تمديد مهمة بعثة تقصي الحقائق في السودان بالأغلبية

مؤتمر صحفي لبعثة تقصي الحقائق حول حقوق الانسان في السودان- جنيف-17 يونيو 2025- لقطة شاشة من تسجيل فيديو بموقع الأمم المتحدة-
جنيف: الإثنين 6 أكتوبر2025م: راديو دبنقا
تقرير سليمان سري
اعتمد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جلسته، اليوم الإثنين، برئاسة المندوبة الدائمة لسويسرا السفير يور قلوبر، مشروع القرار رقم A/HRC/60/L.18 الخاص بتمديد ولاية البعثة الدولية المستقلة لتقصّي الحقائق بشأن السودان لمدة عام آخر بأغلبية 24 صوتًا.
وقال المدافع عن حقوق الإنسان وعضو الهيئة القيادية للتحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة“صمود” د. محمد صالح ياسين. في حديثه لـ”راديو دبنقا”:إنه تم اعتماد مشروع القرار 60/18 في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجنيف، اليوم، بعد طرحه للتصويت، حيث صوّتت 24 دولة عضوًا لصالح القرار، بينما امتنعت 12 دولة عن التصويت، وصوّتت 11 دولة ضد مشروع القرار.
وأضاف يس أن هذا التصويت يُعد تقدمًا ملحوظًا في مسار اعتماد القرار، مشيراُ إلى أن القرار منذ أن نشأ بعدد 19 صوتًا فقط، ثم ارتفع عدد المتبنيين له في العام الماضي إلى 23 صوتًا، ثم زاد العدد بصوت واحد في عام 2025 ليصل إلى 24 صوتًا لصالح القرار، مبيناً أن ذلك يعكس تزايد الدعم الدولي لاستمرار ولاية البعثة لعام آخر.
وأرجع يس مواقف الدول التي عارضت القرار، إلى أنها صوتت ضد القرار من ناحية مبدئية أكثر من كونه رفضًا جوهريًا، مشيراً إلى أن تلك الدول غير مقتنعة أصلا بموقفها المعارض والرافض لمشروع القرار لصالح تمديد ولاية بعثة تقصي الحقائق.
5 ملايين دولار ميزانية البعثة
ونوه المدافع عن حقوق الإنسان د. محمد صالح يس إلى أنه بموجب القرار، تم تمديد ولاية بعثة تقصّي الحقائق المستقلة في السودان لمدة عام آخر، بميزانية تقدّر بـ 5 ملايين و966 ألف دولار، على أن تواصل البعثة عملها في تقصي الحقائق حول الانتهاكات المرتكبة في مجال حقوق الإنسان منذ اندلاع الحرب في السودان.
وقال إن من الجوانب المهمة التي وردت في القرار الإشارة بوضوح إلى القانون الدولي الجنائي ومحكمة الجنايات الدولية، واصفاً تلك الخطوات بأنها تطوراً ملحوظاً في لغة القرار.
وأوضح د. يس أن القرار اعتمد جهود الآلية الرباعية الساعية لايقاف الحرب وإحلال السلام والهدنة الإنسانية، وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية دون عوائق. كما أدان القرار طرفي الحرب والمليشيات التابعة لهما أو المرتبطة بهما، مؤكدًا على رفض أي تدخل خارجي في الشأن السوداني، خصوصًا تدفق الأسلحة إلى داخل السودان.
وأكد أن القرار أشاد بالجهود الدولية والإقليمية الساعية لإحلال السلام في السودان وخاصة من القوى المدنية والديمقراطية وإنه يحث على تكوين حكومة مدنية للفترة الانتقالية على أن تعقبها انتخابات عامة.
وامتدح يس القرار معتبرا إياه خطوة مهمة للتقدم نحو الحل الديمقراطي كونه يحث الطرفين على الإيقاف الفوري لإطلاق النار، مشيراُ إلى أن القرار طلب من البعثة رفع تقرير للجمعية العام للأمم المتحدة في نيويورك في الدورة القادمة رقم 81 في العام 2026م، وأضاف أن التوصيات ستذهب إلى مجلس الأمن الدولي وتابع قائلاً: “حال حدثت أي تطورات جديدة يحق للمجلس عقد جلسة طارئة لمرة أخرى حول السودان”.
واعتبر المدافع عن حقوق الإنسان د. محمد صالح يس أن هذا التطور يشكل تقدمًا ملحوظاً وحفظًا للذاكرة الوطنية لحقوق السودانين، وخطوة نحو تحقيق العدالة الانتقالية أو الجنائية.
مواقف الدول
من جهته قال السفير علي بن أبي طالب عبدالرحمن الجندي، مندوب السودان الدائم لدى مكتب الأمم المتحدة في جنيف، إنَّ التصويت أظهر بعض التحولات المحدودة في مواقف الدول الأعضاء، خاصة داخل المجموعة الأفريقية.
وأوضح أن نتيجة التصويت جاءت بتأييد 24 دولة لصالح القرار، منها دولة إفريقية واحدة هي جنوب إفريقيا، إضافة إلى ثماني دول من المجموعة الأوربية وستة دول من مجموعة شرق أوربا وأربعة دول من آسيا وحمسة دول من مجموعة أمريكا الجنوبية.
وأشار إلى أن الدول الأفريقية التي امتنعت عن التصويت، 8 دول وهي مالاوي، بنين، كينيا، الكونغو الديمقراطية، كوت ديفوار، الجزائر، غانا إضافة إلى دولة أخرى من الإقليم، بينما صوّتت أربع دول أفريقية ضد القرار، وهي السودان، وإثيوبيا، وبوروندي، والمغرب.
وأضاف أن المجموعة الأسيوية شهدت تصويت خمس دول ضد القرار، هي الصين، فيتنام، الكويت، قطر، وإندونيسيا، في حين امتنعت أربع دول، وصوّتت أربع أخرى لصالح القرار. وأوضح أن دول شرق أوروبا الست صوّتت جميعها لصالح القرار.
وأوضح السفير الجندي أن غانا غيّرت موقفها هذا العام، حيث صوّتت العام الماضي لصالح القرار، بينما امتنعت عن التصويت هذه المرة، لافتًا إلى أن غانا تتولى حاليًا تنسيق المجموعة الأفريقية في قضايا حقوق الإنسان.
وقال: إنَّ جنوب أفريقيا حافظت على موقفها الداعم للقرار كما في العام الماضي، رغم أنها كانت قد امتنعت عن التصويت في القرار الأول الذي أنشأ البعثة. أما بقية الدول الأفريقية، فقال الجندي إن نمط تصويتها ظل كما هو دون تغيير يُذكر.
وأضاف السفير الجندي: أن كينيا انضمت هذا العام كعضو جديد في المجلس، وأنها امتنعت عن التصويت، في حين أن إثيوبيا صوّتت ضد القرار، كما كان متوقعًا، مشيراً إلى أن بقية الدول الأفريقية لم تغيّر مواقفها السابقة.
وأشار إلى أن بعض الدول الجديدة المنضمة للمجلس من آسيا، مثل جزر مارشال وقبرص، صوّتت لصالح القرار، ما ساهم في الحفاظ على التوازن العددي داخل المجلس.
ملاحظات مهمة:
ورأى السفير الجندي أن من الملاحظات البارزة في القرار الحالي أنه تم حذف الفقرة الخاصة بمزاعم استخدام الأسلحة الكيمائية في السودان، موضحًا أن هذا التعديل جاء نتيجة اعتراض عدد من الدول الأفريقية وبعض الدول الأوروبية على إدراجها في النص الأصلي.
وأرجع حذف هذه الفقرة إلى أنه كان ضروريًا لتأمين التوافق وضمان مرور القرار، لاسيما أن بعض الدول التي كانت تميل إلى الامتناع عن التصويت ربطت موقفها بإزالة تلك الفقرة الخلافية.
وقال إن القرار شدد على ضرورة تعاون الأطراف مع البعثة وتسهيل عملها مشيراً إلى “حكومة الأمر الواقع” في بورتسودان ترفض الاعتراف بالبعثة والتعاون معها مطلقاً.
واعتبر أن القرار يؤكد اهتمام المجلس بالوضع المتردي لحقوق الإنسان في السودان والتأكيد على أهمية استمرار البعثة في رصد وتوثيق حالات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ودفعها لعمل البعثة خاصة أزمة السيولة في الأمم المتحدة وانعكاس ذلك على عملها.
وقال إن مثل هذه البعثات بغض النظر عن موافقة الدولة المعنية للتعاون معها من عدمه فهي تقوم بعملها، كما هو معروف ظلت هذه البعثة تقوم بعملها من الخارج، سجلت زيارات لمعكسرات اللاجئين في كل من تشاد وكينيا وأوغندا، وتتعاون مع منظمات المجتمع المدني الإقليمية والدولية.
توقعات الموقف الحكومي
وحول التوقعات الخاصة بمواقف الحكومة نصح السفير الجندي الحكومة في بورتسودان بأهمية التعاون مع البعثة وفتح حوار معها، مستشهداً بمقال أطلع عليه لرئيسة دائرة القانون الدولي الإنساني بوزارة العدل، قال إنها دعت “حكومة الأمر الواقع” للتعاون مع البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق وفتح حوار معها.
وأعاد السفير الجندي التذكير بأن النظام السابق تعاون مع مجلس حقوق الإنسان منذ فترة المقرر الخاص لحقوق الإنسان الأسبق كاسبر بيرو مرورا بسيما سمر وحتى محمد عثمان شاندي رئيس البعثة الحالية لتقصي الحقائق وغيرهم من المبعوثين.
وقال السفير الجندي إنه من الأفضل للحكومة السودانية لو أنها اطلعت على تقرير تقصي الحقائق ستجده أن 80% منه تضمن إدانات للانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع. بينما تحدث القرار حين صدوره عن انتهاكات الطرفين.
وقال إنه من واقع تجربته كنائب لمجلس حقوق الإنسان في الفترة الانتقالية يرى أن الحوار أفضل من الرفض والمواجهة، واستشهد بموقف السودان حين تقدم بخطابه لتجديد عضويته في مجلس حقوق الإنسان بعد أن انتهت الفترة الأولى في العام 2020 ــ 2022 عن التوقيع على خطاب الالتزامات كان يؤكد التزامه بالتعاون مع المجلس واحترام قراراته باعتباره دولة عضو في المجلس.
آليات متعددة لحقوق الإنسان:
وقال السفير على الجندي: إن “حكومة الأمر الواقع” في بورتسودان ترى أن هنالك تعددية في آليات حقوق الإنسان، تتمثل في فتح مكتب قطري لمراقبة حقوق الإنسان في الخرطوم، وتعيين الخبير رضوان نويصر وأخيراً البعثة الدولية الحالية لتقصي الحقائق.
وذكر أن حكومة السودان وافقت في ديسمبر 2019م، عقب ثورة ديسمبر على فتح مكتب قطري لحقوق الإنسان في الخرطوم لكن حالياً يعمل من بورتسودان.
وأضاف قائلاً: بعد الانقلاب في 25 أكتوبر2021م قرر مجلس حقوق الإنسان تعيين الخبير رضوان نويصر كخبير لمراقبة حالة لحقوق الإنسان في السودان، الذي باشر مهامه عقب استقالة الخبير المعين آداما دينق في آواخر 2022م.
وجرى إنشاء بعثة تقصي الحقائق في مايو 2023م في جلسة خاصة عقب اندلاع الحرب في السودان، مشيراً إلى أنها ظلت تقوم بعملها رغم الصعوبات وعدم تعاون الحكومة في بورتسودان، وأضاف أنها أصدرت تقريرين، أخرهم كان شاملاً وأشار إلى الحرب بأنها حرب الفظائع، مؤكداً على أن البعثة ستواصل عملها في ظل الظروف التي ذكرها.