الحركات المسلحة السودانية: بنية العقل السلطوي و التحرير الشعاراتي

مدخل: هذا المقال يقوم علي نقد الحركات المسلحة السودانية و منطلقاتها و مواقفها السياسية، و بالذات مواقف بعض قياداتها عبر المرحلة الراهنة من خلال تحالفها مع العسكر.. لكن مع هذا فهو لا يعمم الرؤية من حيث المواقف تجاه كل الذين حملوا السلاح اعتقادا منهم بكونهم حملوه من أجل التحرير كما صورت لهم قياداتهم ذلك من خلال طبيعة الصراع في السودان، و بالتالي فأن حملهم للبندقية لا يمكن النظر اليه نظرة غير تقديرية، اذ يوجد الكثيرون منهم يعتقدون في قضية التحرير ، و بالتالي صدق نواياهم..الأشكالية ان بعض قيادات هذه الحركات و التي شحنت تلك القاعدة بشعارات التحرير و بقضية الهامش- المركز، فانه و بما يبدو من ممارسات فكأنها لا تؤمن بالثورة الحقيقية ضد الظلم و لا بحرية الشعوب في مطالبها المشروعة بالتحرر من القهر و قمع السلطة، اذ تتماهي بعض هذه الحركات في الراهن السياسي مع سلطة العسكر عبر انقلابهم علي ثورة ديسمبر و خط الديمقراطية، مما يطرح ذلك سؤالا جوهريا حول طبيعة الصراع و فهم الحركات المسلحة لقضية التغيير في السودان، و هل العسكر يمكن ان يساعدوا في قضية التحرير؟ و لماذا تتماهي الحركات المسلحة معهم؟ و مع هذا فان هذا المقال و من اجل الانصاف يقوم بالتفريق بين المواقف لدي هذه الحركات و لا يضعها في نفس المستوي من حيث قربها او بعدها عن السلطة و العسكر، و لكن من حيث المفاهيم و المنطلقات فلا يوجد تمايز جوهري بينها..

 

بقلم : أحمد محمود أحمد

 

مدخل: هذا المقال يقوم علي نقد الحركات المسلحة السودانية و منطلقاتها و مواقفها السياسية، و بالذات مواقف بعض قياداتها عبر المرحلة الراهنة من خلال تحالفها مع العسكر.. لكن مع هذا فهو لا يعمم الرؤية من حيث المواقف تجاه كل الذين حملوا السلاح اعتقادا منهم بكونهم حملوه من أجل التحرير كما صورت لهم قياداتهم ذلك من خلال  طبيعة الصراع في السودان، و بالتالي فأن  حملهم للبندقية لا يمكن النظر اليه نظرة غير تقديرية، اذ يوجد الكثيرون منهم يعتقدون في قضية التحرير ، و بالتالي صدق نواياهم..الأشكالية ان بعض قيادات هذه الحركات و التي شحنت تلك القاعدة بشعارات التحرير و بقضية الهامش- المركز، فانه و بما يبدو من ممارسات فكأنها لا تؤمن بالثورة الحقيقية ضد الظلم و لا بحرية الشعوب في مطالبها المشروعة بالتحرر من القهر و قمع السلطة، اذ تتماهي بعض هذه الحركات في الراهن السياسي مع سلطة العسكر عبر انقلابهم علي ثورة ديسمبر و خط الديمقراطية، مما يطرح ذلك سؤالا جوهريا حول طبيعة الصراع و فهم الحركات المسلحة لقضية التغيير في السودان، و هل العسكر يمكن ان يساعدوا في قضية التحرير؟ و لماذا تتماهي الحركات المسلحة معهم؟ و مع هذا فان هذا المقال و من اجل الانصاف يقوم بالتفريق بين المواقف لدي هذه الحركات و لا يضعها في نفس المستوي من حيث قربها او بعدها عن السلطة و العسكر، و لكن من حيث المفاهيم و المنطلقات فلا يوجد تمايز جوهري بينها..

 

نقد المنطلقات والممارسات

 

قضية التحرير لا ترتبط بحمل السلاح و بالتالي طرح رؤية سياسية فحسب، انما تتجاوز ذلك لتتحول الي قيمة انسانية تدرك أبعاد المظالم لتتحول الي قضية أخلاقية يتحول فيها الشخص الي حالة التجرد و نكران الذات، و بالتالي فهو يحرر نفسه اولا من الكراهية و الانانية و يتماهي مع صيغة العدل و الأنصاف حتي عندما يتتصر علي اعداءه..نلحظ ذلك عند المناضل الراحل نيلسون مانديلا في جنوب أفريقيا، حيث طرح مفهوما اخلاقيا ارتبط ببعد انساني و هو المصالحة و التي نظر فيها لمستقبل جنوب أفريقيا و ليس لمرارات الماضي..كما ان مارتن لوثر كينج في امريكا نظر لقضية التحرير ضمن مفهوم العدل للسود دون ان يحمل سلاحا في مواجهة البيض و انتصر لقضية السود في امريكا ضمن تجسيد منظومة الحقوق المدنية..في المقابل و في الحالة السودانية فان التحرير ببعده الاخلاقي قد تحول الي مجرد شعار قصد منه الحشد و التعبئة من اجل الوصول الي السلطة، دون اكمال شروط التحرير و الوصول للأهداف المرتبطة بالتغيير الجذري… اذن ماهي الاسباب الكامنة وراء ذلك؟ الاسباب عديدة و متداخلة لكن يمكن ادراجها في الآتي:

 

اولا: في دراسة و كما يقول صلاح جلال عن حركات الكفاح المسلح اعدها مجموعة من الباحثين في جنوب افريقيا لصالح معهد راند(Rand Institution] يقولون بأن ٩٨%  من حركات الكفاح المسلح لا تدعم التحول الديمقراطي في بلدانها اذا انتصرت و هي في الغالب حركات انفجار مطلبي تتصل بقضايا اهمها السلطة و الثروة..و هذا البحث ينطبق علي قوي الكفاح المسلح السودانية عبر تطورها التاريخي..فاذا اخذنا الحركة الشعبية لتحرير السودان و هو النموذج الذي اخذت به حركات دار فور، فأننا نجد ان الحركة الشعبية و بالرغم من الشعارات المرتبطة بتحرير السودان، و بناء سودان جديد انتهت لتتحول الي حركة اثنية في جنوب السودان، و لهذا يقول المثقف الجنوبي البارز بيتر ادوك نيابا(  ان الحركة/ الجيش الشعبي لتحرير السودان لم تخض حرب التحرير الوطني لتخفيف الاستغلال، بل لتعيد علي الجماهير نفس المصير الذي طالما كافحوا ضده..بل يذهب الي اكثر من ذلك و باعتباره احد كوادر الحركة الشعبية الي القول ان( ثورة الحركة الشعبية ثورة زائفة لأنها افتقرت للايدولوجيا السياسية و تجنب قادتها التدريب الايدولوجي و التنوير السياسي للجماهير) اذ يؤكد السيد بيتر انه لا وجود حقيقي لتنظيم و مؤسسات داخل الحركة الشعبية فهي مجرد مؤسسة عسكرية لأنها قمعت الوعي الاجتماعي و السياسي حسب النزعة العسكرية و عبادة الزعيم الفرد..و لهذا شهد العالم و بعد ان  وصلت الحركة الشعبية للسلطة في الجنوب اسوأ انواع الصراعات و منظور القتل علي الهوية اذ تحولت الحركة الشعبية الي مجرد اثنيات تتصارع من اجل السلطة و الثروة، اذ اصبح الفساد سمة بارزة لقيادات الحركة الشعبية ..لكن مع هذا و قياسا  بالحركات المسلحة الاخري فقد توفر للحركة الشعبية غطاء نظري من خلال شخصية الراحل الدكتور قرنق، و تم طرح مشروعا مهما وهو مشروع السودان الجديد، و لأن القيادة هي قيادة الفرد و ليست المؤسسة فقد انتهي ذلك المشروع بموت قرنق، ليتحول مشروع السودان الجديد الي منظور انفصالي للاقليم و من ثم الي مشروع قتالي اثني ادي الي قمع فكرة التحرير لتتحور الي فكرة استغلال للجماهير الكادحة و تدمير ثرواتها و نهبها..و من هنا يمكن تبيان ضعف فكرة التحرير لدي الحركة الشعبية و لدي نموذج الحركات الاخري..فحركات دار فور  لم تخرج عن هذا التحليل اذ و بدلا ان تقف بجانب التحول الديمقراطي و قفت مع العسكر للانقلاب علي الحكومة الانتقالية ممثلا ذلك في حركة العدل و المساواة و حركة مني اركو مناوي و واصل الهادي ادريس مع العسكر في المجلس السيادي و كذلك السيد مالك عقار رئيس الحركة الشعبية دون ايضاح لمواقفهم، و هذا يثير اسئلة عديدة حول قضية التحرير لدي جميع هذه الحركات..

 

ثانيا: الحركات المسلحة السودانية تفتقر الي مقومات الكفاح المسلح  و التي هي و بالأضافة لوجود نوعية تسليح عالي الجودة و قدرات لوجستية فأنها تتطلب:

 ١- وجود قادة شرفاء ليقودوا حركة الكفاح بشكل عالي الكفاءة..

٢-وجود ايدولوجية ثابتة موحدة..

٣- نشر الوعي عند الشعب الذي يقود الكفاح 

٤- التأييد الشعبي بالنسبة لحركة الكفاح المسلح(عن مقال عن الكفاح المسلح بحث غوغل).. و لقد افتقدت الحركات المسلحة  الايدولوجيا او التنظير الصحيح للواقع و فهم طبيعة الصراع..ولهذا فان التحول من اليسار الي اليمين و حسب مقتضيات الضرورة اضر بالحركات المسلحة السودانية و علي راسها الحركة الشعبية اذ بدأت متوجهة نحو المعسكر الاشتراكي و بسقوط هذا المعسكر تحولت الي تبني المنظور الليبرالي اليميني و الوقوع في الاتجاه الامبريالي – الصهيوني..و لهذا فلا غرابة ان تجد حركة مثل حركة مني اركو مناوي و بالرغم من شعاراتها الثورية تنتهي لتكون في صف اليمين و الفلول، كما ان  حركة كحركة عبد الواحد محمد نور تتماهي مع الكيان الصهيوني و هو يقتل الضحايا الفلسطينين ، و يصبح التحرير في هذه الحالة يفتقد بعده الانساني  و يتحول الي مجرد اجندات تخدم الأفراد و ليس القضايا الكبري..و ما رتب كل هذه الاوضاع هو انعدام الايدولوجيا الثورية لدي هذه الحركات. 

ثالثا- بنية الحركات المسلحة لا يمكن فصلها عن البنية الاجتماعية السائدة بأشكالها القبلية و الأثنية، و بدلا من تفكيك هذه البنية وفق الوعي الثوري، الا انه يتم ترحيل الواقع الاجتماعي باشكاله القبلية و الاثنية ليكون هو الحاكم في مسيرة هذه الحركات، و يستخدم احيانا نحو تجيير الصراع في هذا المنحي القبلي مما يحول هذه الحركات الي مجرد قبائل حاملة للسلاح و علي رأسها شيخ القبيلة ، لكن ضمن مسميات جديدة من قائد الي رفيق أعلي..و هذا في جذره الاساسي يتصل بعدم الوعي بطبيعة الصراع في السودان، اذ هو صراع في حقيقته بين الجماهير الكادحة  ضد السلطة المهيمنة و هو صراع من اجل التغيير الثوري الديمقراطي و من اجل بناء دولة المواطنة و العدل و المساواة..و لهذا فان الوعي بطبيعة هذا الصراع هو الذي يحدد الادوات التي يتم بها مواجهة السلطة و هي سلطة في الغالب ديكتاتورية و عسكرية الطابع..و هذا يتطلب ان تتحول قيادات التغيير الي قيادات ديمقراطية منفتحة علي كافة هذه الجماهير و تسعي الي تثبيت النظام الديمقراطي الذي يراعي طبيعة تطور المجتمع و سيرورته و ان لا تتحول هذه الديمقراطية الي خدمة فئة دون الاخري كما حدث في بعض الديمقراطيات الليبرالية في الغرب الاوربي او الامريكي من خلال ارتباط هذه الديمقراطيات بالنظام الرأسمالي ..هذا الوعي لم تستطع الحركات المسلحة السودانية الاشتغال عليه و بالتالي قسمت المجتمع الي مركز و هامش، و ذلك يعني ترك فئات مقدرة داخل الواقع السوداني و الانحياز لفئة تعتقد انها هي صاحبة المصلحة الوحيدة في التغيير، و حتي هذه الفئة لا يتم تمثيلها كما ينبغي..

رابعا- استنادا لما سبق فقد ثبت عبر المجرب و الواقعي بان بنية عقلية الحركات المسلحة هي بنية سلطوية، و ان الصراع هو من اجل السلطة و ليس ما تنتجه السلطة من تغيير لصالح الجماهير و الدلائل علي ذلك كثيرة..ففي السودان توجد اكثر من ٨٤ حركة مسلحة و غالبية هذه الحركات تعتبر حركات منشقة و اسباب الصراع في اغلبها تتم علي مستوي الصراع الذاتي و القيادي، مما يجعل من هذه الحركات مجرد مجموعات غير متماسكة تجمع بينها مصالح آنية تتفجر في اول المحكات ..الأسوأ في طبيعة هذه الحركات هو ما كشفته المرحلة الراهنة من خلال سعي هذه الحركات لتكون منسجمة مع العسكر ضد جماهير الشعب العريضة و تسعي لوأد الديمقراطية من اجل الوجود في السلطة و لتنسجم مع القاتل للجماهير السلمية دون ان تستخدم اسلحتها من اجل الدفاع عن هذه الجماهير او الوقوف ضد العسكر في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ السودان، مما يعري تفكير و طبيعة هذه الحركات و يكشف الي اي  مدي تفهمها لطبيعة الصراع و بهذا المعني فان طبيعة التحرير يتوقف عند الشعار و لا يتجاوزه. 

خاتمة: المحاور التي وردت في هذا المقال و التي تحاول تشخيص طريقة تفكير و عمل الحركات المسلحة السودانية تتأكد من خلالها عجز هذه الحركات عن الوصول لأهدافها المطروحة، مما يطرح قصورها النظري و قدرتها علي التغيير عبر تسييس البندقية..و هذا يجب ان يقود الي وعي جديد يرتبط بضرورة ادراك طبيعة الصراع في السودان، فما عجزت عن تحقيقه هذه الحركات عبر حمل البندقية و مواجهة الأنظمة التسلطية، استطاعت ان تنجزه الجماهير السودانية السلمية عبر حركة الشارع من خلال اسقاط ثلاثة انظمة عسكرية عبر تاريخ السودان الحديث..و من خلال التجربة و التجريب فان التحدي الاكبر امام حركة التغيير هم العسكر من خلال تعطيلهم المسار الديمقراطي، و بالتالي يتضح و من خلال التجارب بان الذي يعيق المشروع الديمقراطي يعيق مشروع النهضة و كل الذين وقفوا مع العسكر تاريخيا و في الراهن يقفون ضد حركة التغيير و ضد مشروع النهضة سودانيا، اذ عبر الديمقراطية وتطورها يمكن بناء سودان يسع الجميع عبر ديمقراطية الانجاز و المساواة. و هذه الرؤية لا تغفل التحديات الاخري، و لكن عبر استدامة الديمقراطية و تطويرها يمكن مواجهة كافة التحديات، فان سلبيات الديمقراطية يمكن تجاوزها عبر الوعي الديمقراطي نفسه، و هذا يطرح في نهاية المطاف ضرورة تحييد البندقية او ابعادها عن مجال السياسة سواء كان ذلك عبر ابعاد العسكر عن السياسة و كذلك عدم تسييس البدقية في معركة التغيير ، اذ انه تغيير يرتبط بوعي الجماهير و قدرتها علي المواجهة السلمية..