معبر القلابات الحدودي الربط بين السودان واثيوبيا - المصدر سودانتربيون

امستردام: الثلاثاء 26/ مارس/2024 : راديو دبنقا

حدثني محمد أخي أن الوالدة خرجت من بيته في الثورة قاصدة الطرف الآخر من أم درمان لزيارة أبنها الأثير سيف الدين الذي غلبها الشوق لرؤيته بعد كذا شهر من الحرب. عاتبت محمد بالقول:
ولماذا لا تدع سيف الدين يأتي لزيارة الوالدة، ففي بيته يؤتى الحكم.
أجابني بأن المعلم سيف الدين الذي يعمل في مجال البناء لم يمتلك أي أوراق ثبوتية في حياته، يقبض أتعابه بالكاش ولا يتعامل مع البنوك ولا مع الجهات الحكومية.

الحبس الاختياري
والآن بعد اندلاع الحرب أصبح سيف الدين لا يبارح منزله ولا يستطيع حتى الذهاب لشراء الخبز من الحانوت الواقع في ناصية الشارع. وذلك بسبب خوفه (المعقول جدا) من التعرض للتوقيف والاستجواب والسؤال عن هوية وأوراق ثبوتية هو لا يملكها.
عدم تمكن المواطن من اثبات هويته قد يؤدي لتعرضه للقتل بواسطة أي طرف من الأطراف في هذه الظروف.

في وقت سابق قبل الحرب لم يكن أحدا يعبأ بمن تكون، أو من أين أتيت وإلى أي وجهة تسعى. كانت حدود البلاد مفتوحة وحركة الأفراد سائبة بطريقة لم ينتبه لها الناس وإلى غفلة سلطاتنا المزمنة، الا في الوقت الحالي.

ادخلوها بأمان سالمين
حينما اضطر عشرات الالاف من المواطنين السودانيين لعبور الحدود إلى اريتريا واثيوبيا ومصر ووجهوا بالإجراءات التي تتخذها السلطات في هذه البلدان لمعرفة هوياتهم ومن أين أتوا والمكان الذي يودون الإقامة فيه. ليس ذلك فحسب بل دفع رسوم مالية معلومة مقابل الإقامة في هذا البلد.
أثيوبيا فرضت في البداية مائة دولار في الشهر عن الشخص الواحد. الأمر الذي دفع الكثيرين لإجراء عمليات حسابية تتعلق بكم الأجانب من دول الجوار الذين أقاموا في السودان وعملوا وامتلكوا الممتلكات بدون مقابل. كم كانوا سيدرون على الخزينة العامة لو كانت هنالك إجراءات تضبط دخول وإقامة رعايا الدول الأخرى.

ولكن ها هي الحرب تأتي بمنطقها الجديد وتضيق على أبناء الوطن وتحد من حركتهم بسبب الهويات والأوراق الثبوتية التي لم يعد بالإمكان الحصول عليها بسهولة وبالطرق العادية. الأمر الذي يحكم مئات الالاف وربما الملايين من البسطاء بنوع من تقييد الإقامة الذاتي بسبب الخوف من مواجهة التحقق والتهم الجزافية والمحاكمات الميدانية التي قد يكون نهايتها القتل. وهناك العديد من الأمثلة على ذلك.

التنقل .. الاستثمار في الامل
أسوأ ما يواجه الانسان هو الحد من حركته، ولذلك تم أخذ مبدأ حرية التنقل في القوانين والدساتير والقانون الإنساني الدولي، حرية التنقل تذكر في نفس واحد سويا مع حرية العمل والامتلاك. وبنص هذه القوانين يعتبر حتى عبور الحدود من الدولة إلى أخرى بدون تصريح أو اذن، عملا لا يعاقب عليه القانون إذا كان الفرد في حالة فرار من حرب أو عسف وفي حالة خوف على حياته وحريته بسبب النظام السياسي في بلده.
يتحدث الناس كثيرا عن مهاجرين أو لاجئين غير شرعيين، ولكن الشاهد أن كل من عبر حدود دولة بغرض الحصول على صفة لاجئ يعتبر فعله داخل نطاق القانون، حصل على هذه الصفة أم لم يحصل عليها لاحقا أمر ليس يهم.
ولد الانسان حرا، والحركة والتنقل هي تعبيره واستثماره الأمثل لهذه الحرية وهذا الحق الوجودي.

أثناء جائحة كورونا التي حبست الملايين في مساكنهم لما يقارب السنتين، عمدت احدى الدول في جنوب شرق آسيا إلى تنظيم رحلات متخيلة للمواطنين مقابل مبلغ مالي معلوم. يحجز المواطن تذكرة الطيران ويقف في الصف من اجل إجراءات التدقيق الأمني، يذهب للبوابة المعينة حيث يصعد لطائرة تقلع بالفعل وتطير في شكل دائري حول حدود البلد قبل أن تعود وتهبط بعد ساعة أو نحو ذلك. الغرض من هذه الرحلة هو اشباع رغبة الحركة والسفر داخل المواطن الفرد.

تحضرني هنا ذريعة فلسفية تقول إن العبرة في السفر ليست الوجهة ولكن في الطريق. وفي السودان الآن لا طريق ولا وجهة يمكن للمرء أن يبلغها. فهناك حواجز ومتاريس واستجواب وشكوك وقتل على الهوية أحيانا. وصار الطريق القصير جدا نحو بائع الخبز والخضار متعذرا وقد يكلف المرء حياته.
إبراهيم حمودة – راديو دبنقا