المؤثرون في السوشيال ميديا، منتجو المحتوى كما يطلقون على أنفسهم ينجحون أحيانا لدرجة اصابتهم بالثراء الظاهر من مداخيل الإعلانات في قنواتهم.

من أجل رد الجميل على الالتفاف الجماهيري الكبير من قبل متابعيهم يقرر بعضهم تنظيم أعمال خيرية تستهدف المجتمعات التي يعيشون فيها والأفراد على حد سواء لإشاعة روح التعاون والتعاضد داخل المجتمع.

هذه واحدة من محامد السوشيال ميديا ووجه من وجوهها المشرقة في زمن أصبحت فيه مثل هذه المنابر تعج بخطاب الكراهية والتنمر والاخبار الكاذبة والمفبركة ونجوم صغار تدفعهم روح الأنا يشيعون ثقافة الاستهلاك ويوحون بأسوأ ما انتجته الرأسمالية، فمعظمهم صغار في السن وتهبط عليهم الأموال فجأة وتباغتهم الشهرة السريعة.

اتابع في الفترة الماضية بكثير من الاهتمام نماذج لصانعي المحتوى الذين ينزلون الشارع بحثا عن قصص المقهورين والمعوزين في المجتمع الذين يشكلون جزء من ظاهرة الفقر الصامت المستتر في المجتمعات الغربية.

في الولايات المتحدة الأمريكية يطالعنا صانع محتوى بفيديو له في احدى محلات السوبر ماركت يحاول من أجل الحصول على قصة متميزة أن يستدرج جمهرة المتسوقين بسؤالهم أن يهبوه مبلغا صغيرا من المال لشراء خبز أو قارورة مياه، أشياء صغيرة يحتاجها الكل ويفتقدها الكل إذا لم يتوفر على مبلغ شرائها.

نكتشف من خلال مثل هذه الفيديوهات أن مفاهيم التسول والتشرد لا تنحصر بالضرورة في شريحة المدمنين والسكارى أو المشردين فاقدي المأوى. قد ترى اسرة عادية من زوجة وزوجها وطفل لا يستطيعون في الواقع شراء ما يكفيهم من مؤونة الأسبوع.

نعود لقصة صانع المحتوى الذي تسول مبلغا صغيرا لشراء الطعام في السوبر ماركت. تصدى لمساعدته شاب صغير لم يبلغ سن الرشد من أصول افرو أمريكية، يرتدي بنطلون وقميص وربطة عنق حمراء، تبين لاحقا أنه عائد من قداس في الكنيسة. طلب منه صانع المحتوى أن يهبه مبلغا صغيرا ليشتري طعاما. اخرج الشاب الصغير مبلغ 5 دولارات يبدو انها كل ما يملك ووهبها للسائل.

فعل ذلك وعلى وجهه مسحة واضحة من الحزن والأسى. سأله صانع المحتوى لماذا تساعدني بمبلغ يبدو انه الأخير في جيبك؟ أجاب الشاب بأنه فعلا في ضائقة مالية، والده هجر الاسرة والوالدة تعمل في ورديات مختلفة كي تدبر بعض ما تحتاجه الاسرة، وانه بصدد البحث عن هدية بسيطة لأخته الصغرى التي ستحتفل بعيد ميلادها الخامس. أضاف الشاب: وضعنا المادي صعب ولا أحد ينتبه لعيد ميلاد اختي لذلك قررت ان اجيء للسوبر ماركت علني أجد شيئا رخيصا مناسبا حتى لا تظن اختي أن الجميع يهملها ولا أحد يهتم بعيد ميلادها.

امتد الحوار والحكي بين الاثنين، لنتبين أن وراء كل شخص مهما كان مظهره قصة ما. ومعظم الأشخاص الذين يبدو بشكل (عادي) يحملون مأساة خلف مظهرهم المحايد. والناس يحكون لبعض بانفتاح وأريحية حين يتعرفون على ضعفهم في الآخر.. حين تشحذ من أجل الطعام سيطمئن لك الآخر ويخبرك أيضا بأنه يأكل وجبة واحدة في اليوم مثلا. الغطرسة الاجتماعية والادعاء هي التي تضع الحواجز بين الأفراد وتحول دون تبادل الدفء الإنساني.

في ختام التجربة الاجتماعية في السوبر ماركت شكر صانع المحتوى الشاب الصغير، وكلنا بحاجة لشكر الآخر في بعض الأحيان، وأخبره بأنه يعتبر مثالا للمواطن الانسان الذي يؤثر الاخر بما لديه رغم حاجته الشخصية للمال .. وأن فعل الخير للآخر يعود عليك بشكل من الاشكال، ويعود على المجتمع بشكل عام بالخير الوفير.

هذا نموذج من نماذج الاستخدامات الفاعلة للسوشيال ميديا وترجمة النجاح على منابرها الى فعل واع يهدف لخير المجتمع وإشاعة روح التعاون والمحبة. أهدي النموذج للشباب السوداني النشط على هذه المنابر فالمجتمع السوداني في ظل الحرب في أمس الحاجة لمجهوداتهم.

إبراهيم حمودة – راديو دبنقا