“حميدتي” يعلن استعداده لحل خلافاته مع مصر عبر الحوار

أول خطاب لحميدتي أمام الآلاف من جنوده منذ اندلاع الحرب
أمستردام – 23 يونيو 2025 – راديو دبنقا
في أول ظهور له أمام الآلاف من جنوده، أعلن قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو “حميدتي”، استعداده لحل خلافاته مع مصر، متهماً قيادة الجيش بافتعال تلك الخلافات.
وظلت قوات الدعم السريع تتهم مصر بمساندة الجيش عسكرياً، وقصف قواتها بالطيران الحربي، بينما تنفي مصر تلك الاتهامات ولكنها ظلت تتمسك بضرورة الحفاظ على وحدة البلاد وسلامة أراضيها وسيادتها ومؤسساتها في إشارة للقوات المسلحة.
وطمأن حميدتي دول الجوار بأن سيطرة قوات الدعم السريع على منطقة المثلث الحدودي “إن لم تمثل إضافة لها، فلن تكون خصماً عليها”.
وقد سيطرت قوات الدعم السريع على منطقة المثلث الحدودي، التي تربط بين السودان ومصر وليبيا، وهي منطقة استراتيجية غنية بالموارد المعدنية.
ولزمت القاهرة الصمت حيال سيطرة قوات الدعم السريع على منطقة المثلث المتاخم لها ولم تعلق على هذا التطور.
وأوضح دقلو أن هذه المناطق “كانت مسرحًا للأنشطة غير المشروعة، مثل المخدرات والإرهاب والتهريب ، بما في ذلك التهريب إلى مصر”. متهما قادة الجيش بالضلوع في هذه الجرائم وأكد أنهم “تمكنوا من تأمين الحدود مع الجيران”، مع التأكيد على احترامه لجميع الدول المجاورة، بما فيها مصر، مشددًا على أن “الخلاف بين الدعم السريع ومصر افتعله قادة الجيش”، مؤكداً استعداده لحل الخلافات عبر الحوار.
وقال إن قادة القوات المسلحة سعوا، طيلة السنوات الماضية، لتخريب علاقات الدعم السريع مع تشاد وجنوب السودان، إلا أنهم فشلوا. وأشار إلى “محاولة أخيرة قبل الحرب، تمثلت في إرسال مجموعات إلى إفريقيا الوسطى لقتل الروس، ثم إلصاق التهمة بالدعم السريع”، مؤكدًا أنهم “كشفوا المخطط”.
لكنه هدد باتخاذ موقف جديد من تصدير النفط، قائلاً: “سمحنا بمرور البترول احترامًا لجنوب السودان، لكننا الآن لدينا رأي آخر، لأن عائداته تُستخدم لشراء أسلحة ومسيرات”.
وأكد أن دارفور وكردفان غنيتان بالموارد، خصوصًا البترول والمعادن والصمغ العربي والسياحة، وتمسك في الوقت ذاته بالعمل على السيطرة على بورتسودان، ملمحًا إلى تمسكه بوحدة البلاد.

لغة جسد مريحة
بدا قائد قوات الدعم السريع مطمئنًا، وبلغة جسد مريحة، وأدلى بخطاب مطول بنبرات واثقة، وجّه فيه رسائل عديدة إلى المحيط الإقليمي، والحركات المسلحة، وجنوده وأنصاره، والإدارات والقادة.
ويرى مراقبون أن خطاب حميدتي، الذي استمر 23 دقيقة بعد المونتاج، بدا متصالحًا مع المحيط الإقليمي، خصوصًا مصر، ومتسامحًا مع الحركات المسلحة المساندة للجيش، كما سعى إلى رفع الروح المعنوية لجنوده وأنصاره، وتميّز بالصرامة تجاه الإدارات والقادة. وقد حدّد الخطاب دائرة العداء بدقة، حيث حصر هجومه على قادة الجيش والحركة الإسلامية، دون التطرق إلى تحالف السودان التأسيسي أو الحكومة الموازية أو تحالف قواته مع الحركة الشعبية.
ومن المرجح أن الحشد جرى تنظيمه بعناية في ولاية جنوب دارفور، خلال الأيام الماضية، حيث تطرق للمشاركة الدائرة في مدينة بابنوسة.

اتهامات متجددة
واصل دقلو اتهام قيادة القوات المسلحة بجرّ البلاد إلى الحرب، مضيفًا أنه ظل، طيلة السنوات الماضية، يتجنب اندلاع الحرب. وأكد أن “القتال بالنسبة لنا دفاع عن النفس، ولسنا دعاة حرب، بل دعاة سلام، لكننا اضطررنا لخوضها، وفقدنا أعز ما نملك”.
ويتبادل قادة الجيش والدعم السريع الاتهامات حول إشعال الحرب الدائرة في البلاد منذ 15 أبريل 2023.
كما هاجم حميدتي جهاز الأمن السوداني، محمّلاً إياه مسؤولية الحرب، وقال: “كنت ضد قرار حله، بشهادة حمدوك، وأنا نادم على ذلك”، مضيفًا أن قواته “قضت على مجموعات جهاز الأمن والإرهابيين خلال الحرب الدائرة”، على حد وصفه.
واعترف بأن “الجيش تمكن من إخراج قواتنا من مناطق عزيزة علينا، وخسرنا أرواحًا غالية، لكننا سنعود إليها”. وقال حميدتي إن “الجيش لم يتبق له شيء، وقد اضطر للاستعانة بالجنود الإريتريين وعمال التعدين الأهلي”، مشيرًا إلى أنه “لم يتبق من الجيش سوى فرقة واحدة فقط”.
وتعهد حميدتي بالقضاء على سلاح الطائرات المسيّرة المملوكة للقوات المسلحة، مبينًا أن قادة الجيش لم يتبق لهم سوى المسيّرات.
وكانت القوات المسلحة شنت آخر هجوم لها بمسيرة على مستشفى المجلد المرجعي مساء السبت مما أدى لمقتل العشرات من بينهم كوادر طبية.
كما وجّه حميدتي بمواصلة التدريب العسكري في كل المحليات.
مساعدات إنسانية
على الصعيد الإنساني، تعهّد قائد الدعم السريع بإيصال المساعدات إلى جميع مناطق سيطرتهم في دارفور وكردفان، مؤكدًا أن “مئات الآلاف من النازحين وصلوا إلى تلك المناطق، فارين من الخرطوم والجزيرة ومناطق في شمال كردفان”.
ووجّه أوامر صارمة بمحاربة “انتشار السلاح، والمخدرات، والتفلتات الأمنية، والاستيلاء على منازل المواطنين”.
كما أعلن حميدتي موقفًا حاسمًا تجاه من وصفهم بـ”الشفشافة”، قائلًا: “نجهز السجون لإيداعهم فيها، وهم لا يمثلوننا، ولن ندخل الشمالية ونهر النيل برفقتهم”.
وأعلن عن عزم قوات الدعم السريع صرف مرتبات الجنود بأثر رجعي منذ 15 أبريل، والاهتمام بعلاج الجرحى، وتشكيل لجان لحصر الشهداء، مضيفًا: “سنوفر العلاج المناسب ونسعى للاهتمام بالمصابين”.
رسائل إلى الحركات المسلحة
في رسالة واضحة إلى بعض القادة السياسيين في دارفور، قال حميدتي إنه “ليس لديه مشكلة مع مناوي وجبريل”، وإنه “سيقبلهم إذا أتوا الآن”.
وقد ظل حميدتي يشن هجومًا لاذعًا على قائدي حركة تحرير السودان والعدل والمساواة، منذ انحيازهما إلى صفوف القوات المسلحة في الحرب الدائرة. ويأتي خطابه المتصالح مع قادة الحركات في ظل تصاعد التراشقات الإعلامية بينها وبين جهات حكومية، بسبب خلافات تتعلق بالتشكيل الوزاري المزمع إعلانه.

سخرية
مع بداية الخطاب، خلع حميدتي نظارته الشمسية ساخرًا من تصريحات بعض المسؤولين حول وفاته، ووصفه بالبُعاتي والذكاء الاصطناعي، مضيفًا: “خلعت نظارتي تجنبًا لهذه الأوصاف”.
في ختام خطابه، أعلن حميدتي عن ترقية الشاب أحمد درمود، مشيدًا بدوره.
يأتي هذا الخطاب في وقت تشهد فيه البلاد صراعًا عسكريًا مستمرًا بين الجيش والدعم السريع، خاصة في غرب كردفان والفاشر، وسط أزمة إنسانية متفاقمة واتهامات متبادلة بين الطرفين.