أماني الطويل : وحدة السودان خط أحمر والإخوان “ضعاف” دون التحالف مع الجيش
الدكتورة أماني الطويل، الخبيرة البارزة في الشأن السوداني ومديرة البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بالقاهرة
د. أماني الطويل لـ(راديو دبنقا):
إخوان السودان دون تحالف الجيش “ضعاف” ولا يملكون أدوات تأثير حقيقية.
الخط الأحمر المصري في السودان هو “وحدة الدولة” ومنع التفكيك.
شعار “لا للحرب” منح الثورة صوتاً جديداً يضغط بقوة لوقف الصراع.
القاهرة: 27 ديسمبر 2025: راديو دبنقا
اجرى الحوار : أشرف عبدالعزيز
أكدت الدكتورة أماني الطويل، مديرة البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام أن الخط الأحمر المصري في السودان يتركز في حماية وحدة الدولة ومنع التفكيك، مشيرة إلى أن انهيار المؤسسات يمثل تهديداً مباشراً للأمن القومي المصري.
وأوضحت الطويل أن نفوذ “الإسلاميين” مرتبط حصراً بتحالفهم مع الجيش، وأنهم دون هذا التحالف يظلون قوة ضعيفة تفتقر لأدوات التأثير الحقيقية.
كما شددت على أن تعثر الحلول الدولية يتطلب تجاوز “الهواجس السودانية” تجاه الدور المصري وتحديد المصالح المشتركة بدقة، معتبرة أن شعار “لا للحرب” الذي رفعته الجاليات في الخارج منح ثورة ديسمبر صوتاً جديداً يمثل ضغطاً حقيقياً لوقف الصراع ودعم جهود السلام.
وفيما يلي نص الحوار :
دكتورة أماني، لقد تحدثتِ مؤخراً عن نجاح منظومة “الخطوط الحمراء” المصرية في ملفات إقليمية سابقة؛ فكيف ترسم مصر اليوم خطوطها الحمراء في السودان في ظل تزايد التهديدات الوجودية للدولة السودانية؟ وهل يمثل التدخل العسكري المباشر خياراً مطروحاً إذا تم تجاوز هذه الخطوط؟
إن “دبلوماسية الخطوط الحمراء” ليست بالأمر الجديد* فالحكومة المصرية تظهر عادة في لحظات الإدراك الاستراتيجي بأن مسار الأزمة يقترب من تهديد مباشر، أو حين تتراجع أدوات الوسطاء والضغط الناعم. هذه الدبلوماسية لا تعني بالضرورة استخدام القوة، ولكنها تُستخدم كرسالة في بريد الفاعلين الآخرين في السودان سواء كانوا قوى محلية أو إقليمية أو دولية من خلال توضيح كلفة الاستمرار في مسار معين.
في السودان، يتعلق “الخط الأحمر” بوحدة الدولة، ففي ضوء الخبرة المصرية، إن انهيار الدول في الإقليم لم يسفر عن إعادة تركيب، وإنما عن حالة تفكيك مستمر، وربما تكون الحالة في الصومال خير دليل على ذلك. كما أن الخطوط الحمراء ربطت الأمن القومي المصري والمصالح السودانية بعلاقة استراتيجية عميقة مرتبطة قطعا بملفات متعددة، منها: حركة الإرهاب، حوض النيل، ومعنى نشوء فراغات أمنية حقيقية. ولذلك، لا تتعامل مصر مع السودان كقرار سياسي فحسب، وإنما كمكون أصيل في معطيات الأمن المصري.
بالانتقال إلى الداخل السوداني، يرى كثير من المراقبين أن نفوذ عناصر النظام السابق (الإسلاميين) داخل الجيش السوداني يمثل العائق الأكبر أمام أي تقارب سياسي. في تقديرك، إلى أي مدى تملك القيادة الحالية للجيش القدرة على اتخاذ قرار سياسي مستقل بعيداً عن ضغوط هذه المجموعات، خاصة في ملف “اتفاقيات السلام”؟
في تقديري، إن قيادة الجيش تستطيع أن تعيد تموضعها تقارباً أو ابتعاداً عن أي تيار سياسي مهما كان تأثيره، وخصوصاً الإخوان المسلمين والفصائل المتعاونة معهم، لأن مصدر قوة الإخوان في السودان هو التحالف مع الجيش. وإذا ابتعد الجيش عنهم سيفقدون كثيراً، وهم مدركون لهذه الحقيقة، ولذلك يصرون على التحالف مع الجيش وطرح رؤى سياسية مرتبطة به، ويقبلون فكرة الحكم العسكري حفظاً لمصالحهم. وهذا يؤكد كثيراً أنهم دون الجيش “ضعاف” لحد كبير، وليست لديهم أدوات تأثير كبيرة.
مع تعثر مسارات اللجنة الرباعية وتعدد المنابر الدولية (جدة، المنامة، جنيف)، هل تعتقدين أن الحل في السودان يتطلب “هندسة دولية” جديدة تقودها واشنطن، أم أن الحل يكمن في تقليل “الهواجس السودانية” تجاه الدور المصري وبناء تحالف جيوسياسي ثنائي قوي؟
حقيقةً، لا أعتقد أن أي هندسة جديدة للسودان يمكن أن تنجح أكثر من سابقاتها، فالرباعية (مفروض) أن تجد دعماً من كل الأطراف المؤثرة، لأنها النطاق الذي تجتمع فيه الأطراف ذات المصلحة في المشكل السوداني. وبالتالي، فإن استدعاء طرف أو شيطنته مهما كانت خطاياه في السودان ليس في مصلحة وقف إطلاق النار. لا أعتقد أن هنالك هندسة أو معادلات جديدة للوصول لوقف الحرب.
أما مسألة “الهواجس السودانية” تجاه مصر، فهي مسألة معقدة وتاريخية، وتحتاج لأدوات متنوعة ومداخل متعددة في سياق واحد، تتحمل فيها الذهنية السودانية مسؤولية كبيرة، فالأداء السلوكي ناقل للشائعات لحد كبير، ولا يذهب للتدقيق، ويتأثر كثيراً بالإعلام أو اللجان الإلكترونية. كما لم يحدد السودانيون مصالحهم، ولماذا هناك هواجس تجاه مصر؟ لأن السودانيين لم يلتق على مصالحهم أو يتوافقوا عليها، وهذا يظهر بوضوح في نموذج “سد النهضة”، حيث هناك انقسام شديد حتى على المستوى الفني. هذه الحالة من الشرذمة والانقسام قد لا تصل إلى ما أسميه “المصالح الوطنية”، ويبدو أن الإدراك السوداني لفكرة المصالح الوطنية ضعيف، وهذا أحد الأسباب الرئيسية في الهواجس تجاه مصر، خصوصاً أن هنالك فواعل ثالثة تلعب دوراً في مساحة العلاقات السودانية المصرية، وتؤثر لأسباب عرقية أو مناطقية أو أخرى مرتبطة باستخدام أدوات غير أخلاقية، أو لأنها تستخدم أدوات “القوة الناعمة” بشكل أبرع من مصر. فالمسؤولية الكبيرة تقع على السودانيين بأن يحددوا أين مصالحهم مع مصر، مجتمعين أم متفرقين.
كيف تقرأين الزخم الذي عمّ الجاليات السودانية في المهجر مؤخراً لإحياء ذكرى ثورة ديسمبر ورفع شعار “لا للحرب” في العواصم الأفريقية؟ هل يمكن لهذا الحراك الشعبي أن يشكل ضغطاً حقيقياً على الأطراف المتصارعة والجهات التي تعرقل مسار السلام؟
فيما يتعلق بالزخم في ذكرى ثورة ديسمبر، فهو يشير إلى أن الثورة ما زالت تمتلك صوتاً، وأن هذا الصوت له روافع جديدة هي “لا للحرب”. وهذا يجعل موقف القوى الثورية أفضل من القوى الأخرى، ويشكل ضغطاً حقيقياً لجهود وقف الحرب، ويدعم الجهود الدولية والإقليمية الرامية لإنهاء الصراع في السودان.


and then