جدل قانوني واسع حول تعيين رئيس للمحكمة الدستورية

بورتسودان 3 سبتمبر 2025-رايو دبنقا
أدَّى الدكتور وهبي محمد مختار، أمس الثلاثاء، اليمين الدستورية أمام رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، رئيسًا للمحكمة الدستورية، بحضور ممثل رئيس القضاء والأمين العام لمجلس السيادة الفريق ركن دكتور محمد الغالي علي يوسف.
وأكد الدكتور وهبي، في تصريحات صحفية، أن المحكمة الدستورية تضطلع بحماية الدستور وصون الحقوق والحريات العامة، إلى جانب مراقبة أداء السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.
وأوضح أن عمل المحكمة قانوني بحت، يهدف إلى إيجاد توازن بين القوانين في الدولة.
ويُعدّ وهبي أول رئيس للمحكمة الدستورية يتم تعيينه منذ ست سنوات.
تشكيك في شرعية التعيين
وصف المحامي والخبير القانوني معز حضرة قرار التعيين بأنه “باطل”، موضحًا أن البرهان، بصفته رأس السلطة التنفيذية، لا يملك حق تعيين رئيس المحكمة الدستورية.
وأشار حضرة إلى أن آخر التعديلات القانونية، التي أقرّها البرهان نفسه، نصّت على أن التعيين يتم بناءً على توصية من مجلس القضاء العالي، وهو غير موجود حاليًا، بينما تشير السلطات إلى بديل يتمثل في مفوضية العمل القضائي، وهي الأخرى غير مُشكَّلة.
وأضاف أن البرهان أجرى التعيين منفردًا، في وقت يجمع فيه بين رئاسة السلطات الثلاث: التشريعية، والتنفيذية، والقضائية.
دوافع سياسية؟
اتهم حضرة البرهان والحركة الإسلامية بالسعي من خلال هذا التعيين إلى مساعدة مسؤولين سابقين من نظام الإنقاذ على الإفلات من العقاب، وشطب البلاغات والطعون الدستورية المفتوحة ضدهم، بما في ذلك القضايا المتعلقة بالحكم الصادر بحق الرئيس المخلوع عمر البشير، وقضية انقلاب 1989.
واعتبر أن تشكيل المحكمة الدستورية قد يُستخدم لإبطال مفعول أي ملاحقات قانونية سابقة، وتقنين إطلاق سراح المتهمين من رموز النظام السابق.
التعيين غير دستوري بالأساس
بدوره، وصف المحامي والخبير القانوني صالح محمود تعيين رئيس المحكمة الدستورية بأنه “غير دستوري”، لافتًا إلى أن الجهة التي قامت به لا تملك تفويضًا من الشعب السوداني.
وقال محمود لراديو دبنقا: “على سلطات الأمر الواقع توفير العدالة في مناطق سيطرتها، لكن ذلك لا يتحقق إلا عبر مؤسسات قضائية مستقلة، كفؤة، ومحايدة، وقادرة على تحقيق العدالة. أما تعيين رئيس محكمة دستورية بهذه الطريقة فيفتقر للشرعية من أساسه”.
محكمة مثيرة للجدل
أوضح محمود أن المحكمة الدستورية ذات طبيعة خاصة، ولا تتبع تاريخيًا للنظام القضائي التقليدي.
وأشار إلى أن المحكمة العليا كانت تضم في السابق دائرة دستورية، قبل إنشاء المحكمة الدستورية للفصل في القضايا المتعلقة بالأجهزة التنفيذية، لكنها تحولت لاحقًا – في عهد البشير – إلى أداة بيد النظام، شطبت من خلالها قضايا كانت مرفوعة ضد جهاز الأمن.
وأضاف أن المحكمة الدستورية في ذلك العهد ساهمت في حماية المسؤولين من المحاسبة عن انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، معتبرًا أن تعيين رئيس جديد لها الآن قد يخدم النظام الحالي أكثر من كونه خطوة لتحقيق العدالة.
ووصف المحكمة الدستورية بأنها “بدعة مستوردة من النظام المصري”، استُخدمت في تاريخها بالسودان كأداة سياسية لإغلاق القضايا وتحصين المسؤولين من المحاسبة.
تطورات قضية البشير
في سياق متصل، قال محمد الحسن الأمين، محامي الرئيس المخلوع عمر البشير، إن الوضع القانوني لموكله بات معقدًا بعد اندلاع حرب 15 أبريل 2023، حيث تُوفِّي القاضي، وضاع ملف القضية، ولم يبقَ في الحبس غير البشير وحده.
وأوضح الأمين لراديو دبنقا: “تم إطلاق سراح بكري حسن صالح وعبدالرحيم محمد حسين وكافة العسكريين والمدنيين، ولم يتبقَّ إلا البشير”، مشيرًا إلى أن جميعهم أبدوا استعدادهم لتسليم أنفسهم متى ما عادت المحكمة للانعقاد.
في المقابل، نفى المحامي محمد شوكت، ممثل الدفاع عن عبدالرحيم محمد حسين، ما تردَّد حول إطلاق سراح موكله، مؤكِّدًا أنه لا يزال رهن الحبس ويتلقى العلاج في مستشفى مروي.
وأكد الأمين أنه لا يجد تفسيرًا قانونيًا لاستمرار حبس موكله، مشيرًا إلى مخاطبات رسمية لرئيس القضاء لم تسفر عن شيء، في ظل وفاة القاضي، غياب المساعدين، وضياع ملف القضية مع الدمار الذي طال مؤسسات الدولة خلال الحرب.
وكانت القوات المسلحة قد أعلنت، في 26 أبريل 2023، نقل البشير وأربعة آخرين من سجن كوبر إلى مستشفى علياء بالسلاح الطبي في أم درمان، بناءً على توصية طبية، ثم جرى نقلهم في سبتمبر 2024 إلى المنطقة العسكرية بمروي لتلقي العلاج.
وبحسب الأمين، فإن البشير محتجز حاليًا تحت حراسة الاستخبارات العسكرية، وليس شرطة المحاكم كما يقتضي القانون، مؤكدًا أن طلبات الإفراج عنه لا تزال معلقة لدى رئيس القضاء دون رد.
تعيين ناقص وصلاحيات محدودة
أصدر البرهان الأسبوع الماضي قرارًا قضى بتعيين الدكتور وهبي محمد مختار رئيسًا للمحكمة الدستورية، دون تعيين بقية أعضائها.
واستبعد محامي البشير اللجوء إلى المحكمة الدستورية بشأن موكله، موضحًا أن المحكمة لم تكتمل حتى الآن، وأن تعيين رئيسها قد يكون بهدف حسم القضايا الخاصة بالمحكومين بالإعدام فقط، مستبعدًا أن يشمل قضية البشير.
ووفقًا لتقارير حقوقية، يواجه أكثر من 300 سجين في سجن بورتسودان أحكامًا بالإعدام، استنادًا إلى “اتهامات ملفقة وإجراءات قضائية غير عادلة”.