اثيوبيا تدشّن سدّ النهضة… صمتٌ سوداني وشكوى مصرية

أديس أبابا – الثلاثاء 9 سبتمبر 2025م – راديو دبنقا
تقرير: سليمان سري
افتتحت إثيوبيا رسميًا سدّ النهضة بعد 14 عامًا من بدء أعمال البناء، في حدث وصفته أديس أبابا بالتاريخي، إذ يُعدّ أكبر مشروع كهرومائي في إفريقيا، ويوفّر الطاقة لملايين الإثيوبيين. لكن الافتتاح أعاد إلى الواجهة الخلافات العالقة مع مصر والسودان، اللتين تغيّبتا عن الحفل في مؤشر على استمرار التوتر.
وقال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إن بلاده ستستخدم الطاقة المتولّدة من السدّ لتحسين وصول الكهرباء إلى المواطنين، مؤكّدًا أن المشروع “لا يشكّل تهديدًا” لدولتي المصب.
وشهد الافتتاح حضورًا إقليميًا لافتًا؛ إذ شارك رؤساء كلٍّ من جيبوتي، جنوب السودان، الصومال، وكينيا، إلى جانب قادة من بربادوس وإيسواتيني، فيما غاب التمثيل السوداني والمصري، وسط مشاركة دولية وإفريقية وُصفت بالضعيفة مقارنة بحجم المشروع.
وأُطلق مشروع سدّ النهضة في أبريل 2011 بميزانية بلغت 4 مليارات دولار. ويُعدّ أكبر مشروع كهرومائي في إفريقيا، إذ يبلغ عرضه 1.8 كيلومتر، وارتفاعه 145 مترًا، في حين تصل سعته إلى 74 مليار متر مكعب من المياه، ويهدف إلى توليد نحو 6 آلاف ميغاواط من الطاقة الكهرومائية.

خطاب مصري جديد
بُعيد افتتاح السدّ، وجّهت وزارة الخارجية المصرية خطابًا إلى رئيس مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة اتّهمت فيه إثيوبيا بالسعي لمنح السدّ “غطاءً زائفًا من القبول والشرعية”، مؤكّدة أنّه يظلّ “إجراءً أحاديًّا مخالفًا للقانون والأعراف الدولية”. واعتبرت التصرفات الإثيوبية الأخيرة خرقًا جديدًا، منوّهةً بأنّ مصر لديها موقف ثابت برفض كافة الإجراءات الأحادية الإثيوبية في نهر النيل، وعدم الاعتداد بها أو القبول بتبعاتها على المصالح الوجودية لشعوب دولتي المصب، مصر والسودان.
وقالت مصر إنها متمسكة بتطبيق القانون الدولي في نهر النيل، ولن تسمح للمساعي الإثيوبية بالهيمنة على إدارة الموارد المائية بصورة أحادية، وتحتفظ بحقّها في اتخاذ كافة التدابير المكفولة بموجب القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة للدفاع عن المصالح الوجودية لشعبها.
خطة جنوب السودان
في تطور ملحوظ، أعلن رئيس دولة جنوب السودان سلفاكير ميارديت عن خطة لتوقيع اتفاقية لتوفير الكهرباء من سدّ النهضة، قائلاً إن هذا سيوفّر الكهرباء للمدن والقرى والمدارس والمستشفيات في جميع أنحاء جنوب السودان، مما يخلق فرصًا جديدة لشعبه.
تغير الواقع
أكد الخبير واستشاري البنية التحتية والموارد المائية والسدود والبيئة أبو بكر محمد المصطفى فضل الله أن دخول سدّ النهضة الإثيوبي حيز التشغيل فرض واقعًا جديدًا على السودان ومصر، مشيرًا إلى أن هذا الواقع بدأ منذ خمس سنوات مع المراحل الأولى للإنشاء وصولًا إلى مرحلة ملء البحيرة.
وأوضح في حديثه لـ”راديو دبنقا” أن الفيضان الذي كان يتدفق من الهضبة الإثيوبية خلال أربعة أشهر من يونيو إلى أكتوبر، صار الآن يتدفق على مدار العام، بعد أن صار السدّ يحجز هذه الكميات الهائلة ليستخدمها في تشغيل 13 توربينًا لتوليد الكهرباء.
وأضاف أن هذا التحول غيّر المعادلة القديمة التي كانت فيها مصر تستفيد من كامل الفيضان تقريبًا بينما يقتصر نصيب السودان على قدر محدود لا يتجاوز سعة خزان الرصيرص وسنار، والتي لا تزيد عن 6 مليارات متر مكعب.
وأشار إلى أن اتفاقية مياه النيل الموقعة بين السودان ومصر في العام 1959 منحت السودان 18.5 مليار متر مكعب ومصر 55.5 مليار متر مكعب من متوسط 85 مليار متر مكعب. وتأخذ مصر نصيبها 55 مليارًا وما يزيد على المتوسط في كل عام، بينما عجز السودان عن استغلال حصته بسبب ضعف مواعينه التخزينية.
لا ضرر على السودان ومصر
أكد الخبير في مجال السدود والبيئة أبو بكر المصطفى أن السودان غير متضرر من السدّ، بل سيجني فوائد كبيرة، مؤكّدًا أن مصر نفسها ليست متضررة كما تدّعي. وقال إن طبيعة النيل الأزرق، الذي يجري على ارتفاع يزيد عن ألفي متر في ممر ضيّق وعميق، تجعل من المستحيل استخدام مياهه للري الزراعي، ما يعني أن الغرض من السدّ يقتصر على توليد الطاقة الكهربائية فقط.
وأشار المصطفى إلى أن سدّ النهضة يمثل للسودان ما يشبه السد العالي بالنسبة لمصر، إذ يتيح تنظيم جريان النيل الأزرق طوال العام، ويقلل من مخاطر الفيضانات، كما يمكّن السودان من الاستفادة بشكل أكبر من حصته المائية.
الوثيقة قلادة شرف
في السياق، وصف الخبير في مجال الموارد المائية والبيئة أبو بكر المصطفى في حديثه لـ”راديو دبنقا” الوثيقة المسربة والموقعة بين السودان وإثيوبيا بأنها “قلادة شرف للسودان ووزارة الري”، مشيرًا إلى أنها وثيقة وطنية راعت المصالح القومية العليا ووفرت آلية لتبادل المعلومات لحماية سدّ الرصيرص وضمان سلامة السدود الأخرى.
اتهامات وتحذيرات مصرية
اتهم عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية السفير صلاح حليمة إثيوبيا بانتهاج سياسة أحادية وفرض أمر واقع في عملية بناء وملء وتشغيل سدّ النهضة، معتبرًا أن ذلك يخالف كافة القوانين والمواثيق والاتفاقيات الدولية ذات الصلة، بما في ذلك القانون الدولي للملاحة المائية وإعلان المبادئ لعام 2015، خاصة المواد 5 و6 و7 من القانون الدولي، والمواد الخامسة والعاشرة في إعلان المبادئ.
وحذّر حليمة في حديثه لـ”راديو دبنقا” من أن هناك احتمالات لوقوع أخطاء جسيمة قد تهدد الحياة في دولتي المصب، السودان ومصر، واصفًا الأمر بأنه نوع من العدوان الذي يتعيّن درؤه قبل وقوعه. ولوّح بأن كل الخيارات مفتوحة أمام بلاده، بما في ذلك اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي لمعالجة الموقف في إطار الفصل السادس الخاص بتسوية النزاعات بالطرق السلمية، أو في حال تعذر ذلك، اللجوء إلى الفصل السابع الذي يتيح حق الدفاع الشرعي عن النفس.
النيل الأزرق نهر دولي
أشار الدبلوماسي المصري إلى أن نهر النيل الأزرق نهر دولي، والسيادة عليه مشتركة بين الدول المتشاطئة، بما يستوجب التعاون وانتفاء التصرفات الأحادية، مؤكدًا أن ادعاء إثيوبيا بأنه نهر داخلي باطل.
وأوضح أن معالجة هذا الموقف يمكن أن تتم عبر عودة إثيوبيا إلى صوابها، وإعادة النظر في سياساتها الأحادية، والتعاون بحسن نية للوصول إلى اتفاق قانوني عادل ومنصف لعملية الملء والتشغيل يتوافق مع القوانين والاتفاقيات الدولية.
الهدف من بناء السد سياسي
أشار السفير المصري إلى أن الهدف من بناء سدّ النهضة سياسي بامتياز، معتبرًا أن الغاية هي التحكم في عمليات المنح والمنع للمياه إلى مصر والسودان من خلال إرادة منفردة وتصرفات أحادية، وهو أمر يتطلب تعاونًا حقيقيًا لنفي هذه النوايا.
وفي سياق متصل، انتقد التحركات الإثيوبية في منطقة البحر الأحمر، وسعيها للحصول على منفذ بحري عبر أرض الصومال لإقامة نشاط تجاري وقاعدة عسكرية، معتبرًا مذكرة التفاهم بين الطرفين غير ذات أهلية قانونية، لأن أرض الصومال جزء من دولة معترف بها دوليًا.
وأوضح أن مثل هذه التحركات تهدد الأمن القومي العربي والمصري والصومالي، وتزعزع استقرار البحر الأحمر ككل، لافتًا إلى أنها قوبلت برفض واسع من الدول والمنظمات الإقليمية والدولية المعنية.
الاتفاق السوداني الإثيوبي خطوة صحيحة
قال الدكتور أحمد المفتي، خبير القانون الدولي المعروف، إن ديباجة الاتفاق الذي زُعم أنه أُبرم بين السودان وإثيوبيا أكدت على أن سلامة وتشغيل سد النهضة وسد الروصيرص السوداني مترابطان، ويستوجبان تنسيقًا وثيقًا وعملًا مشتركًا للتعامل مع الظروف الطبيعية وحالات الطوارئ.
وأشار إلى أن أهم ما ورد في بنود الاتفاق هو التزام إثيوبيا بإتمام ملء السد بشكل تدريجي خلال موسم الأمطار من كل عام، حتى يصل منسوب ارتفاع المياه إلى 625 مترًا فوق سطح البحر، مع تقليص حجم التخزين في حال حدوث جفاف.
وأكد الاتفاق التزام إثيوبيا بتصريف كميات ثابتة من المياه إلى السودان، لا تقل عن 300 متر مكعب في الثانية، بهدف ضمان استمرار تدفق النيل الأزرق والحفاظ على التوازن البيئي الطبيعي.
وأشار المفتي إلى أن الاتفاق نص كذلك على تبادل البيانات بين الطرفين بشكل منتظم، عبر بيانات شهرية تتعلق بالتدفقات الداخلة والإطلاقات المائية، إضافة إلى بيانات الأرصاد الجوية عند سد النهضة، فضلاً عن تبادل بيانات يومية حول مناسيب المياه والإطلاقات في كلٍّ من سد النهضة وسد الروصيرص السوداني.
وختم المفتي حديثه بالقول إن مصر أعلنت مؤخرًا عن توجيه خطاب إلى مجلس الأمن الدولي بشأن تطورات سد النهضة الإثيوبي، أكدت فيه استعدادها لاتخاذ جميع التدابير للدفاع عن وجودها ومصالحها. وأعرب عن أمله في أن يتم التصديق على الاتفاق من الأجهزة التشريعية في السودان وإثيوبيا، وأن يُطوّر لاحقًا إلى إدارة مشتركة لسد النهضة بين الدول الثلاث، بما يضمن الحقوق المائية للأطراف كافة، وصولًا إلى تكامل إقليمي بين الدول الثلاث.
وأشار إلى أن لا شيء يمنع أن تكون مصر جزءًا من هذا التكامل، لأنه يصب في مصلحتها دخولها يزيل ما يمكن أن يبديه المجتمع الدولي من تحفظات على الاتفاق السوداني الإثيوبي ، على اعتبار أنه لا يشمل كل الدول المعنية ،
مشيرًا إلى البيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن في 15 سبتمبر 2021 ، بمناشدة اثيوبيا بوقف التصرفات الآحادية .