الجنرال الحالم واعادة السودان الى حافة العزلة مجدداً ..

فشل الانقلابيون طوال الاسبوع الذي اعقب انقلاب 25 اكتوبر المشئوم في تقديم أي حجة تعضد روايتهم القائلة بان ما قام به الجنرال الحالم ما هو الا تصحيح لمسار الثورة، وفي رواية اخرى يقولون “مفاصلة”، وهذه الاخيرة مفردة غير متداولة في القاموس السياسي خارج السودان. فهم يبررون روايتهم على ادعاءات اهمهما ان: قوى الحرية والتغيير خرقت الوثيقة الدستورية، وان مجلس الوزراء لم يقم بتشكيل المفوضيات، وان هنالك اربعة احزاب اختطفت الثورة. والثابت ان هذه الادعاءات لا تقف على ارضية صلبة، وقد تم تفنيدها واثبات بطلانها في مقال رصين للاكاديمي المتميز البروفيسور د. احمد ابراهيم ابو شوك [1]. والاهم من ذلك ان الوثيقة الدستورية لا تعطي اصلاً الحق لأي من اطرافها منفرداً او لأي جهةٍ اخري تعديلها. وعليه يصبح ما قام به الجنرال منفرداً ومستنداً وفقط على سلطته على راس القوات المسلحة السودانية انقلاب عسكري لا تشوبه أي شائبة. وطيلة هذا الاسبوع ظل الجنرال مالكاً لكل السلطات بالسودان، فنراه يسجن ويعتقل من يشاء وفق ارادته ورغباته، ويحرر من يشاء وفق ارادته ورغباته، ويفصل من يشاء من موظفي الدولة وفق ارادته ورغباته، ويعين من يشاء في وظائف الدولة وفق ارادته ورغباته، وبتصرف في مؤسسات الدولة وفق رغباته وما يراه، وكل ذلك دون أي مسوِّغ او صفة دستورية يستند عليها، فهو ليس اكثر من ضابط علي قمة هرم المؤسسة العسكرية، فان لم يكن ذلك انقلاباً مسنودا بقوة السلاح فأنى له بهذه السلطات الحصرية في شئون الدولة السودانية يتصرف فيها كيف يشاء.

 

بقلم: سمير محمد علي حمد

 

فشل الانقلابيون طوال الاسبوع الذي اعقب انقلاب 25 اكتوبر المشئوم في تقديم أي حجة تعضد روايتهم القائلة بان ما قام به الجنرال الحالم ما هو الا تصحيح لمسار الثورة، وفي رواية اخرى يقولون “مفاصلة”، وهذه الاخيرة مفردة غير متداولة في القاموس السياسي خارج السودان. فهم يبررون روايتهم على ادعاءات اهمهما ان: قوى الحرية والتغيير خرقت الوثيقة الدستورية، وان مجلس الوزراء لم يقم بتشكيل المفوضيات، وان هنالك اربعة احزاب اختطفت الثورة. والثابت ان هذه الادعاءات لا تقف على ارضية صلبة، وقد تم تفنيدها واثبات بطلانها في مقال رصين للاكاديمي المتميز البروفيسور د. احمد ابراهيم ابو شوك [1]. والاهم من ذلك ان الوثيقة الدستورية لا تعطي اصلاً الحق لأي من اطرافها منفرداً او لأي جهةٍ اخري تعديلها. وعليه يصبح ما قام به الجنرال منفرداً ومستنداً وفقط على سلطته على راس القوات المسلحة السودانية انقلاب عسكري لا تشوبه أي شائبة. وطيلة هذا الاسبوع ظل الجنرال مالكاً لكل السلطات بالسودان، فنراه يسجن ويعتقل من يشاء وفق ارادته ورغباته، ويحرر من يشاء وفق ارادته ورغباته، ويفصل من يشاء من موظفي الدولة وفق ارادته ورغباته، ويعين من يشاء في وظائف الدولة وفق ارادته ورغباته، وبتصرف في مؤسسات الدولة وفق رغباته وما يراه، وكل ذلك دون أي مسوِّغ او صفة دستورية يستند عليها، فهو ليس اكثر من ضابط علي قمة هرم المؤسسة العسكرية، فان لم يكن ذلك انقلاباً مسنودا بقوة السلاح فأنى له بهذه السلطات الحصرية في شئون الدولة السودانية يتصرف فيها كيف يشاء.

 

اما الاسوأ من كل ذلك هو السماح باستخدام مقدرات واموال واسلحة الوطن والمواطن السوداني في قتله والبطش به بدلاً من حمايته وحفظ امنه. فخلال اسبوع واحد من الانقلاب المشئوم ارتقي 15 شهيد الى ربهم، لهم الرحمة والمغفرة والخلود في اعلى الجنان، بينما الجرحى نحو 300 لهم عاجل الشفاء. هذا العنف الدموى تجاه المواطن السوداني من قبل القوات الامنية احدى السمات الاساسية التي تميزت بها الفترتين اللتين تولى فيهما هذا الجنرال السلطة في السودان. ففي فترته الاولى من 12 أبريل 2019م وحتى 5 يوليو 2019م (3 اشهر)، والتي تولي فيها الجنرال السلطة مترأسا ما كان يسمى بالمجلس العسكري، فاق عدد شهداء الثورة تحت سلطته اولئك الذين استشهدوا تحت بطش المخلوع الذي امتد في الفترة من 19 ديسمبر 2018م الي 11 أبريل 2019م (4 اشهر). والان خلال اسبوع واحد فقط من فترته الثانية وصل عدد الشهداء 15 والجرحى 300، مما يدلل على العنف القاتل الممارس خلال فترات سلطته، هذا اضافة الى اعتقال عدد كبير من الوزراء والسياسيين والنشطاء في ماكن مجهولة مما ينتهك حقوقهم ويعرض حياتهم للخطر.

في الحقيقة فان عداء الجنرال لعملية التحول الديمقراطي المدني في السودان ومقاومته العنيفة لها مسألة محيرة جداً، فالثورة السودانية فتحت له الباب واسعاً ليكون بطلاً قومياً يخلده التاريخ، ولكنه ابي الا ان يكون في الجانب المظلم منه. فلابد ان تكون دوافع الرجل لمثل هذا الموقف اقوي من تطلعه لتاريخ ناصع يحلم به كل من تعدى الستين من عمره. فتلك الدوافع – في نظر كاتب المقال – لا تخرج من ثلاثة: اما ان يكون طموح الرجل هو الاستئثار بسلطة مطلقة الى نهاية عمره تؤل اليه، مقتدياً في ذلك بجنرال شمال الوادي، او ان الرجل يخشي شيئاً قد يقوده الى القضاء فلذلك يتخذ من السلطة حمايةً له، او ان الرجل يعاني ضمورا في الرؤية وضحالة في الفكر.

 

ظل الرجل يستخدم تكتيكات مكشوفة لتبرير اجراءاته الاحادية المعادية للثورة وقطع الطريق لتحقيق اهدافها مستقلاً وضعه في رأس المؤسسة العسكرية لتجيير مقدراتها لتحقيق اهدافه. فنجده يكثر من الادعاء بحماية الفترة الانتقالية وتحقيق احلام الثوار بينما يفعل غير ذلك بناءً على مبررات غير واقعية. مثلاً في بيانه العدائي بتاريخ 16 مايو 2019م، يدّعي انتفاء السلمية عن الثوار (والتي شهد بها العالم كله) ليبرر لنفسه تجميد المفاوضات مع قوي الحرية والتغيير لمدة 72 ساعة، بالرغم من انه كان قد وصف الثورة بالسلمية بيانه الاول بتاريخ 13 أبريل 2019م. ثم يستخدم نفس التكتيك متعهداً مراراً انه سيحمي اعتصام القيادة ولن يفضه، ولكن الواقع كذّب هذه الادعاءات، وانتهي الامر بمجزرة دموية راح ضحيتها 128 شهيد ومئات الجرحى والمفقودين، والتبرير هو ان الهدف كان فض منطقة كولومبيا ولكن “حدث ما حدث”. وترتب علي ذلك ان قام بإلغاء ما سبق الاتفاق عليه وايقاف التفاوض مع قوي الحرية والتغيير، والدعوة لانتخابات عامة في فترة لا تتجاوز التسعة اشهر، قبل ان يعود بعد اقل من شهر ويتراجع مرغماً عن كل هذه القرارات تحت ضغط مليونية 30 يونيو 2019م.

 

ومنذ وقت مبكر ادرك الجنرال ومن معه انهم لا يملكون سنداً داخلياً او خارجياً يمكن ان يوفر لهم الشرعية والسند الدولي المطلوب عند أي تحرك للانفراد بالسلطة. لذلك كانت تحركاتهم المكثفة داخلياً لإيجاد نفوذ لهم وسط رجالات الادارة الاهلية والقبلية مستخدمين منهجية شراء الذمم، بالإضافة لاستغلال منبر سلام جوبا لاستمالة بعض الحركات المسلحة الي جانبهم وقد نجحوا الى حدٍ ما في ذلك، اضافة الي وقوف فلول النظام السابق بجانبهم. وخارجياً جاءت محاولة التقرّب من الكيان الإسرائيلي من خلال الزيارة التي قام بها الجنرال للقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي من وراء ظهر شركاءه في الحكومة، اضافة الى المناورات التي كان يقوم بها الجنرال فيما بين روسيا والولايات المتحدة مستغلاً مشروع اتفاقية القاعدة الروسية على البحر الاحمر، والذي انتهي بالتقارب مع الجانب الروسي.

 

اما الانقلاب الجاري تنفيذه الان علي ما يبدو فان الاعداد له بدأ مبكرا ولعل بدايته تعود الى 24 أغسطس 2020م حيث بدا الجنرال في صناعة المبررات منذ ذلك الحين بالترويج لما اسماه فشل الحكومة، وفي نفس الوقت يرسل رسائل ذات دلالة حين يقول انه رهن اشارة الشعب. ثم يعود الى نفس اتهامات الفشل بعد سنة من ذلك وتحديداً في 22/9/2021م ومنصِّباً من نفسه وصياً رغم انف الكل علي الوطن قائلاً: “إن شعارات الثورة ضاعت بين الصراع على المناصب، ولا توجد حكومة منتخبة ونحن رغم انف الكل أوصياء على الحفاظ على وحدة السودان واوصياء علي بناء السودان واوصياء على أمن الوطن. واوصياء على المحافظة على احلام شباب السودان”. وكان هذا الخطاب هو البداية الحقيقية لتمزيق الوثيقة الدستورية والنكوص عنها توطئة للانقلاب الكامل عليها في 25/10/2021م. يتزامن ذلك مع انفراط في الامن في المدن، ثم ادعاءات بوجود خلايا ارهابية. وبعدها يتم استخدام بعض زعماء القبائل المنتمين للنظام البائد في ممارسة حصار علي السودان ذلك بإغلاق موانئ التصدير والاستيراد، ثم تحريك حلفاءه من الحركات المسلحة لصناعة مشهد الانقسام في قوي الثورة بحجة اختطاف الثورة بواسطة مجموعة واقصاء الاخرين وما الى ذلك من ادعاءات تم تفنيدها في [1]. كل هذا المشهد الزائف والمصنوع كان هو التبرير الذي استند عليه الجنرال في تنفيذ انقلابه، والذي لم يجد الشجاعة الكافية ان يسميه انقلاباً. وما يدلل عن زيف المشهد ان كل ذلك انتهي بعد الانقلاب، فلا توجد الان تفلتات امنية، وخمدت تماما الخلايا الارهابية، وفُتحت الموانئ دون تحقيق المطالب التي كانت سبباً في الاغلاق، وفجأة توفرت بعض السلع مع نزول في سعرها.

المشكلة ان هذه الكارثة التي قام بها هذا الجنرال ضامر الفكر محدود القدرات ستتسبب في خسائر فادحة وتقطع الطريق امام الاصلاحات الاقتصادية التي حققتها حكومة الدكتور عبد الله حمدوك فيما يتعلق بما يلي على سبيل المثال:

 الإصلاحات التي تمت في استقرار سعر صرف الجنيه السوداني.

 التحسن في احتياطيات النقد الاجنبي في بنك السودان والتحسن في معدلات التضخم.

 التحسن في الميزان التجاري.

 الانفتاح على العالم والمؤسسات المالية العالمية.

 وقف المنح والقروض من الولايات المتحدة والدول الغربية ومؤسسات التمويل الدولية.

 إهدار كل الانجازات التي تمت لإعفاء الديون.

 الحاق خسائر فادحة بناتج الموسم الزراعي الصيفي الواعد بإنتاج غير مسبوق في المحاصيل النقدية.

 

هذا اضافة لعودة السودان مجددا الي اروقة مجلس الامن ومجلس حقوق الانسان والعودة لمربع العقوبات والعزلة الدولية. وبالفعل فقد صدر بيان من مجلس الامن بشان السودان قبل ايام، والان تطالب 48 دولة بجلسة خاصة لمجلس حقوق الانسان حول السودان [2]. فليعلم هذا الجنرال ان السودان ليس مستعدا للعودة الي هذه المربعات مجدداً مقابل اشباع رغبات واحلام مغامر اناني يريد رهن شعب كامل لإرادته كما فعل سلفه المخلوع خلال 30 سنة دمرته.

 

2 نوفمبر 2021م