إسماعيل التاج: ليس دفاعـاً عن الشاب محمد ناجي الأصم ولكن ضد العقلية التي يمثلها عشاري محمود ..

أفرد د. عشاري أحمد محمود خليل مقالين بتاريخ 3 يناير و11 مارس 2019 على موقع سودانايل يدمغ فيها الشاب د. محمد ناجي الأصم بالتزوير في إذاعته …

عصام التاج(وكالات)

بقلم: إسماعيل التاج

ضد من؟

أفرد د. عشاري أحمد محمود خليل مقالين بتاريخ 3 يناير و11 مارس 2019 على موقع سودانايل يدمغ فيها الشاب د. محمد ناجي الأصم بالتزوير في إذاعته لإعلان الحرية والتغيير. اطلعتُ على المقال الأول وأنا بالسودان وكتبتُ رداً لم أنشره في وقتها حتى لا ندخل في مماحكات لا تساعد الحراك الثوري وقتها وأيضاً لتوظيف الوقت في مسائل وأمور أكثر حيوية تتعلق بالحراك على أرض الواقع. الواقع، حيث رائحة البمبان والإطارات المحروقة تتسرب إلى الرئتين في عشقٍ كامل للحياة والتغيير ورائحة هتافات الشباب القوية تنسل إلى مسارب الروح فتعبر بها إلى سماوات التغيير الحتمي القادم والمضمخ بدماء الشهداء الذين كان من الممكن جداً أنْ يكون د. محمد ناجي الأصم أحدهم. فهل كانت شهادته ستكون تزويراً أيضاً؟ شباب امتهنوا طريق الخلاص تخطيطاً وتنفيذاً وحملوا رؤوسهم في أكفهم ابتغاء سودان جديد خالٍ من سطوة الإنقاذ وفسادها وقتلها لكل ما هو جميل. وخفف من غلواء المقال الأول لعشاري وأحكامه الانطباعية وتجاوزاته وقسوته، مقال جاد به الشاعر فضيلي جماع في اليوم التالي مباشرة، الجمعة 4 يناير في ذات الموقع، وإنْ كان فضيلي سار في ذات الدرب الذي مشى فيه عشاري من حيث التشكيك في البيان الذي أدلى به الشاب محمد ناجي الأصم، ولكن فضيلي توقف خطوات من دمغ البيان بالتزوير وطالب بتوضيحات بدلاً عن ذلك. وفي تفقده الكريم لحال الوطن والثورة وما يحدث على أرض الواقع، تلقيتُ مكالمة في أو حوالي 20 يناير من الأخ فضيلي، ثلاثة أيام تقريباً بعد استشهاد د. بابكر عبد الحميد، تطرقتُ فيها عرضاً لما كتب د. عشاري وفضيلي نفسه في أمر البيان الذي أذاعه الشاب محمد ناجي الأصم، وقلتُ لأخي فضيلي أنني كتبتُ رداً ولم أنشره ونحتاج أنْ نمضي للأمام (نمشي لي قدام). وأذكر في ذلك اليوم كنتُ بمعية الأخ أحمد حنين الذي تحدث أيضاً مع فضيلي.

في مقال ثاني طويل تجاوز 7400 كلمة نشره د. عشاري يوم الأثنين 11 مارس في موقع سودانايل، عاد د. عشاري مرةً أخرى ليبحث في ذات الأمر. حسناً، لا بأس في ذلك. لن نبحث عن الدوافع من وراء النشر، فالمقال يتحدث عن نفسه، ولن أدمغه بما دمغ به الآخرين من اسلاموية وعمالة للنظام. لا يحق لي ذلك. سوف أتطرق للمقالين. دون خوض في ارسال أحكام جزافية من حيث المبتدأ على كتابة عشاري.

فما الذي أضافه عشاري في مقاله الثاني وهل يختلف عن المقال الأول بتاريخ 3 يناير؟
هذه المرة يزعم د. عشاري أنه حسم أمر التزوير بصورة نهائية (اثبات التزوير على الشاب محمد ناجي الأصم). ثم يعود ليناقض نفسه.
يدعو عشاري إلى الزامية منع الطبيب محمد ناجي الأصم من تمثيل الشباب المقاومين، أو التحدث باسمهم، لدى أية جهة حكومية، أو غير حكومية.
يزعم عشاري أنَّ الأصم يعمل لمصلحة نظام الإنقاذ. ويقع على الأصم إثبات العكس.
يطالب عشاري تجمع المهنيين تـنحية الطبيب محمد ناجي الأصم من القيادة والسكرتارية.
يطالب عشاري بمنع الأصم من التحدث باسم التجمع أو نيابة عنه، مع النظام، أو مع أية جهة
يطالب عشاري بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة، لاستجواب محمد ناجي الأصم فيما ينسبه إليه د. عشاري.
يطالب عشاري بطرد محمد ناجي الأصم من التجمع، أو إعادة تأهيله.
يزعم عشاري أنَّ الطبيب محمد ناجي الأصم غير مؤهل، أخلاقيا لتمثيل الشباب
يعمل عشاري على شيطنة الأصم بقوله (يضحك علينا الأصم، لأنا، في تقديره، جموع أغبياء، تمكَّن هو، الطبيب، بذكائه، وهو تذاكيه، من تمرير خدعته الخبيثة).

أمَّـا سبب عودة د. عشاري للكتابة مرة أخرى حول الشاب محمد ناجي الأصم فهو أكثر غرابة وعدم تماسكية. إذ أنه يستدعي أربعة مقالات لـ د. عبد الله علي إبراهيم، نشرها خلال شهر ( 10 فبراير – 10 مارس)، لها علاقة بتجمع المهنيين السودانيين والدكاترة والأصم. ويشير عشاري في مقاله إلى (أفعال الخداع والتدليس مما نسجه عبد الله في هذه المقالات الأربعة) مع تأكيد عشاري على اسلاموية عبد الله علي إبراهيم وتكليفه (من النظام لأداء هذه المهمة المعيبة). وهذا موضوع لا ناقة لنا فيه ولا جمل، وعبد الله علي إبراهيم أكبر وأقدر على التصدي لهذه المزاعم، إنْ رغب في ذلك.

إنْ كان ثمة ملاحظة على مقال د. عشاري الثاني فهي تنصيب نفسه وصياً على الشباب وعلى تجمع المهنيين السودانيين، وراسماً لهم خارطة طريق للتخلص من الشاب محمد ناجي الأصم بعد أنْ شيطنه، نعم للتخلص من محمد ناجي الأصم وليس التخلص من نظام الإنقاذ.

لقد فات على عشاري محمود أنه منذ مقاله الأول في 3 يناير أنَّ تجمع المهنيين السودانيين صار لحناً يعزفه آلاف السودانيين داخل الوطن وخارجه في تلاحمٍ غير مسبوق مع أي مكون أنتجه السودان حديثاً، وأنَّ التجمع يعمل في تناغم وتدبير محكمين في شراكة حقيقية مع الفاعلين على أرض الواقع من قوى الحرية والتغيير وقوى المجتمع المدني والتجمعات الشبابية والطلابية وقطاعات واسعة من الشعب السوداني في الفرقان، الأحياء، القرى والمدن، دون التقليل من حجم التحديات التي تواجه التجمع وثورة ديسمبر 2018، ودون تخوف أو تردد في تصحيح المسار والاستماع والاستجابة لمكونات الشعب السوداني التي تنشد التغيير مستفيداً من التقييم الموضوعي للتجربة. جرت مياه كثيرة تحت جسر المقال الأول لعشاري في 3 يناير 2019، ولكن يبدو أنه لم ينتبه لها أو آثر وتعمد عدم الانتباه لها ليمضي عشاري في استعادة شريط مقاله الأول في بداية يناير ذلك المقال الذي تجاوزته الأحداث وتحوُّل التجمع إلى رمزية أمل مع بقية مكونات الشعب السوداني للخلاص من الإنقاذ ومشروعها الذي قاد الوطن إلى دمار غير مسبوق.

تناقضات وارتباكات د. عشاري:
أولاً: ينم مقال د. عشاري عن عدم إلمام بواقع الحال. يقول عشاري: (تحدثت مع الأستاذ صلاح شعيب، الممثل الرسمي لتجمع المهنيين في أمريكا، وطلبت منه أن يثير هذا الموضوع مع قيادة التجمع)، في وقتٍ يعلم فيه الداني والقاصي، والعدو والصديق، أنه لا يوجد تمثيل لتجمع المهنيين بالخارج.

ثانياً: سعي عشاري الحثيث للفصل بين الأصم والثورة، مثلما حاولت الإنقاذ الفصل بين الشباب وبقية مكونات الثورة، فلقنها الشباب درساً في الوعي. ممارسة نفس التكتيك الانقاذي. يقول عشاري: (إذ لن يؤثر شيء في ثورة الشباب، ولن يوقفها مثل هذا الإسناد للأصم.). أي أنَّ تجريم الأصم لن يوقف الثورة. مع ملاحظة أنَّ الشاب محمد ناجي الأصم لم يدعي ملكيته أو قيادته للثورة حتى نستطيع الخوض في المسألة ابتداءاً.

ثانياً: تحت ما أسماه د. عشاري (المحادثة مع صلاح شعيب)، وواضح أنها محادثة هاتفية، إلاَّ أنَّ عشاري يطلب (ألا يرد عليَّ شعيب بصورة خاصة، بل أن ينشر ما توصل إليه، في العلن). مكالمة هاتفية "خاصة" من عشاري، ويطلب الرد أنْ يكون علناً. أمرٌ مدهش ومذهل.

ثالثاً: بالرغم من بدايته لمقاله بإثبات التزوير على الأصم فيقول: (فأقدمُ في هذا المقال، مجددا، الإثباتَ، هذه المرة بطريقة نهائية وحاسمة، أن الطبيب محمد ناجي الأصم زوَّر "إعلان الحرية والتغيير")، إلاَّ أنه يعود لاحقاً للقول (لكن، قد أكون أخطأت في تفسير ما كيفته "تزويرا"، وهو تنازل مني شكلي وغير جاد، أقدمه قصد ترك الباب مشرعا للتوضيح من قبل قيادة التجمع. فالمسألة مسألة وقائع، في جميع الأحوال، والوقائع تدين الطبيب محمد ناجي الأصم، بصورة نهائية وحاسمة). هذا الاقتباس وحده يوضح حجم الارتباك والضبابية التي دخل فيها د. عشاري. فبعد الدمغ بالتزوير يعود ليترك الباب مفتوحاً بأنه قد يكون أخطأ في تكييفه للتزوير. ليترك الباب مفتوحاً للتوضيح من طرف تجمع المهنيين. يسير الآن عشاري في ذات الخط الذي أبتدره فضيلي جماع في مقاله بتاريخ 4 يناير في سودانايل مطالباً بالتوضيح بدلاً عن الإدانة. ولو لم يشر فضيلي إلى ذلك لما تنبه عشاري وربما استمر في أحكامه الجزافية. وربما وجد عشاري مخرجاً الآن لأحكامه الجزافية فيما جاء به فضيلي. وبالرغم من ذلك يستمر عشاري في ربكته وارباكه للقاريء، فينهي جملته بإدانة الشاب محمد الأصم بصورة نهائية وحاسمة رغم اقراره واعترافه بأنه قد يكون أخطأ في تكييف التزوير. وهكذا يدور عشاري في ثلاثية (تأكيد التزوير-خطأ في التكييف-تأكيد التزوير). وفي قمة الصلف والغرور يقدم تكييفه الخاطيء في قالب تنازل، لأنه هو الذي لا يُعلى عليه ولا على كتاباته المتناقضة وغير المتماسكة. هل يستطيع شخص بمثل هذا الارتباك المغلف بالصلف أنْ ينصب نفسه قــيِّـماً وحاكماً وقاضياً ووصياً ؟

وإنْ أردنا الاستزادة في تناقضات عشاري، ها هو تحت بند (4) من الفقرة رابعا، "السؤال عن تجمع المهنيين: إن يبد لكم يسؤكم"، يقول: (إن الكلام الوحيد الجدير بالنظر الآن، بشأن الأصم، هو هذا خطابي الذي فيه أسند الاحتيال للطبيب محمد ناجي الأصم، مرتكزا على البينات المادية). أي بيناتٍ مادية تركن إليها مرة أخرى وأنت القائل والمُـقـر قبل ذلك بظنية الخطأ في تكييف التزوير؟ كيف فات عليك عدم التدقيق في تناقض كهذا؟

من ناحيتي، يجب التأكيد على أنَّ الشاب محمد ناجي الأصم ليس محصناً ضد النقد، ولكن "التجريم" المغلظ والانطباعي غير مستساغ وينأى بالإنسان عن الموضوعية ويجعل المتابع يبحث عن الهدف والغرض والدافع وراء مثل هذا "التجريم"، خاصة عندما يكون تجريماً ممنهجاً يُعاد تدويره كلما خطى تجمع المهنيين خطوة، "واثق الخطوة يمشي ملكـاً" في قلوب الشباب الثائر والشرفاء من أبناء وبنات الوطن.

ويبقى السؤال: إذا كان الشاب محمد ناجي الأصم هو أحد قادة الشباب الذي يقود تجمع المهنيين السودانيين، ولو قدم ما قدم حتى الآن لكفاه، فماذا قدم د. عشاري من جهود لإزالة نظام الإنقاذ المستبد الذي جثم على صدر الشعب السوداني 30 عاماً؟ وماذا يمثل؟ أسئلة حقيقية وليست للاستهزاء أو التقليل من شأن د. عشاري. نأمل منه أنْ يطلعنا على دوره بدلاً من نصب مشانق التشكيك والاقصاء والتجريم لشباب قدم الكثير ويُنتظر ويُرتجى منهم الكثير، ويثق فيه الشرفاء من أبناء وبنات الشعب السوداني.

عودة إلى المقال الأول بتاريخ 3 يناير 2019
ملحوظة: لا أرى سبباً للقاريء لمتابعة هذا الخيط المكرور. ولكن فقط لحفظ التسلسل وتأكيد منهجية عشاري في الحرص الدؤوب على تجريم الشاب محمد ناجي الأصم وتجمع المهنيين السودانيين.

حول حكم التزوير الذي أصدره د. عشاري في حق تجمع المهنيين السودانيين

نشرت سودانايل دوت كوم (sudanile.com)، بتاريخ 3 كانون الثاني/يناير 2019 مقالاً طويلاً تجاوز الأربعة ألف كلمة لـ د. عشاري أحمد محمود خليل تحت عنوان (قيادة تجمع المهنيين السودانيين)، كتبه د. عشاري من موقع تواجده حالياً في سياتل، الولايات المتحدة الأمريكية. ورغم محاولة د. عشاري التأكيد على أنه ليست لديه أوهام عن دور له في تغيير مسار الأحداث السارية نسبةً لتواجده خارج السودان، إلاَّ أنَّ بوصلة المقال واضحة الهدف: النيل من تجمع المهنيين السودانيين وتقزيمه والتقليل من دوره والتشكيك في قيادته.
أحكام مسبقة وكيل اتهامات غير مسبوقة أصدرها د. عشاري في حق تجمع المهنيين السودانيين وفي حق قادته. الغريب في الأمر انَّ عنوان المقال يشي بشيء آخر، تحسبه انتقاداً (انتقاد قيادة تجمع المهنيين). بينما يطفح المقال ليس بالاتهامات، بل بالإدانات المسبقة. ويدحض د. عشاري كثير من مزاعمه وأحكامه بنفسه.

أولاً: يقول د. عشاري: (يريد تجمع المهنيين السودانيين اختزال جميع مكونات المعارضة في كيانه). ولم يقدم دليلاً واحداً لإثبات هذا الزعم. وفي تضادٍ تام لزعمه، لم يذكر د. عشاري موقف قوى وطنية فاعلة مثل قوى الاجماع الوطني ونداء السودان والتجمع الاتحادي المعارض وكتلة القوى المدنية، وكثير من تجمعات المهنيين التي باركت حراك تجمع المهنيين السودانيين، وأصدرت منفردةً او بالتضامن مع التجمع بيانات ومواثيق في إطار قوى الحرية والتغيير. مما ينفي عملياً مزاعم د. عشاري في احتكارية تجمع المهنيين السودانيين للحراك الحالي في السودان، ناهيك عن محاولة اختزال مكونات معارضة لها مكانتها ووسائلها الخاصة في مناهضة نظام الإنقاذ. ويؤكد هذا مشاركة تجمع المهنيين السودانيين التوقيع على (إعلان الحرية والتغيير) على قدم المساواة مع قوى نداء السودان وتحالف قوى الاجماع الوطني والتجمع الإتحادي المعارِض وآخرين. ويضم تجمع المهنيين السودانيين الكثير من الروابط والمبادرات والشبكات والنقابات الوطنية مثل شبكة الصحفيين، نقابة الأطباء الشرعية، لجنة المعلمين، مبادرة استعادة نقابة المهندسين، لجنة الأطباء المركزية، التحالف الديمقراطي للمحامين .. الخ

ثانياً: يوضح د. عشاري الهدف من المقال هو تبيان خطورة الانجراف وراء سراب "تجمع المهنيين السودانيين"، دون الكشف عن ماهية الكيان وهوية قياداته. ولتبرير ذلك يذهب د. عشاري بعيداً في التقليل من المخاطر الأمنية في حق قيادة التجمع، ونسي أنَّ مبدأ الحماية هو أول المباديء في أي حراك أو تحرك، بما في ذلك حماية الشهود، ناهيك عن قادة حراك يواجهون عسف سلطوي غير مسبوق في تاريخ السودان. نلاحظ الكلمات المغلظة والمثبطة للهمم التي يستعمها د. عشاري مثل كلمتي (إنجراف) و (سراب). وكأنَّ جموع آلاف السودانيين التي خرجت للشوارع لا تستطيع التمييز ولا تعرف مقصد سراها ولا إرادة لها أو عقل تميز به وتعرف به مصلحتها، في انتظار إرشادات الطريق القويم من سياتل.

ثالثاً: يرى د. عشاري من موقعه البعيد في سياتل (الغشَّ والخداع والتزوير في سلوك قيادة تجمع المهنيين السودانيين). نلاحظ الأحكام وليست الاتهامات التي ساقها د. عشاري. نعم، نصَّـب نفسه مدعياً وقاضياً. ولكن ماهي أسباب صدور هذه الأحكام القاسية في حق تجمع المهنيين؟ يبدو السبب أكثر غرابة. من الأفضل الأتيان كاملاً بنص ما كتبه د. عشاري. بداية الاقتباس (التزوير في فيديو "إعلان الحرية والتغيير"

فأقدم في هذا المقال خلاصة ما توصلت إليه، بالقراءة المتمعِّنة في كامل خطاب تجمع المهنيين السودانيين، وبالتحديد بعد إجرائي تحقيقا في مدى صدقية نص "إعلان الحرية والتغيير" في الفيديو المنشور في موقع تجمع المهنيين السودانيين في الفيسبوك، وفي رابط نشرته سودانايل، بتاريخ 31 ديسمبر 2018/1 يناير 2019.

https://www.facebook.com/SdnProAssociation/videos/292191584770732/
أركز بالتفصيل على هذا الفيديو، بالتحديد، الفيديو بالتحديد، وأعتمد النص المكتوب من أدلة الإثبات الخارجية على الفيديو.

إذ تَبين لي أن هذا الفيديو جرى فيه تزوير خطير ذو دلالات سياسية. ولا يكون التزوير إلا متعمدا، وإلا لسبب ذي أهمية للمُزَوِّر). نهاية الاقتباس.

ثمَّ يدلف د. عشاري إلى تعريف التزوير والتدليس والاحتيال والقصد والنية الشريرة والاتفاق الجنائي. ورغم حكمه بالتزوير إلا أنه يعود في مقاله إلى مسألة (التفسير الاستنتاجي) ليهدم حكمه المسبق!!!، كما يقدم د. عشاري وعداً لمن يرغب في إجراء تحقيق خاص في تقديم بينات إضافية لإثبات التزوير في حال نفى قادة تجمع المهنيين وقوع أي تزوير!!!

ثم يعود د. عشاري – في كرمٍ فياض منه كما يقول – ليحاول إيجاد عذر مفاده (أنَّ كتابة "إعلان التحرير والتغيير" عملية دينامية ومتغيرة، وفيها شد وجذب بين الكيانات المختلفة المشارِكة في إعداد البيان). ولكنه يحذر تجمع المهنيين السودانيين من الاستفادة من هذا الكرم. أقول لعشاري، التحولات العملياتية والديناميكية على أرض الواقع – إنْ وُجِـدت – كفيلة بتحويل حكم التزوير إلى صفةٍ أقل غلظة وأقل عدائية. ولكن، د. عشاري لا يرى ذلك. بل يستمر في حكمه المسبق على قادة التجمع بالتزوير.

عموماً، من ناحية منهجية، لم يوضح لنا د. عشاري آلية (التحقيق) و(التحقق) التي اتبعها للوصول لحكمه خاصةً وأنه يستعمل كدليل شريط فيديو؟ كما لم يوضح لنا أي وسيلة اتبعها لفحص وتحليل ما يُعرف بال metadata وهل استعان بخبير في مجال الميتاداتا لمعرفة إنْ كان الفيديو قد تم التلاعب به tampered with وأيضاً إلى أيْ مدى تحقق من أصل الفيديو خاصة على ضوء تلميحه بإعمال مقصٍ ما على الفيديو (ويشمل ذلك تحققه من ال authenticity ، وطريقة المحافظة على الميتاداتا ونقلها من يدٍ إلى يد).
من ناحية أخرى، لم يكلف د. عشاري طرح أسئلة بدهية في هذ المقام، مثل التحقق من تجمع المهنيين السودانيين أيهما صدر أولاً البيان أمْ التسجيل؟ أو أيهما التالي للآخر؟ وأيهما يستحق التصحيح والتصويب أو حتى التحديث، وهي أمورٌ متعارفٌ عليها. كما لم يوضح لنا د. عشاري إنْ كان طرح أسئلة لقادة تجمع المهنيين السودانيين لمعرفة مكمن الحقيقة ومن ثمَّ تقديم النصح والمشورة أو النقد. وكل هذه النقاط هي مؤشرات لمعرفة القصد من الكتابة أو الطرح وفي أي خانة يصب.

رابعاً: يطلب د. عشاري من (قيادة تجمع المهنيين أن تدحض ما أدعيه، وأن توضح ملابسات ما أسميه تزويرا، وما قد تسميه هي بالطريقة التي تراها). غض النظر عن خلفية د. عشاري الأكاديمية وخبرته العملية، يبدو هذا الطلب غريباً جداً وهو خطأ فادح جداً. من المعروف لدى العامة أنَّ عبء الإثبات يقع على المدعي أو الجهة التي تمثله. وفي الأمور الجنائية مثل جريمة التزوير، يكون تجمع المهنيين السودانيين في حِـلٍ من دحض مزاعم د. عشاري. إذ يقع عليه عبء إثبات ذلك. ولكن في مقام تنقله بين الاستنتاجات والأحكام المسبقة ثمَّ محاولة أيجاد عذر صاحب عملية كتابة الإعلان، والإتكاء على سابقة الجزولي دفع الله، تجعل ما ساقه د. عشاري في مقام العدم. بل نلاحظ تنقله بين اصدار الاتهامات، والإدانات، ثم يعود لمربع الاستنتاجات، ثم يطلب من (المتهم) إثبات براءته في خللٍ جسيمٍ لمبدأ براءة المتهم إلى أنْ تثبت إدانته. وهو مبدأ سارت به الركبان في عالم اليوم المتقارب إسفيرياً بفعل التكنولوجيا الحديثة، والذي بات يعرف أنَّ مبدأ افتراض البراءة هو من مباديء المحاكمة العادلة. هنا، في هذه الحالة من التضارب وتداخل الاختصاص، والتي يسقط فيها د. عشاري حقوقياً وعدلياً، يـقف د. عشاري ضـد د. عشاري.

خامساً: لعل د. عشاري يهنأ الآن بعد تناقل الأنباء عن اعتقال محمد ناجي الأصم عقب بروز اسمه كأحد أعضاء سكرتارية التجمع، وهو ما يبدو أنه مطلب لـ د. عشاري لمباركة هذا الكيان، لأنه من منفاه في سياتل الرائعة والوديعةصاحبة "الساهر في سياتل" كما يقول ذلك الفيلم الرائع للجميلة ميغ ريان وتوم هانكس – يرى (أنه لا يمكن لتجمع المهنيين أن يتعلل بما قد يسميه مقتضيات "السرية"، أو الظروف الأمنية "في الداخل"، كأسباب لاختفائية قيادته). هكذا يقرر عشاري حول المسألة الأمنية بكل البساطة والتبسيط في جو سياتلي يخلو من عسف سلطة مستبدة ورائحة غاز مسيل للدموع يدخل حتى حلة الملاح في البيوت واعتقالات تعسفية مصحوبة بتعذيب ممنهج للشباب.

بالدارجي كدا، "الساهر في سياتل" الأنيقة الوديعة، هو لا يشبه المساهر بتاعنا وغير العندنا نحن في السودان حيث تنـتـفي كل أنواع المتعة والفرح وأمسيات جمال وحكاوي الخرتوم بالليل في سودان الإنقاذ. ما قبل الإنقاذ كان المساهر هو بتاع اسماعين حسن (البدور يساهر الليل يسافر، بجناح الشوق يزور نجماً بعيد ضوَّاي… الإذا وصفولو أرض الحور تلاقي قوافلو طول الليل تشق التيه، تجر النم مع الحاردلو في الدوباي). امكن فياقة، وامكن لا. المساهر عندنا هو الزول الغالبو النوم، السهران، العندو أرق. والأيام دي بالتحديد، المساهر هو الشاب البكون بفكر في نجاح مظاهرة بكرة، الشابة البتكون بتفكر في تحريك الجامعة، هو الأب البكون بفكر في كيفية زيارة ابنو أو بنتو في المعتقل. هي الأم البتكون تدعو لفلذة أكبادها شاحدة الله ما يصيب جناها وجع أو يغشاهم شر تعذيب في المعتقلات. المحامي البكون رجع منتصف الليل من محاكم الطوارئ. المحامية البتكون بتكتب في مذكرة عشان ما يتم تنفيذ حكم جلد في بناتنا وقداما سويعات للاستئناف. المساهر هو صاحبنا أب شعر أبيض داك البكون رجع بيتو منتصف الليل وجاهو اتصال مجرد الدخول للبيت انو لازم يجي راجع لقسم الشرطة عشان يضمن مجموعة تانية من الشباب تم تحويلها من قسم آخر بعد منتصف الليل. المساهر هو الطبيبة/الطبيب البكونوا بسعفوا في شباب الثورة في عيادات متحركة وقلوبهم تدق هل الشاب دا ح يحيا ولا ح يستشهد، دا إذا ما اكتشفوا إنو المصاب زميل أو زميلة كانوا عاملين اسعاف ميداني في قلب المظاهرات. وسهر لسهر يفرق. عشان كدا، قادة تجمع المهنيين أصلو ما يظهروا لأنهم ما عايشين في جو سياتلي. وسهرهم غير، مثل أحلامهم وتطلعاتهم. وبعيداً عن الحماية، ما يظهروا كمان عشان يزيد وجع وتململ وأرق وسهر وفرفرة حسين خوجلي وطاهر حسن التوم والهندي عز الدين. وربما نضيف ليهم آخرين.

سادساً: ولكن لأنَّ القصد هو التجريم، والتجريم وحده، فإنَّ د. عشاري يتبع سياسة (وقوع الحافر على الحافر) فـينحى لماضي انتفاضة مارس/أبريل 1985 ويستدعي ذكرى د. الجزولي دفع الله، ليؤكد أنَّ حكمه (المسبق) بالتزوير والخداع والغش على قادة تجمع المهنيين السودانيين تدعمه سابقة سياسية. نعم، هكذا. بكل بساطة، يحاول د. عشاري سوق القاريء للوصول لهذه النتيجة. يقول د. عشاري: (فخدعة تزوير الفيديو من قبل قيادة تجمع المهنيين السودانيين شكلٌ مستحدث من أشكال جُمَّاع الاحتيال السياسي مما أسس له في الحياة السياسية السودانية الدكتور الجزولي دفع الله). أية كارثة يسوقنا إليها د. عشاري؟

سابعـاً: ما قاله د. عشاري في حق الأحزاب لا يعنيني.
أعتقد شخصياً أنْ د. عشاري نفسه قام بأكبر عملية تزوير، قام بترتيبها وعرضها في مقال غير متماسك ليدمغ قادة تجمع المهنيين السودانيين بالتزوير. ولأنه يعرف تماماً مآلات مقاله حاول مسبقاً أنْ يذكرها بنفسه فيما يُعرف بسياسة تغطية الظهر والتي يستعمل لها الناطقين باللغة الإنكليزية كلمات غير محببة.

لقد وضع د. عشاري نفسه في خصام غير مبرر مع الواقع السوداني من (سياتله)، ربما لأسباب نجهلها ولم يفصح عنها، وحاول تغليفها في إطار (التزوير) ليدمغ قادة تجمع المهنيين السودانيين بمسبةٍ كريهةٍ لشيء في نفس عشاري وليس في مصلحة التغيير وقواه الحقيقية الفاعلة الآن على أرض الواقع القاسي والمرير والمشحون بالاعتقالات لمجرد الخروج للشارع في تظاهرة، ربما من غير عودة مرة أخرى للبيت. كما حاول تجريد التجمع من المكاسب التي حققها على أرض الواقع، بإشاراته المتعددة إلى (هبة الشباب الأولية) في محاولة لـنـفي دور التجمع اللاحق والثقة التي نالها والتفاف قطاعات كبيرة من الشعب السوداني حوله.

إنْ كان د. عشاري وجَّـه حكمه القاسي بالتزوير – وهو حكمٌ جائر وغير مؤسس وغير ذكي – لتجمع المهنيين السودانيين بالتزوير، فإنَّ شاعرنا فضيلي جماع رغم تبنيه ملاحظة تباين بين البيان والفيديو مثار الحديث لم يتبنَ فضيلي خطاً عدائياً وحكما جُـزافياً ضد تجمع المهنيين السودانيين، فتساءل عـمَّـن بتر الفيديو.

وأخيراً، إنْ كان يقع عبء كبير على د. عشاري لتوضيح ما لم يوضحه، إنْ رغب في ذلك، فإنَّ عتاب المحب يجعلني استغرب موقف صديقنا وشاعرنا فضيلي جماع الذي لم يـرَ في حراك تجمع المهنيين السودانيين وقادته وردةً جميلةً تنبت في أرض الوطن الشاحب ويريدنا هو أيضاً أنْ نمشي على حبلٍ مشدود إلى الأبد بمساندته لأحكامٍ مسبقة – غير قوية المتن ولا الدفوع – أصدرها د. عشاري في حق تجمع المهنيين والشاب الأصم لشيءٍ في نفس د. عشاري.

أقف بقوة ضد العقلية التجريمية التي يتمتع بها د. عشاري ويحاول اسقاطها على الشاب د. محمد ناجي الأصم وتجمع المهنيين السودانيين. وأقف بقوة مع حق الجميع في النقد مهما كانت قسوته في حق تجمع المهنيين السودانيين وفي حق قادته.

كل التقدير لمكونات الشعب السوداني المختلفة التي التفت حول تجمع المهنيين السودانيين، وقادته، من أجل التغيير القادم نحو تغيير يتجاوز النظام ومؤسساته إلى إحداث تغيير في طريقة ومناهج يريد البعض سوق الناس إلى التسليم بها والتسبيح بحمدها بصفتها حقيقة مطلقة. تغيير ضد تلك العقليات.

للإطلاع على المقال الأول، د. عشاري
3 يناير 2019

http://www.sudanile.com/index.php/منبر-الرأي/1040-2-6-3-0-7-7-5/111410-قيادة-تجمع-المهنيين-السودانيين-بقلم-د-عشاري-أحمد-محمود-خليل