ميناء بورتسودان - المصدر الفيسبوك

امستردام: 6/ ديسمبر/2025م: راديو دبنقا
تقرير: سليمان سري

أعاد فتح ملف القاعدة العسكرية الروسية على سواحل البحر الأحمر، الجدل في الأوساط السياسية الإعلامية، بينما حذرت الإدارة الأمريكية من المضي قدماً في تنفيذ هذه الصفقة.

ونشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية تقريراً يفيد بأن الحكومة السودانية عرضت على روسيا إنشاء أول قاعدة بحرية لها في القارة الأفريقية، في خطوة قد تغيّر ميزان النفوذ في واحد من أهم الممرات البحرية العالمية.

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين سودانيين أن العرض يشمل اتفاقا يمتد 25 عاما يتيح لموسكو نشر ما يصل إلى 300 جندي و4 سفن حربية، منها سفن تعمل بالطاقة النووية، في بورتسودان أو منشأة بحرية أخرى على البحر الأحمر.

وسيحصل السودان بموجب المقترح على أسلحة متطورة بأسعار تفضيلية، إضافة إلى وعود روسية بالاستثمار في قطاع التعدين، وخصوصاً الذهب الذي يعد أحد أهم موارد الخرطوم الاقتصادية، وفقا لما كشفته وول ستريت جورنال.

وحذر مسؤول أميركي قادة السودان من “أن المضي في إنشاء مثل هذه المنشأة أو أي شكل آخر من أشكال التعاون الأمني مع روسيا سيؤدي إلى زيادة عزل السودان، وتعميق الصراع الحالي، وتعريض المنطقة لمزيد من عدم الاستقرار”.

“البرهان يلعب بالنار”:

يقول الخبير العسكري والأمني اللواء هاشم أبو رنات، في هذا الصدد، من المعروف أن هناك تقسيم بين الغرب والشرق وخاصة أمريكا وروسيا في مناطق النفوذ، وهو تقسيم غير معلن وتحدث فيه سباقات للحصول على مواطئ أقدام كلما سنحت الفرصة.

ويضيف في حديثه لـ”راديو دبنقا” بقوله: لقد أسال عمر البشير لعاب الدب الروسي ليصل الى موطئ قدم في البحر الاحمر، والذي سعت له روسيا منذ محاولتها في سبعينيات القرن الماضي للسيطرة على القرن الافريقي بحزام يجمع اثيوبيا و الصومال واليمن الجنوبي وجيبوتي ولكنها لم توفق بسبب سقوط الاتحاد السوفيتي.

ويضيف بأن دول الغرب والدول المجاورة للسودان انتبهت لهذه المحاولة من جانب البشير خاصة انه بدأ ايضا يمنح تسهيلات لإيران وتركيا في بعض الجزر السودانية داخل البحر الاحمر. ولكن ثورة 19 ديسمبر ونجاحها في إزاحة البشير في أبريل 2019م أدى لوقف كل ذلك.

ويشير الخبير العسكري إلى أن بعد انقلاب البرهان الأخير ومقاطعة الدول له “بدأنا نشاهده يرفع هذا الكرت من حين لآخر ويهدد به وهو يعلم استحالة تنفيذ هذه القاعدة”.

ويحذر من أن الخطورة على البرهان في ان أمريكا تأخذ هذا السلوك مأخذ الجد وأنها ليست الدولة التي يخيفها هذا التهديد أمام مصالحها المنتشرة حول العالم، ويعيد التذكير بأن أسباب سقوط البشير هو مثل هذه التهورات وتابع قائلاً: “فأنني اعتقد ان البرهان يلعب بالنار”.

مارثون صفري:

غير أن الكاتب والمحلل السياسي، المهتم بشؤون القرن الإفريقي خالد طه يرى أن السباق على “قاعدة فلمنجو البحرية” هو جزء من “ماراثون صفري” لا يحقق مكاسب استراتيجية حقيقية لأي طرف بقدر ما يمنع خصمه من تحقيقها.

ويقول طه في حديثه لـ “راديو دبنقا”: فالتنافس الدولي في البحر الأحمر ــ أحد أهم الممرات المائية في العالم ـ يشهد تصاعداً لافتاً، وتبدو فلمنجو في قلب هذا المشهد بوصفها نقطة ارتكاز تحاول القوى الكبرى، وعلى رأسها روسيا والولايات المتحدة، الحصول عليها.

ويضيف قائلاً: “لكن السؤال الأعمق لم يعد: من سينجح في الظفر بالقاعدة.. بل، هل ما تزال القواعد البحرية التقليدية ذات جدوى في عالم تتحول فيه الجغرافيا العسكرية نحو التقنية والمراقبة عن بُعد.

ويعتقد بأن تدخل الولايات المتحدة هذا السباق بحضور عسكري راسخ في المنطقة، وشبكة تحالفات واسعة تمتد من الخليج إلى القرن الأفريقي؛ هذا يمنحها قدرة كبيرة على التأثير في أي ترتيبات تخص الوصول البحري. ويقول: غير أن صورتها في الإقليم باتت مرتبطة بصراعات جيوسياسية تقليدية، في وقت تتجه فيه بعض دول المنطقة إلى تحييد ارتباطاتها الكبرى والبحث عن موازنة بين القوى الدولية.

في المقابل، تتحرك روسيا باستراتيجية تقوم على تقديم نفسها كقوة موازِنة، كما يضيف طه وأنها مصدر للتسليح والعلاقات الأقل ارتباطًا بالشروط السياسية. بينما تسعى منذ سنوات إلى موطئ قدم دائم في البحر الأحمر لتعزيز عملياتها في “المياه الدافئة”.

ويشير إلى أنه رغم أن نفوذ موسكو أقل من واشنطن، فإن مرونة عروضها وشروطها تجعلها منافسا لا يمكن تجاهله.

التفوق لمن يملك التقنية:

وباعتقاد طه، المهتم بشؤون القرن الإفريقي، أن التحول الأهم هو تراجع قيمة القواعد البحرية التقليدية، ويقول: إن التطور الهائل في الأقمار الصناعية والطائرات المسيّرة وأنظمة الاستشعار بعيدة المدى، جعل السيطرة لا تعتمد على القواعد الضخمة، بل على نقاط المراقبة التقنية التي توفر معلومات دقيقة وتتيح إدارة العمليات عن بعد بكلفة أقل ومخاطر أدنى.

ويضيف طه بقوله: “لذلك يصبح السؤال الأهم: ما الجدوى من الفوز بقاعدة إذا كان المستقبل يذهب نحو تفوق معلوماتي لا نحو احتلال مساحات.

ويرى أن السودان يمتلك نظرياً موقعاً جغرافياً بالغ الأهمية، يمكن أن يشكل ورقة ضغط. لكن ضعف الدولة، وانقسام المؤسسات، وتراجع قدرة النظام السياسي على اتخاذ قرارات استراتيجية، يجعل هذه الأوراق غير قابلة للاستخدام الفعَّال. وتابع قائلاً: “فتمرير اتفاق بحجم قاعدة روسية يتطلب مؤسسات قوية وشرعية وهي غير متوفرة حالياً”.

ويشير إلى أن تحذير واشنطن من أن إنشاء القاعدة سيؤدي إلى “زيادة عزلة السودان وتعميق الصراع” يكشف عن استعدادها لاستخدام أدوات ضغط تشمل العقوبات على الأفراد والكيانات، مع وقف أو تقييد الدعم الدولي وبرامج المساعدات وإعفاء الديون، والتأثير على المواقف الإقليمية خاصة دول الخليج وأوروبا.

وخلص الكاتب والمحلل السياسي خالد طه بالقول: “في المحصلة، يبقى التفوق الحقيقي في البحر الأحمر لمن يملك التقنية والسيطرة على المعلومات، لا مجرد قاعدة بحرية على الشاطئ”.

ابتزاز سياسي:

من جانبه يصف الكاتب والمحلل السياسي فتحي الضو العرض الذي قدمته “حكومة بورتسودان” لروسيا بمنحها قاعدة عسكرية على البحر الأحمر بالابتزاز السياسي.

وسخر الضو في حديثه لـ”راديو دبنقا” من ما وصفه التصرفات التي تأتي بها حكومة بورتسودان والتي يقول بأنها شغلت بعض الأوساط بتصريحات عن القاعدة الروسية ويضيف بأنها “مضحكة” وليس لها مردود يعول عليه.

ويستبعد أن يكون هنالك أي تحالفات جديدة أو صراع نفوذ كما هو شائع في الإعلام، معتبراً أنها مجرد عملية إلهاء للمواطنين وتابع قائلاً: ” اعتقد أن مثل هذه الأشياء تلهو الناس قليلاً وسرعان ما ينسونها”.

ويعتقد بأن رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبدالفتاح البرهان يظن أن يأتي ملف القاعدة الروسية بمردود، تجاه تهديد الولايات المتحدة الأمريكية، معتبراً أنه ليس له معنى يذكر.

ويقول: “يظن الكثير من الدكتاتوريين بأنه مجرد انك تمتلك منافذ بحرية مؤثرة يعني يمكن انك تتلاعب فيها كيفما ما شئت، ويضيف بقوله: “طبعاً هذا الكلام يدعو للضحك”، ويرى أن كثير من الدكاتوريين لا يحسبون حساباتهم ويعتقدون أن العالم يسير كيفما ما شاءوا هم وليس كيف ما شاءت المعطيات الموجودة في المكان المعين، الديكتاتوريين لايملكون حس سياسي.

منفذ هام وتقديرات دولية:

ويؤكد الكاتب والمحلل السياسي فتحي الضو أن البحر الأحمر صحيح منفذ هام لكن هذا لايعني أن الأمور تسير بهذه السهولة، ويقول: “إنسان بلاده تعيش في ظروف حرب ولا يستطيع حتى بالإغاثة الدولية أن يطعم الجوعى والمساكين من أبناء شعبه الذين يتعرضون للموت ولكل أنواع الانتهاكات وهو يبحث عن قاعدة بحرية ليمنحها للروس”.

ويقول “بأن المسائل لاتمضي بهذه الصورة وكما ذكر الرد البسيط لمسؤول أمريكي في أنه مثل هذه الخطوات ستزيد العزلة الدولية على حكومة بورتسودان، واعتقد انه هذا الشي المتوقع”.

ويرى الكاتب والمحلل السياسي أن مثل هذه المسائل خاضعة لتقديرات دولية ولحسابات سياسية ولتوازنات وأشياء كثيرة، ومثل هذه التصريحات من حكومة البرهان عبارة عن ظواهر طارئة يلهو بها بعض الناس في بعض الوقت وينسوها لحين.

ولكن، هذه المواقف من حكومة بورتسودان، كما يضيف الضو، لها حسابات أيضاُ في أروقة الأمم المتحدة والإدارة الامريكية، وتابع قائلاً:”وهذه لا تحتاج لكثير اجتهاد سواء من الامم المتحدة أو من الحكومة الأمريكية ولا من أي حكومة أخرى”.

ونصح المواطنيين بعدم الانشغال بمثل هذه الأشياء بقدر ما ينشغلوا بالواقع المرير الذي يواجههم في كل أرض وشبر، حالياً في السودان وهو يواجه كل أنواع الانتهاكات المعروفة وهي كثيرة ومؤلمة جداً حين تسمعها في نفس الوقت تسمع هؤلاء يتحدثون عن منح روسيا قاعدة عسكرية على البحر الأحمر.

وخلص إلى القول بأن إذا كان قدر السودانييين في الوقت الراهن أن يعيشوا مآساة الحرب فإنهم يعيشون أسواء منها، وهي المهازل التي يسمعونها من حين لآخر من هؤلاء “غير المسؤولين” في حكومة بورتسودان”.

تأجيج الموقف الأمريكي:

الخبير العسكري والأمني اللواء د. معتصم عبدالقادر يرى أن هنالك جهات أعادت طرح ملف القاعدة الروسية، في محاولة منها لتأجيج الموقف الأمريكي على السودان، وتحويله إلى موقف سلبي تجاه الحكومة والشعب السوداني، خصوصاً بعد التعهدات الأخيرة للرئيس الأمريكي بأنه قد فهم تماماً ما يجري الآن في السودان، وسيتعامل مع هذا الملف بطريقة مختلفة بعد التنوير الذي تلقاه من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن الأوضاع في السودان وفي المنطقة بصورة عامة.

وينفي اللواء عبدالقادر في حديثه لـ”راديو دبنقا” طرح الحكومة السودانية لأي عرض لنظيرتها الروسية في هذه المرحلة، والعكس، ويعتقد أن روسيا منكفئة على الداخل لانشغالها بما يجري من حرب مع أكرانيا. وليست لها أي توجهات لفتح قاعدة في البحر الأحمر في السودان أو غيره أو في أي منطقة أخرى من العالم، ويدلل على ذلك بخروجهم من سوريا راغبين في تخفيف الأعباء عليهم.

السودان من حقه أن يمنح مايشاء:

ويشدد الخبير العسكري والأمني اللواء د. معتصم عبدالقادر بالقول أن السودان لديه الحق في أن يمنح هذه الجهة أوتلك الجهة ، قاعدة عسكرية على سواحله، ويرى أن ما يفرض أهمية مثل هذا الموقع هو أن البحر الأحمر من الناحية الغربية تسيطر عليه أريتريا والسودان وجمهورية مصر والسودان يتوسط بينهما، لأن الجزء الصومالي في البحر الأحمر ضعيف للغاية ومساحته ضيقة، والسودان يتميز بموانئ خصوصا تلك التي لم يتم الشروع فيها بعد مثل أبو عمامة بموانئ عميقة وتتوسط البحر الأحمر.

ويرى أن السودان يمكن أن يلعب دوراً استراتيجياً في أمن البحر الأحمر وخصوصاً أنه مقابل للسعودية ومجاور لمصر، كما يشير إلى أن هناك قيمة استراتيجية كبيرة للبحر الأحمر كونه في تقاطعات، ما بين شرق أفريقيا وأوروبا وبين الشرق الأوسط وآسيا كل هذه قيمة استراتيجية كبرى لهذا الموقع.

كما يؤكد على أن السودان لديه القدرة السياسية والمؤسسية على تمرير هذه الاتفاقية ولكن لأسباب تعلمها الحكومة السودانية جيداً، لا يوجد طرح لهذه المسألة في مثل هذا التوقيت وهذه الخطوة غير حقيقية والسودان لم يستخدمها ككرت تفاوض في أي مرحلة.

Welcome

Install
×