بابكر فيصل لدبنقا: اتصالاتنا بقيادات الجيش ما زالت مستمرة(1-2)

رئيس المكتب التنفيذي للمكتب الاتحادي، وعضو المجلس المركزي للحرية والتغيير، بابكر فيصل - المصدر صحيفة الديمقراطي

  • اتصالاتنا بقيادات الجيش ما زالت مستمرة حتى بعد البلاغ المفتوح في مواجهة د. حمدوك.
  • لا ندعو لاستئصال التيار الاسلامي ونرفض مشاركة المؤتمر الوطني لهذه الأسباب!
  • الإطاري أو الحرب، حديث بنيت عليه كل الدعاية الحربية للذين أشعلوا الحرب بعد أن بتر عن سياقه وهذه هي التفاصيل…!!

أجرى الحوار – أشرف عبد العزيز

عام مر على حرب السودان التي تدور رحاها بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع وما زالت محاولات القوى المدنية لوقف الحرب مستمرة رغم الهجوم الفظ والعار الذي تواجهه من دعاة الحرب.. (راديو دبنقا) في هذه المقابلة الخاصة التقى برئيس التجمع الاتحادي بابكر فيصل موجهاً كثير من الاتهامات المطروحة في منضدة القوى المدنية الديمقراطية بما فيها إشعال الحرب.. إلى مضابط الحوار.

– عود على بدء هناك مقولة ظلت محل استشهاد كل دعاة الحرب الذين يتهمونكم بإشعالها (إما الإطاري أو الحرب) لا سيما وأن التصريح الذي وردت فيه هذه العبارات ينسب لشخصكم؟

– حقيقةً السؤال تكرر في الفترات السابقة (كثير جداً) ، وبنيت عليه كل الدعاية الحربية التي قام بيها من أشعلوا الحرب، هذا الحديث كان في إفطار بدار التجمع الاتحادي الديمقراطي بالعمارات بتاريخ 14 ابريل 2023، وهو اليوم الذي سبق الحرب، والإفطار حضره مئات السودانيين، وكل الحديث كان يدور حول سياق مختلف عن ما تم تداوله، حيث تم بتر جزء من الحديث لاستخدامه لربط القوى المدنية بإشعال الحرب.

سياق الحديث كان عبارة عن استشراف، لأن الواقع وقتها يقول إذا لم يتم التوقيع على اتفاق مدني توافقي ديمقراطي، فإن البلد تسير في طريق مظلم جداً وسيكون بدلاً لذلك الحرب.. لم يكن الحديث في إطار التهديد وانما جاء للفت الأنظار والحث على توقيع الاتفاق بسرعة لأن البلد على شفا الحرب.

من أشعلوا الحرب كانوا (مستعدون) وغرفهم الإعلامية كانت جاهزة، لذلك ظهر الكلام المبتور في اليوم التالي للندوة، وحاولوا أن يربطوا بين الاتفاق الإطاري وبين إشعال الحرب.

الحقيقة هي أننا حتى الساعة الثالثة صباحاً من يوم السبت الذي اشتعلت فيه الحرب كنا في مساعي لمنع وقوعها، وكنا في اجتماعات مستمرة مع قيادة الجيش وقيادة الدعم السريع، وانا على وجه الخصوص رجعت البيت عند الساعة الثالثة صباحاً، وكان من المفترض أن نلتقي في منزل الدكتور الهادي ادريس عضو مجلس السيادة عند الساعة 11 صباح السبت 15 ابريل لحضور اجتماع اللجنة المشتركة التي تم الاتفاق على تكوينها من قيادة العمليات بالجيش والدعم السريع لخفض التوترات والتحرك لمروي لتخفيض القوات في المطار ومن ثم العودة للخرطوم للقيام بنفس المهمة، ولكن للأسف اشتعال الحرب استبق كل هذه المجهودات.

القوى المدنية بريئة من اشعال هذه الحرب فهي ليس لديها مصلحة من اشعالها، فالقوى السياسية تعمل في ظل أجواء ديمقراطية وتستمد قوتها من الجماهير، وليس من مصلحتها أن تشعل حرب تفقدها السند الاجتماعي والسياسي كما يحدث الآن.

– حدثنا عن الكواليس التي دارت في ذلك الوقت، والمساعي التي بذلتموها لطي الخلاف وتقريب الشقة بين الطرفين؟

– قبل أسبوع من الحرب تحديداً في يوم 8 ابريل نجحنا في أن نجمع قائد القوات المسلحة وقائد الدعم السريع، في اجتماع استمر لمدة ساعتين، تحدثنا في بداية اللقاء عن أن البلد في كف عفريت ومتجهة نحو المواجهة، ويجب أن نجنبها هذا المصير، وان التاريخ سيحملنا جميعاً المسؤولية وأنه ما زال هنالك وقت لتجنب هذه الحرب.

– على ماذا اتفق الجنرالان وقتها؟

– اتفقوا على أن عقد اجتماع يوم الإثنين 9 إبريل يضم قائد الجيش وقائد الدعم السريع وقائدي عمليات القوتين، بغرض الاتفاق على خفض الحشود وخفض التوتر الحاصل.

للأسف اجتماع يوم الاثنين لم ينعقد نسبة لاعتذار قائد الجيش عن حضور الاجتماع، وبعد ذلك حصل التصعيد المعروف بإرسال الدعم السريع لقواته لمطار مروي.

ولم تتوقف مساعينا كما اسلفت سابقاً بل استمرت اتصالاتنا في يوم 14 وعقب الإفطار الذي أقيم في دار التجمع الاتحادي التقينا بقائد الجيش الساعة التاسعة مساءاً وتحدثنا معه عن خطورة الأوضاع ، واتفقنا على تكوين لجنة يرأسها دكتور الهادي إدريس وتضم مسؤولي العمليات من كل طرف، بحيث تجتمع في يوم 15 أبريل، وتتحرك لمروي ووافق البرهان على تكوين اللجنة، وتوجهنا بعدها لمنزل قائد الدعم السريع حوالي الساعة الواحدة صباحاً، والتقينا بعبد الرحيم دقلو وأبدى موافقة على اللجنة، وأبلغنا بأن عثمان مسؤول العمليات بالدعم السريع سيحضر للاجتماع في المكان والزمان المحددين، بعدها تفاجأنا عن الساعة التاسعة صباحاً باشتعال القتال.

ظلت مساعينا مستمرة حتى اللحظات الأخيرة لمنع وقوع الحرب. في نفس اليوم أطلقت فيديو على منصة التجمع الاتحادي بـ(الفيسبوك) ذكرت خلاله كل مساعينا لوقف الحرب وقلت من خلاله إن الرصاصة الأولى انطلقت، ومن الأفضل أن تقف الليلة قبل بكرة، لأنها حرب لن يستفيد منها طرف وسيكون المتضرر الأول منها هو الشعب السوداني.

كل المؤشرات تشير إلى إنها حرب قد تطول ولن تنتهي قريباً، والشعب السوداني ليس استثناءً عن بقية الشعوب التي استمرت فيها الحروب لعشرات السنين، رغم كل ما يتم تداوله عن السودان ليس مثل سوريا والصومال وليبيا واليمن،ولكن ثبت أننا شعب مثل كل الشعوب يمكن أن يصل فيها الاختلاف لحد إشعال الحرب. وإذا استمرت هذه الحماقات وهذه الرؤى المغرضة ستستمر الحرب 12 سنة كما استمرت الحرب في سوريا، و30 سنة في الصومال، وفي اليمن وليبيا وهكذا.

– هل ترجح الفرضية التي تقول إن هنالك طرف ثالث وراء اشعال هذه الحرب؟

– مؤكد جداً هناك طرف يملك كل المعلومات وهناك حديث مكشوف خرج من خلال الافطارات التي أقيمت في رمضان بأن الاتفاق الإطاري لن يوقع إلا على اجسادنا ولن يتم، وأن الحركة الاسلامية ما في من هو أرجل منها، بالإضافة إلى وجودهم المعلوم داخل الأجهزة الأمنية والعسكرية، وهم من فجروا هذه الحرب.

– حسب ما علمت أن الاستاذ بابكر فيصل ذهب الى السعودية وظل على تواصل مع قائد الجيش وكذلك مع الدعم السريع، ويقال إن هذه المجهودات هي التي دفعت طرفي الحرب للذهاب لمنبر جدة، ما حقيقة ذلك؟!

-الحقيقة نحن تواصلنا مع الطرفين منذ أن كنا بالداخل، وطوال شهرين ظللت فيها متواجداً بالسودان، وفي واقع الأمر الطرفين لم يكن لديهم (مانع) أن يكون هنالك أي نوع من انواع التواصل في سبيل وقف الحرب، وهناك أطراف عديدة أخرى سعت في سبيل لقاء الطرفين لوقف الحرب، وظل تواصلنا مستمراً مع الأطراف الإقليمية والدولية إلى أن قام منبر جدة.

وتفاءلنا به كثيراً في إنه يحقق اختراق في مرحلته الأولى في شهر يونيو بعد التوقيع على إعلان جدة، حيث وقعت عدد من الهُدن، ولكنها لم تكن مثمرة ولم تنجح في إيقاف الحرب إلى أن جاءت جدة الثانية في اكتوبر والمنامة في يناير والتي حققت تقدماً كبيراً من خلال المخرجات التي خرج بها الطرفان.

للأسف كل المجهودات التي بُذلت اصطدمت بالجهة التي اشعلت الحرب، والجهة التي تدعو حتى الآن لاستمرارها، ولم تتورع في انها تصدر تهديدات مباشرة لقيادة القوات المسلحة اذا اختارت طريق المفاوضات.

– هل انقطع التواصل بينكم وبين قيادة الجيش ما زال مستمراً؟

– التواصل لم ينقطع، نحن موقفنا يحتم علينا أن نكون على تواصل مع الطرفين المتحاربين، كنا على تواصل معهم قبل الحرب وبعد اشتعالها ولا نزال في تواصل مع الطرفين، كل جهودنا منصبة حول أنه لا بد من التوصل لوقف اطلاق نار مراقب على الأرض، يسمح بخلق الممرات الآمنة لوصول المساعدات، يحمي المدنيين، يمنع الانتهاكات، وهي أولوياتنا والتي ظلت هي موقف المواطن السوداني البسيط.

– هل تواصلتم مع الجيش بعد التصريحات الأخيرة وقرار النيابة الذي صدر في حق قيادات تقدم؟

– كما ذكرت سابقاً، التواصل لايزال مستمراً، ونحن نحث الطرفين للمضي في اتجاه استئناف منبر جدة، لأننا لا نرى أن هنالك أي حل عسكري قد يلوح في الأفق. وكل يوم يمر في هذه الحرب تزيد عوامل انهيار الدولة وتفككها، الذين ينادون باستمرار الحرب ينطلقون من فرضية خاطئة تماماً، وهي فرضية أن الحفاظ على مؤسسة الجيش هو كفيل بالحفاظ على الدولة وحمايتها من الانهيار، ولكن عملياً استمرار الحرب هو الذي سيتسبب في انهيار الدولة.

وسبق أن تطرقنا لهذه النقطة في ندوة الدوحة الشهيرة، وتحدثنا عن أن الحديث عن سيادة الدولة ينفيه الواقع، فالآن عملياً سيادة الدولة تآكلت، والمواطن وهو مناط وجود الدولة الآن أكثر معاناة، والمأساة الإنسانية أكثر قسوة الآن، أكثر من 8 مليون نازح ولاجئ، و3 مليون طفل خارج العملية التعليمية، والأمور تزداد سوءاً.

أكبر مهدد لوجود الدولة وكيانها يتمثل في استمرار هذه الحرب. وأي رهان على انتصار طرف على الآخر سيحقق هذا الانهيار، ونذر هذا الانهيار تتمثل في تزايد خطاب الجهوية والانقسام الاجتماعي والحشد والتحشيد المضاد على الأسس القبلية، والتدخل الخارجي أصبح شديد التأثير وظهور موجات التطرف الشديد وقطع الرؤوس.

– أثبت التيار الذي تتهمونه بإشعال الحرب أنه أكثر مراساً وهو على استعداد لمواصلة الحرب، فلماذا لا يكون الحوار معه مباشرة. لماذا ترفضون الحوار الذي لا يستثني أحد بما في ذلك المؤتمر الوطني المحلول والحركة الاسلامية؟

– تكرر هذا السؤال كثيراً، ولابد من الحديث عنه بكل وضوح، ولنتمكن من شرحه يجب أن نتساءل، هل نحن كقوى سياسية مدنية دعاة لاستئصال أي تيار فكري معين في السودان؟ الإجابة قطعاً لا، فمن المستحيل أن تستأصل الأفكار من أذهان الناس هذا أمر مستحيل، وهذه حقيقة يجب أن نثبتها، فقد نازلنا هذا التيار30 عاماً، بالفكر وبالسياسة وبالسجون وبالقوة المدنية إلى أن استطعنا إسقاطه من السلطة وأن نبعد الطاغية الذي كان على رأس النظام، عليه، نحن ما عندنا هدف كما يروج من استئصال التيار الإسلامي.

نحن في الاتفاق الإطاري اتفقنا على وجود الإسلاميين حتى الذين كانوا جزء من النظام في مراحل سابقة، ولكن صححوا موقفهم من الثورة وشعاراتها ومن التحول المدني الديمقراطي، لأنه غرضنا الأساسي هو وضع البلاد في المسار الصحيح وهو مسار التحول المدني الديمقراطي الذي أسست له ثورة ديسمبر 2018.

لذلك المؤتمر الشعبي الذي أعلن موقفه من النظام منذ العام 2018، وأعلن موقفه من انقلاب 25 أكتوبر 2021، اعتبرناه تيار صحح مواقفه وبالتالي يستحق إنه يكون موجوداً، ضمن القوى التي ستكون ضمن عملية الحوار وضمن العملية السياسية. بالتالي، نحن ما عندنا خصومة مع تيار الإسلاميين العريض بهذا الشكل.

 لماذا المؤتمر الوطني والواجهات التي تتبع له؟

أولاً: كما نعلم جميعاً إن المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية حكما السودان ثلاثين عاماً، خلال هذه الـ(30) عاماً، وبعد الثورة العظيمة التي خرج فيها الملايين وشهدها كل العالم، وحتى اللحظة التي نتحدث فيها الآن هم لا يعترفون بثورة ديسمبر، ويمسونها انقلاب اللجنة الأمنية على نظامهم.

 ثانياً: هم حتى هذه اللحظة لم يكتبوا سطراً واحداً في نقد تجربتهم التي استمرت 30 عاماً.

 ثالثاً: هم حتى هذه اللحظة لم يخاطبوا الشعب السوداني بأي اعتذار عن كل الممارسات والانتهاكات التي بدأت بدق المسمار على رأس الشهيد الدكتور علي فضل في 89، وانتهت بإدخال الحديدة في دبر الشهيد الأستاذ أحمد الخير في 2019 وبالتالي هذا الأمر مختلف.

رابعاً: النظام البائد ظل يهيمن على أجهزة الدولة بشقيها المدنية والأمنية، وهذا ليس كلاماً نطلقه جزافاً، ولكن هو كلام مثبت على لسان قادة النظام نفسه، وكلام البشير نفسه.

الآن هم ليس لديهم استعداداً للتنازل عن هذه الامتيازات، التي خلقوها وراكموها خلال الثلاثين عاماً، ويريدون أن يدخلوا مباشرة للانتخابات ليعيدوا إنتاج نفس النظام السابق، وهذا هو جوهر الموضوع.

عندما يتحدثون عن قوى الحرية والتغيير والقوى التي واجهتهم، يدركون تماماً أن هذه المجموعة مدركة لهدفها. لذلك قد يتسامحوا مع بعض الفئات التي تدعي أنها هي الحرية والتغيير وهم الآن لا يواجهونها، ويتركونها في دور أحزابها تقيم الليالي الشعرية والأمسيات السياسية، لكنهم يدركون تماماً أهداف قوى الحرية والتغيير. إذا لم يتم تفكيك كل مفاصل النظام السابق، وسيطرته على الاقتصاد وعلى موارد الدولة السودانية لن تكون هناك انتخابات عادلة.