حركات شرق السودان.. جدل واسع حول الوحدة ورفض المشاركة في الحرب

احتفالات الذكرى الثانية لتأسيس حركة تحرير شرق السودان - ديسمبر 2025- وسائل التواصل

احتفالات الذكرى الثانية لتأسيس حركة تحرير شرق السودان - ديسمبر 2025- وسائل التواصل

كسلا: 29 ديسمبر 2025 – راديو دبنقا

أثارت تصريحات رئيس حركة تحرير شرق السودان، إبراهيم عبد الله دنيا، في همشكوريب يوم السبت جدلاً واسعاً وردود فعل متباينة، حيث حظيت بتأييد واسع، بينما رفضتها قطاعات أخرى، واعتبرتها إنشاء لمليشيات مسلحة خارج نطاق الجيش، فيما جنحت بعض الردود إلى خطاب الكراهية.

وأكد رئيس حركة تحرير شرق السودان، إبراهيم عبد الله دنيا، في خطابه يوم السبت، أن قواته لن تصبح وقوداً لحرب لم تساهم في إشعالها، داعياً إلى السلام والوحدة وإشراك شرق السودان في صنع القرار.

وأضاف: “تدربنا لحماية الإقليم وحماية الموارد وحكم أنفسنا”، وشدد على تمسكهم بإحلال السلام، قائلاً: “لدينا آلاف الجنود، ولا نخاف من أحد، ونحن مع السلام، رضي من رضي وأبى من أبى. نحن مستعدون ولدينا جيوش جرّارة وتحالف من خمس حركات”.

وأكد تمسكهم بوحدة السودان دون تجزئة، رافضاً مشروع “النهر والبحر”، ملوحاً بانفصال شرق السودان في حال أصبح مشروع دولة النهر والبحر واقعاً ماثلاً، وأضاف: “خرّجنا ثلاث دفعات ولا نخشى أحداً”.

10 قوات وحركات

وتنشط في شرق السودان عشر قوات ومجموعات مسلحة، حيث أعلنت خمس حركات الأسبوع الماضي تحالفها من أجل تأمين شرق السودان والاتفاق على رؤية موحدة، وهي مؤتمر البجا بقيادة موسى محمد أحمد، وحركة تحرير شرق السودان بقيادة إبراهيم دنيا، والحركة الوطنية للتحرير والعدالة بشرق السودان بقيادة محمد طاهر سليمان، والأسود الحرة بقيادة محمد صالح عابد، والجبهة الوطنية لشرق السودان بقيادة محمد صالح أكد. وبدأت نواة هذا التحالف بثلاث حركات أنشأت عن تشكيل قوات مشتركة في مايو الماضي

خمس حركات توقع على ميثاف مشترك -ديسمبر 2025- وسائل التواصل

وفي مايو الماضي، أعلنت المقاومة الشعبية بقيادة الناظر ترك، والأورطة الشرقية بقيادة الأمين داوود، ومؤتمر البجا القيادة الموحدة عن تحالف آخر، بينما ينشط تحالف أحزاب وحركات شرق السودان بقيادة شيبة ضرار في ولاية البحر الأحمر.

وتتباين مواقف الحركات من الحرب الدائرة بين الانخراط الفعلي، وتأييـد القوات المسلحة، فضلاً عن الرفض القاطع للمشاركة فيها. وتواجه هذه الحركات انتقادات من جهات عديدة بسبب تكوينها القبلي، وتلقيها التدريب في دولة إريتريا، إلى جانب مخاوف من تجدد الاقتتال الأهلي، فيما تبرر أطراف أخرى طبيعة التكوين بالتوترات التي شهدها الإقليم، كما عزت تلقيها التدريب في إريتريا لتعذر إنشاء معسكرات خارج إشراف الجيش في السودان.

لا مساومة في الوحدة

وعقب الجدل الواسع الذي دار حول كلمته، قال إبراهيم دنيا في تغريدة على منصة “إكس” إن وحدة السودان وأراضيه ليست خياراً للمساومة، بل ضرورة تجري بها سنن البقاء.

وأضاف: “هي العروة الوثقى والحصن الحصين، بها تُسد الثغور، ويَكِلُّ الطامع عن منفذ، ويقوم الوطن لا تُنال له راية ولا يُوهَن له عزم”.

انتقادات

لكن المحلل السياسي الدكتور محمد تورشين قلل من أهمية حديث ما وصفه بالحركات المسلحة المناطقية عن الوحدة، معتبراً ذلك أمراً بعيداً عن الواقع. وقال إن هذه الحركة لم يتم الكشف عن الأطراف والجهات الداعمة والمساندة لها، في ظل التعقيدات والتداخلات القبلية والإثنية في شرق السودان، محذراً من أن يؤدي ذلك إلى تعقيد الأوضاع في الإقليم خلال الفترة المقبلة.

واعتبر في حديث لراديو دبنقا تصريحات إبراهيم دنيا ضغطاً سياسياً على الحكومة والمجتمعات للاعتراف به كفاعل.

واستبعد تورشين اندلاع حرب في شرق السودان، مبيناً أن أسياس أفورقي لا يمكن أن يدعم أي حركة أو أي عمل عسكري في السودان، خاصة وأن جميع الأنظار تتجه حالياً إلى معسكرات التدريب التي جرى إنشاؤها في إثيوبيا لصالح قوات الدعم السريع.

وحذر من خطورة المليشيات المسلحة على الديمقراطية ودور المدنيين في الحياة السياسية، واعتبر ذلك الخطر الداهم الذي سيؤدي إلى إعاقة الديمقراطية وتدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية.

احتفالات الذكرى الثانية لتأسيس حركة تحرير شرق السودان

تضامن واسع

ورداً على حديث دنيا الرافض لمشروع دولة النهر والبحر الانفصالي، شكك زعيم أطروحة دولة النهر والبحر، عبد الرحمن عمسيب، في انتماء قادة حركة تحرير شرق السودان، داعياً الاستخبارات العسكرية إلى اعتقال إبراهيم دنيا خلال 48 ساعة، الأمر الذي استنكرته قطاعات واسعة.

واعتبر الأمين داوود، رئيس الجبهة الشعبية المتحدة لشرق السودان، حديث عمسيب خطاب فتنة وتحريض عنصري يفضح عقلية إقصائية تهدم السودان ولا تبنيه.

وأضاف: “كل من يخالفكم في الرأي ليس عميلاً، بل مواطن له حق التعبير، والاستخدام العنصري للهوية لأغراض سياسية هو فساد واضح”.

وفي ذات السياق، أعلن شيبة ضرار، رئيس تحالف أحزاب وحركات شرق السودان، تضامنه مع إبراهيم دنيا، وقال إنه خط أحمر، ومن حقه التقدم بمطالبه، مبيناً أنه يتمتع بجماهيرية عالية ولديه قوات ضخمة.

من جانبه، أعلن محمد صالح أكد، رئيس الجبهة الوطنية لشرق السودان، رفضه التنمر والتعدي على قائد حركة تحرير شرق السودان، وأدان ما وصفه بتشويه السمعة والتوصيف لأغراض سياسية خبيثة وشيطنته في المشهد.

في المقابل، قال كرار عسكر، القيادي في المجلس الأعلى لنظارات شرق السودان بقيادة ترك، إنهم يرفضون تمليش شرق السودان عبر تدريب وتسليح مجموعات قبلية وحزبية ودينية في دولة إريتريا، في محاولة مكشوفة لفرض عسكرة المجتمع.

كما أعلن رفضه أي تدخل إريتري سافر يمس سيادة السودان، وتحويل شرق السودان إلى ساحة صراع، واعتبر ما يجري مؤامرة واضحة على السودان كله، وتهديداً للسلم الأهلي والنسيج الاجتماعي.

تحليل للخطاب

قالت الصحفية عزة إيرا إن حديث إبراهيم دنيا الأخير خطاب سياسي يجب فهمه في سياقه، ولا يمكن اجتزاؤه أو تحميله ما لم يرد فيه، مشيرة إلى أن كثيراً من الحركات قدمت خطابات مشابهة، وهو وضع فرضه الواقع المعقد لبلاد محتلة جزئياً.

وأضافت أن الطعن في وطنية أي شخص دون أسانيد واضحة أمر مرفوض ولا يخدم السجال بشيء، أما الخطابات العنصرية فقد عفا عليها الزمن ولن يكون لها مكان في واقعنا.

من جهته، أشاد المدون عمر محمود بالكلمة، مبيناً أنها رفضت التمثيل الصوري وطالبت بالمشاركة الحقيقية في صناعة القرار الوطني والسيادي.

كما طالبت بنصيب عادل من موارد الإقليم وإدارتها بما يخدم إنسان الشرق والسودان، وأكدت التمسك الصارم بوحدة السودان ورفض مشاريع التفتيت، مثل دعوات النهر والبحر.

واعتبر أن الهجوم والتحريف الذي يتعرض له هذا الخطاب محاولة يائسة لإعادة إنتاج الأزمة السودانية القديمة، حيث يُراد للشرق أن يظل صامتاً أو تابعاً للبيوتات التقليدية.

ووصف الخطاب بأنه “خطاب وطني، وحدوي، وعقلاني”، وأكد أنه طالب بدولة المواطنة والعدالة وحق الأقاليم في مواردها، وهي ذات قيم ثورة ديسمبر المجيدة.

وفي ذات السياق، قال الناشط خالد محمد نور إنه كان واضحاً منذ البداية أن هذه الحركة، دون غيرها من حركات شرق السودان، تمتلك مقومات التطور والنمو، لكنه دعا في الوقت ذاته إلى فهم التقاطعات الجيوسياسية، وبناء خطاب سياسي متوازن ورصين يجنّب الحركة الوقوع في التبعية أو الانجرار إلى صدامات متهورة.

كما دعا إلى عدم انشغال الحركة بالمعارك الجانبية أو القضايا الانصرافية، والتركيز على القضايا الكبرى التي تستحق بالفعل، والتحرر من ذاكرة الاقتتالات الأهلية العبثية التي شهدها شرق السودان في السابق.

وأشار إلى أن كل الدلائل تشير إلى أن تكرار مثل تلك الصراعات أصبح مستبعداً، ليس بدافع الأمنيات أو الرومانسية، بل لأن الواقع تغيّر جذرياً على المستويات الاجتماعية والسياسية والعسكرية.

مواقف سياسية

من جانبه، قال خالد عمر يوسف في منشور على فيسبوك، دون أن يشير إلى التصريحات، إن الحرب قادت إلى تناسل الجماعات المسلحة، وصار السلاح في يد كل شخص دون رقيب، وأضاف أن مهمة الوصول إلى جيش واحد صارت أبعد منالاً مما كانت عليه قبل اندلاع الحرب.

وكان مستشار قائد قوات الدعم السريع، الباشا طبيق، قد أعلن تأييده لخطاب إبراهيم دنيا وأشاد به.

ومع استمرار ردود الفعل المتباينة واتساع رقعة الحركة، يتساءل المراقبون حول مستقبل شرق السودان، الذي ظل يمثل المنطقة الآمنة الوحيدة خلال الحرب الدائرة.

خلفية

وجرى تأسيس الحركة في ديسمبر من العام 2023 من أجل الدفاع عن شرق السودان في حال تعرضه لأي هجوم خلال الحرب التي اندلعت حينها، وذلك في أعقاب اقتحام قوات الدعم السريع لولاية الجزيرة.

وأرسلت الحركة قواتها للتدريب في معسكرات بدولة إريتريا المجاورة، ولم تكن الحركة وحدها، حيث دفعت قوات الأورطة الشرقية التابعة للجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة بقيادة الأمين داوود قواتها للتدريب في إريتريا، إلى جانب حزب مؤتمر البجا بقيادة موسى محمد أحمد، والحركة الوطنية للتحرير والعدالة بقيادة محمد طاهر سليمان. كما تأسست حركات أخرى في وقت لاحق، مثل الجبهة الوطنية لشرق السودان بقيادة محمد صالح أكد.

ولم تكن حركات شرق السودان هي الوحيدة التي تتلقى التدريب، بل كان لحركات دارفور أيضاً نصيب من ذلك، حيث دفعت حركة تحرير السودان بقيادة مناوي، وحركة العدل والمساواة بقيادة جبريل، فيما التحقت حركة العدل والمساواة الجديدة بقيادة منصور أرباب بالحركات التي تتلقى تدريباً في إريتريا.

أهداف غامضة

ويقول محللون عسكريون إن الحكومة الإريترية تهدف من تدريب هذه الحركات وتسليحها إلى الاحتفاظ بحزام أمني يقيها انتقال الحرب أو تداعياتها، ووفقاً لمصادر أمنية فإن التحذيرات الإريترية لقوات الدعم السريع من التوغل في شرق السودان عبر البطانة أدت إلى عدم تمدد الحرب إلى الشرق، رغم أن ولايات الشرق لم تنجُ من القصف بالمسيرات.

وظلت الاستخبارات العسكرية تبدي تحفظها إزاء تلك المعسكرات، لا سيما الخاصة بحركات شرق السودان، دون إبلاغ الحكومة الإريترية بذلك، خوفاً من تأثر العلاقات مع الدولة التي أعلنت صراحة وبدون مواربة مساندتها للجيش ضد الدعم السريع.

وأثارت تلك التحفظات حفيظة الحركات المسلحة، حيث أعلن مسؤول مؤتمر البجا بقيادة موسى محمد أحمد في ولاية البحر الأحمر، محمد محمد نور (همدوية)، في مؤتمر صحفي العام الماضي رفضهم لتلك التحفظات، ملوحاً بالمطالبة بالحكم الذاتي.

وفي وقت لاحق، تمكنت الحكومة من إقناع قوات الأورطة الشرقية بإعادة قواتها من إريتريا، ومنحتها مقرات في حامية كسلا وأرقاماً عسكرية لقواتها، وذلك نظير انخراط تلك القوات في الحرب الدائرة، حيث شاركت مع الجيش في استعادة ود مدني.

وعلى الرغم من بقاء بقية القوات في الأراضي الإريترية، إلا أن خطابها تجاه الجيش تراوح بين التأييد العلني، مثل الحركة الوطنية بقيادة محمد طاهر سليمان، والمساندة الصامتة، مثل حزب مؤتمر البجا بقيادة موسى محمد أحمد، وحركات أخرى، لكنها رغم ذلك لم تشارك في العمليات الجارية.

واحتفلت جميع الحركات بذكرى تأسيسها وتخريج جنودها العام الماضي في الأراضي الإريترية، حيث اعترضت الأجهزة الأمنية في السودان على دخول عضوية حركة تحرير شرق السودان براً إلى الأراضي الإريترية للمشاركة في الاحتفالات، الأمر الذي أدى إلى تصاعد حدة التوتر قبل أن تتدخل وساطات أهلية ورسمية لاحتواء الموقف.

وتسعى القوات المسلحة إلى ضمان مشاركة جميع القوات في الحرب الدائرة، ولو بصورة رمزية، أو إعلان تأييدها صراحة، لضمان ولائها.

Welcome

Install
×