير موازٍ للسفير السوداني الحالي، عبدالرازق الحارث إدريس، مبينًا بقوله: “كما ذكرت، فإن الأمم المتحدة سبق أن أعلنت رفضها لحكومة (تأسيس) حتى قبل تكوينها”.

Welcome

Install
×