السفير المقلي: قرار مجلس الأمن 2724 غير ملزم ولكنه “كرت أصفر” للطرفين

مجلس الامن الدولي

اعتمد مجلس الأمن قراراً بالرقم 2724 لوقف فوري للعدائيات بالسودان، رحبت قوات الدعم السريع من جانبها بالقرار، ووضعت الحكومة شروطاً للقبول به، وأعلن مساعد القائد العام للقوات المسلحة الفريق ياسر العطا في لقاء تعبوي في كسلا بحضور وزير المالية جبريل إبراهيم رفضهم لأي هدنة في رمضان أو غيره.. “راديو دبنقا” ناقش مع السفير الصادق المقلي أبعاد القرار وخرج بالإفادات التالية:

حوار – أشرف عبد العزيز

أهمية القرار:

قال السفير المقلي “إن أهمية هذا القرار تكمن في إنه هو أول قرار يصدر بإجماع من مجلس الأمن بالرقم 2724، منذ اندلاع هذه الحرب في 15 أبريل” وأضاف في المرات سابقة كان مجلس الأمن يكتفي بالاستماع للتقارير، سواءً من المحكمة الجنائية الدولية أو من المفوض السامي لحقوق الإنسان، أو من العمامرة، أو المنظمات المتخصصة كالصحة العالمية، برنامج الغذاء العالمي، واليونيسيف، وفريق العمل في دارفور، يستمع لكل هذه التقارير ويكتفي فقط إما ببيان، والإشادة أو إبداء القلق، ولذلك هذه المرة (الكلام دخل الحوش)، كما نقول بالدارجي، دخل (حوش نيويورك)، وأفتكر هذه هي ضربة البداية ونقلة نوعية في تعاطي المجتمع الدولي والأمم المتحدة حول النزاع في السودان.

إجماع دولي ولكن

من الملاحظات أيضاً بحسب المقلي أن هذا القرار 2724أتخذ بإجماع دولي حيث وافقت عليه كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بما فيها الدول دائمة العضوية، والامتناع الروسي في النهاية يعني الموافقة، لأن روسيا لو اعترضت واستخدمت حق (الفيتو) لفشل القرار، وأردف قائلا “لو تم استخدام (الفيتو) لاكتشفنا عوار النظام الدولي في مثل هذا النوع من القرارات، لكن من المؤكد أن ذلك لا يعفي الدول من ارتكاب الجرائم، ولا يعطيها كرت أخضر للإفلات من العقاب. ولذلك تأتي أهمية هذا القرار في انتقال موقف الأمم المتحدة من الإشادة وابداء القلق إلى إصدار قرارات على هذا النحو”.

البروتوكول الأول الاختياري وليس الفصل السابع

ويواصل السفير الصادق بالقول “ملاحظتي على هذا القرار أنه لم يصدر تحت الفصل السابع ولا الفصل السادس، ولا أي فصل ومرجعيته معيوبة”، وحسب تجربتي ومعرفتي بالآليات التعاقدية المتعلقة بحقوق الإنسان. المرجعية المشار إليها في هذا القرار هي البروتوكول الأول الاختياري، وهو ملحق بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لسنة 1976، السودان موقع على هذا العهد، لكن هذا البروتوكول اختياري، وحتى الدولة المنضوية تحت عضويته يحق لها الانسحاب في أي وقت، فالبروتوكول الاختياري أصلاً يتعلق بشكاوى الأفراد، يعني إذا في أي فرد تعرض لتعذيب أو اعتقال أو غيره، يحمل شكواه للجنة المختصة بموجب هذا البروتوكول، وتقوم بدراسة هذه الشكوى.

الآليات التعاقدية

ويتابع الملاحظة الثانية هي أن هذه الآليات التعاقدية الخاصة بحقوق الإنسان، ليس لها علاقة بالحرب الدائرة في السودان، هذه قضايا لها علاقة بحقوق الإنسان. إذا لاحظنا في فقرة الديباجة هناك إشارة لانتهاك القانون الدولي الإنساني، وفي الفقرات العامة الأخيرة هناك إشارة أيضاً للقانون الدولي الإنساني. القانون الدولي الإنساني هو قانون الحرب وقانون النزاعات، لذلك المرجعية الأساسية لهذا النزاع ليست هي البروتكول المبدئي الاختياري الذي يعالج في منصة (جنيفا).

لذلك بدلاً عن البروتكول الاختياري، كان يجب أن تكون المرجعية هي القانون الدولي الإنساني وهو قانون معني بالنزاع والحرب، ومضمن في اتفاقيات جنيف التسعة وأربعون، والبروتوكول الإضافي الأول والبروتوكول الثاني، والبروتوكولان معنيان بأسرى الحرب، والجرحى، والحركات المسلحة والتمرد وهكذا. هذه هي المرجعية الحقيقية. وليس البروتوكول الاختياري، فهذا البروتوكول ملحق بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.

نعم أثناء الحرب كانت هنالك اعتقالات هنا وهناك، لكن أنا افتكر أن هذا الموضوع كان من المفترض أن يعالج وفق مرجعية مستندة على اتفاقيات جنيف الأربعة، والبروتوكول الإضافي الأول والثاني، وهما معنيان بالنزاعات والحرب والأسرى، وجرحى الحرب كما ذكرت.

جانب الصواب

هذا القرار جانب الصواب في مسألة المرجعية القانونية، ورغم ذلك تنبع أهميته كما أسلفت في إنه أول قرار يصدر بإجماع من مجلس الأمن، ولكنه غير ملزم لأي طرف (إلزام إجرائي أو قانوني)، لأنه لم يرد تحت الفصل السابع.

لكن الالتزام الأخلاقي والأدبي مهم، لأنه هناك إجماع دولي بأن السودان في طريقه إلى كارثة إنسانية، وهنالك نذر مجاعة ونذر انهيار للبنية التحتية، وهدم للنسيج الاجتماعي في السودان، وعلى الرغم من عدم الزامية القرار، يمكن اعتباره بمثابة كرت أصفر، أشهره مجلس الأمن لأطراف النزاع في السودان، وكعتبة أولى في سبيل وقف هذه الأزمة.

شروط الخارجية السودانية غير موقفة

وفي المقابل هنالك التزام أخلاقي وأدبي من الطرفين، بأن كل المنظمات والعالم كله الآن إقليمي ودولي أجمع إجماعاً كاملاً على ضرورة وقف الحرب، لأن هذه الحرب حرب كارثية أصابت حتى وجود الدولة، حيث أصبحت الدولة على حافة الانهيار. وأصبحت في مصاف الدول الفاشلة.

تحدث الأمين العام غوتريرش عن ذلك، وكل المندوبين عقبوا على إفادة الأمين العام بضرورة الوقف الفوري وغير المشروط لإطلاق النار، وأفتكر إن الشروط التي وضعتها وزارة الخارجية غير موفقة فيها، حتى الأمين العام تحدث عن رمضان وقيم رمضان، فما بالك بالمسلمين، لذلك لابد من أن نحتكم لصوت العقل، لابد أن يكون هناك وقف للعدائيات، يمهد لوقف إطلاق نار دائم ولعملية سياسية تضع حد لهذه الأزمة الكارثية التي ظل يدفع ثمنها المواطن السوداني على مدار الساعة، منذ قرابة العام.

القرار الثاني:

النقطة الثانية المهمة هي القرار الثاني، الذي صدر في نفس الجلسة وهو القرار 2725 الخاص بفريق العمل عن السودان وتحديداً عن دارفور، وهو المعني بالأمن والاستقرار في دارفور، بموجب القرار 1991 لسنة 2005، هذا القرار قديم متجدد، القرار 2725 يقضي بتمديد ولاية فريق العمل، الذي قدم تقرير في نهاية فبراير حول الأمن في دارفور واتهم فيه الدعم السريع بتلقي مساعدات عسكرية من دولة الإمارات، وقال “إن الجيش يتلقى دعم عسكري من رجال أعمال، دون أن يفصل في هذا، ولذلك كل الدول بلورت مواقفها على فريق العمل”

القرار الخاص بدارفور يتم تجديده منذ 20 عاماً، وفعلاً دارفور تنزف، وبها حالياً أكثر من ثلاثة مليون نازح ولاجئ في داخل وخارج السودان، والحرب زادت الطين بلة، وزادت النزوح، وحسب التصنيف العالمي وحسب التقارير الدولية، السودان يشهد أكبر موجة نزوح في تاريخ العالم، والمواطن السوداني هو ضحية لهذه الحرب، فالحرب دخلت كل بيت، حتى المناطق الآمنة نفسها، كل سكانها يعانون إما بسبب ضغط النازحين، أو اكتووا بنار الحرب.

افتكر أن هذه هي الفرصة الأخيرة للطرفين لكي يضعوا حد لهذه الكارثة وإسكات البنادق كما ذكر الأمين العام، والعودة لطاولة المفاوضات، للتفاوض حول كيفية إنهاء هذه الحرب القذرة، التي دمرت الشجر والحجر، وقضت على الأخضر واليابس وقضت على البنية التحتية وقضت على البشر، وأخرجت الناس من ديارهم وشردوا بسبب الحرب داخل وخارج السودان.

القرار في حد ذاته قرار يعكس ارتباكا دوليا بخصوص النزاع في السودان، وهو خطوة تعقبها خطوات إذا لم يلتزم الطرفان بوقف إطلاق النار الفوري والعودة لطاولة المفاوضات.