الهبوط الناعم

الهبوط الناعم هوعملية نزول طائرة أو مركبة فضائية بصورة ناعمة وآمنة للأرض ثم استعير للحلول الجيدة أو السهلة للمشاكل السياسية أو الاقتصادية ويقابله الهبوط التصادمي أو الخشن. لأسباب كثيرة تبنينا الهبوط الناعم حفاظاً على البلاد والعباد. من تلك الأسباب:

د عبد الرحمن الغالي

 

بقلم : د عبد الرحمن الغالي

 

نصيحة لوجه الله تعالى

(1)

الهبوط الناعم هوعملية نزول طائرة أو مركبة فضائية بصورة ناعمة وآمنة للأرض ثم استعير للحلول الجيدة أو السهلة للمشاكل السياسية أو الاقتصادية ويقابله الهبوط التصادمي أو الخشن. لأسباب كثيرة تبنينا الهبوط الناعم حفاظاً على البلاد والعباد. من تلك الأسباب:

1) هشاشة الوضع السوداني: إجتماعياً وسياسياً وأمنيا واقتصادياً بسبب سياسات الانقاذ.
2) تفشي السلاح وثقافة العنف.
3) تعدد الجيوش والمليشيات الرسمية والمليشيات القبلية ومليشيات المؤتمر الوطني والحركات المسلحة الموالية للحكومة والمعارضة لها. وهذا يعني عدم احتكار الجيش للسلاح.
4) تسييس الجيش وعدم قوميته لا سيما حزبية كبار الضباط خاصة من الدفعة 40 وما بعدها.
5) عدم مهنية الجيش بسبب التسييس وبسبب انغماس قياداته وكبار ضباطه في التجارة وتوليهم عضوية مجالس إدارة شركات الجيش وارتباط مصالحهم بالنظام ومعارضتهم الانحياز لأي نظام ديمقراطي يحرمهم من تلك الامتيازات.
6) الحدود المفتوحة على كل دول الجوار وسهولة دخول أعداد كبيرة من الأجانب وتأثر البلاد بنمط النزاعات في تلك الدول.
7) التدخل الدولي والاقليمي الكثيف في شؤون البلاد.

بعض تلك الأسباب كان يجعل من الانتفاضة بشكلها التقليدي في عداد المستحيل لسببين: الأول صعوبة تتويج الانتفاضة بعصيان مدني شامل يشل الحياة والثاني صعوبة انحياز القوات المسلحة للانتفاضة لعدم قوميتها ولولاء قادتها للنظام ولعدم احتكارها للسلاح ولتعدد القوات نفسها وصعوبة التنسيق – لمن يريد الانحياز للشعب – بين القوات المتعددة الحاملة للسلاح.

تم التغلب على السبب الأول بالخروج الكثيف المتوالي للشعب السوداني وفي كل المدن مما شل الحياة دون الحاجة للعصيان المدني وتم التغلب على المعضلة الثانية بأن النظام المخلوع كان قد جمع الأجهزة والقوات الأمنية والعسكرية في لجنة واحدة هي اللجنة الأمنية مما سهل اجماعها على خلع البشير والاستمرار بدلاً عنه في شراكة مع المدنيين وكان ذلك انتصاراً جزئياً للثورة.

(2)

امتلك المدنيون ثلاثة أسلحة هي:

1) زخم الشارع والمد الثوري الكبير وتغلغل روح الثورة وأدبياتها في كامل المجتمع ولم يعد الشأن العام محصوراً في النخب السياسية.
2) الوثيقة الدستورية التي منحت المدنيين كامل الصلاحيات التنفيذية وجعلت مجلس السيادة المشترك ذا الأغلبية المدنية مجلساً شرفياً.
3) كان ذلك الاتفاق مشهوداً ومراقباً ومضموناً من قوى دولية واقليمية.

أضاع المدنيون نلك الأسلحة بابتعادهم عن الشارع كقوى سياسية فلم ينظموا الندوات ووسائل الاتصال الجماهيري ولم يملكوا الشارع المعلومات ( عدا مجهودات الامام الصادق والتي بدلاً أن يشكر عليها دعت الغيرة الآخرين أن ينظروا لها كحملات انتخابية) وتنازلوا عن صلاحياتهم للعسكر ولم يقوموا بمجهودات تبطل وتجهض رغبة دول الاقليم في اجهاض الانتقال الديمقراطي.

يتحمل رئيس الوزراء وزراً كبيراً بعدم شفافيته وغموضه وصمته وضعفه وتنازله عن صلاحياته وتهميشه لقوى الحرية التي جاءت بهوخضوعه التام للعسكر وانشغاله بسفاسف القضايا ومحاولة ارضائه للدول الغربية وبعده عن قضايا الوطن الرئيسية وحرائقه وانعزاله عن الشعب لدرجة أنه لم ينظم مؤتمراً صحافياً مفتوحاً ولم يخاطب لقاءً جماهيرياً.

من جهتهم لم يقتنع العسكريون بالثورة والتغيير وإنما جاءوه مكرهين ولكن تحت اغراء ضعف المكون المدني وتحت ضغط دول الشر وبسبب مخاوفهم وأطماعهم قاموا بالانقلاب الحالي.

(3)

• كان يمكن للتغيير أن يفتح صفحة جديدة للعسكر إذا مضوا باخلاص مع التغيير وأحدثوا قطيعة مع النظام البائد ولكنهم أضاعوها فكان هذا هو الخطأ القاتل الأول لهم. الآن لا يمكن فتح تلك الصفحة بنفس السهولة.

• كان يمكن لهم أن يصبروا على علاج حالة الانقسام في القوى السياسية عن غير طريق الانقلاب ولكنهم مضوا في خلق حاضنة جديدة وعالجوا الانقسام بالقوة لا بالحوار والآن فشل ذلك الطريق وأصبحوا يطلبون الحوار والشارع يمتنع عن ذلك.

• في أثناء تهيئتهم المناخ للانقلاب: قطعوا طريق الميناء –ضمن تدابير أخرى مثل الانفلات الأمني- لخنق الحكومة المدنية والآن يرتد إليهم نفس السلاح: إذ بدأ استخدامه في الشمال بقطع الطريق الرابط بمصر ( بلغ التبادل التجاري في النصف الأول من عام 2021 أكثر من 700 مليون دولار ما يعادل 4 مليون دولار في اليوم) كما تم قطع طريق الفاشر نيالا وربما استخدم المواطنون هذا السلاح الذي ابتدره العسكر فانقلب عليهم خاصة وأن الطرق طويلة ومأهولة على جانبيها بالسكان مما يسهل قطعها في عدد لا متناهي من المواقع. قطع طريق الشرق خطأ ثالث ارتد عليهم.

• الآن بدأوا يقعون في خطأ رابع أود أن يرجعوا عنه سريعاً. فبعد الانقلاب وبدلاً من السماح للاحتجاجات قاموا بقمعها وقتل المتظاهرين وإذلالهم وارتكاب فظائع تخلق مزيداً من الغبن والقطيعة، ولذلك تأتي نصيحتي حتى لا نصل مرحلة اللا عودة.

(4)

البطش الشديد والقمع والاعتماد على الحل العسكري سواء من تلقاء أنفسهم أو بتحريض من رعاتهم الاقليميين ستكون عواقبه وخيمة.

– صحيح سيكون هناك ضحايا بأعداد ضخمة .

– وصحيح يمكن أن تقل أعداد المتظاهرين المتجمعين في مكان واحد.

– وصحيح قد يحرك ذلك بعض المشفقين للدعوة لحقن الدماء .

ولكن البطش:

– سيزيد الرفض الشعبي للنظام ولقادته ومهما قتلوا فإن الشعب سيكون أكثر منهم عدداً وسيؤول حكمهم إلى زوال.

– سيبتدر الشعب وسائل أخرى سلمية إذا رأى أن الصراع صار صراع بقاء ووجود. أخمن نوع تلك الوسائل السلمية ولا أذكرها حتى نترك مجالاً للعودة بأقل الخسائر

– إذا صار الأمر لثورة شاملة فستتم إعادة النظر الجذرية في علاقات السودان الخارجية وتنشأ عصبية قومية سودانية تخلق قطيعة جذرية مع الدول الداعمة للانقلاب. وكلنا يذكر أن غردون لما استفحلت الثورة أرسل للمهدي يعينه حاكماً على كردفان فلم يجد استجابة إلا دعوة المهدي له بالانخراط في سلك المهدية أو الالتحاق بأهله وتسليم البلاد لأهلها. وهو نفس الرد الذي رد به النجومي على دعوة الجيش الغازي له بالتسليم حين قال لهم ( لن تجدوا منا إلا جبة متروزة وحربة مركوزة). يجب تجنب نقطة اللاعودة بين السودانيين والسماع لصوت العقل.

لذلك نصيحتي لقادة الانقلاب أن خطة القتل ونشر الفوضى والارهاب لن تجدي في الحفاظ على الكرسي وفي حالة الشعب السوداني تأتي بنتائج عكسية فبقدر ما يزيد القتل ستزيد فرصة استئصالكم. وبقدر ما تجنحوا للسلم تكون فرصة توفير مخرج آمن لكم خارج السودان متاحة.
سيناريو العنف قد يستمر ولكنه سيؤجج ثورة مهما طال بها الزمن ستنتهي بانتصار الكثرة ( الشعب) على القلة ولكم في ثورة السودان الكبرى عظة وعبرة لو كنتم تعقلون. وفي الأثر أنه صلى الله عليه وسلم ما خُيّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما. وأنه ما دعاه خصومه لخطة سلم إلا أجاب.
ونصيحتي للدول التي تدعم الانقلاب بسبب مخاوف أو مطامع تعالوا إلى كلمة سواء:

– من كانت له مخاوف من انتشار تطرف أو إرهاب فإن السودان الديمقراطي أنسب لكم وأكثر أمناً. ومن كانت له مخاوف من أي نوع فهي قابلة للحوار المفتوح المتكافئ.

– ومن كان يخشى من ضيق أرضه فإن أبواب السودان مفتوحة للتعاون الايجابي الذي يكسب فيه الجميع بالمزارعة والشراكة وحتى استقبال من ضاقت به أرضه وقلت موارده.

– ومن كانت له أموال فإن أبواب السودان مفتوحة له للاستثمار والتعمير في كل المجالات.

– موارد السودان الزراعية من ماء وأرض والمعدنية والحيوانية والطبيعية ضخمة واذا تعاون معنا الأشقاء فسيكسبوا أضعاف ما يكسبون الآن مع ديمومة الكسب واقترانه بالرضا والتوسع خلاف الوضع الآن . أما من يرفض المشاركة العادلة المتكافئة والمصالح المشتركة ويسعى لنهب ثروات السودان فسيخسر على المدى الطويل وإنا نربأ بأخوتنا من الطمع في مواردنا ونهبها واستغلال خوف العسكر وجشعهم.

– يجب استعادة المسار المدني الديمقراطي ، فقد تخلص السودان من نظام ايديولجي حارب العالم وهدد الاستقرار الاقليمي والدولي لذلك كان من المأول دعم النظام الجديد وانجاح الانتقال لا عرقلته واتاحة الفرصة لعودة ذلك النظام.

– يجب المحافظة على استقرار السودان وارجاع المسارالمدني بنصح العسكر بذلك لأن انزلاق السودان لا قدر الله ستكون له آثار كبيرة على كل دول الجوار فكيف يسعى عاقل لجر البلاد أو المساهمة في جرها لذلك المصير الذي يهدد أمنه القومي.
هذه كلمات صريحة ولكن صديقك من صدَقك وليس من صدّقك.