أدلة جديدة على استخدام أسلحة كيميائية في الخرطوم والحكومة تعلن استمرار التحقيق

لقطة شاشة من مقطع فيديو حول استخدام اسلحة كيميائية في شمال الخرطوم -سبتمبر 2024- تحرير فرانس 24
الخرطوم – 9 أكتوبر 2025 – راديو دبنقا
كشف فريق مراقبي قناة فرانس 24 في باريس عن أدلة تفيد باستخدام القوات المسلحة غاز الكلور في هجماتها على مصفاة الجيلي النفطية وبالقرب منها في شمال الخرطوم، في حادثتين وقعتا في سبتمبر 2024، أثناء محاولة الجيش استعادة المنطقة من قوات الدعم السريع.
وكانت الولايات المتحدة قد فرضت عقوبات على السودان في مايو الماضي بتهمة استخدام الجيش أسلحة كيميائية خلال الحرب ضد قوات الدعم السريع.
وقال فريق التحقيق في تقريره إنه أجرى فحصًا باستخدام تقنيات التحقيق مفتوحة المصدر، وبعد استعراض صور الهجمات التي جمعها المراقبون، أكد خمسة خبراء أنها تتفق مع الإسقاط الجوي لبراميل الكلور. وأوضح الفريق أن الجيش السوداني وحده يمتلك الطائرات القادرة على تنفيذ مثل هذا القصف.
كما تتبع فريق المراقبين مصدر أحد براميل الكلور المستخدمة في الهجمات، حيث تم استيراد الكلور من الهند بواسطة شركة سودانية توفر الإمدادات للجيش السوداني، وكان الغرض منه – وفقًا للمصدر الهندي – «فقط لمعالجة مياه الشرب». ويُعد الكلور منتجًا إنسانيًا ضروريًا في السودان لتنقية المياه في بلدٍ معرّض لتفشي الكوليرا.
ومن شأن الاستخدام العسكري للكلور أن يضع السودان ضمن الدول القليلة التي نشرت هذا الغاز الفتّاك منذ الحرب العالمية الأولى، التي استخدم خلالها على نطاق واسع. وفي الآونة الأخيرة، خلال الحرب الأهلية السورية، وجدت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية “أسبابًا معقولة” للاستنتاج بأن نظام بشار الأسد استخدم الكلور كسلاح في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون.
كما أن الهجومين الموثقين في السودان يشكلان خرقًا للالتزامات الدولية للبلاد بموجب اتفاقية الأسلحة الكيميائية، التي صدّقت عليها في عام 1999. ويُصنَّف استخدام «الغازات الخانقة أو السامة أو غيرها من الغازات» في ساحة المعركة على أنه جريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي لعام 1998، الذي يحدد الجرائم التي يمكن للمحكمة الجنائية الدولية مقاضاة مرتكبيها، رغم أن السودان لا يعترف باختصاص المحكمة.
ووفقًا للتقرير، لم يرد الجيش السوداني ولا الحكومة على طلبات قناة فرانس 24 لإجراء مقابلات.
هيومن رايتس ووتش تتحقق
أعربت منظمة هيومن رايتس ووتش عن قلقها إزاء تقارير تفيد باستخدام الجيش السوداني غاز الكلور كسلاح، معتبرة أن ذلك محظور بموجب القانون الدولي.
وقالت إيدا سوير، مديرة قسم الأزمات والصراع والأسلحة بالمنظمة، إن تحقيقًا جديدًا نشرته قناة فرانس 24 قدّم أول عناصر عامة تؤكد مزاعم الولايات المتحدة، مشيرة إلى أن الجيش السوداني ربما استخدم الكلور في حادثتين خلال سبتمبر/أيلول 2024.
وأظهرت الصور التي نشرتها قوات الدعم السريع في مايو 2024 سحابة صفراء خضراء مميزة لغاز الكلور. وتمكن فريق مراقبي فرانس 24 من تحديد موقع الصور ومقاطع الفيديو المنشورة في سبتمبر 2024 في قاعدة قري العسكرية ومصفاة الجيلي النفطية شمال الخرطوم. وأكدت هيومن رايتس ووتش أنها تحققت من الموقع بشكل مستقل.
وطالبت المنظمة جميع الدول الأطراف في اتفاقية الأسلحة الكيميائية بدعم تحقيق شفاف تجريه الأمانة الفنية لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، بما في ذلك إجراء تفتيش تحدٍّ. كما دعت الولايات المتحدة إلى نشر الأدلة التي استندت إليها في فرض عقوباتها على البرهان.
رد على طلب تشادي
تقدّم السفير إدريس إسماعيل، رئيس اللجنة الوطنية للتحقيق في المزاعم الأمريكية بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية، بردٍّ على ورقتين قدمتهما تشاد في يونيو الماضي أمام المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، تحت البند السادس من جدول أعمال الدورة الـ109 المتعلق باستخدام الأسلحة الكيميائية، طالبت فيهما السودان بتوضيح مزاعم استخدام هذه الأسلحة.
وقال السفير خلال اجتماعات المنظمة في لاهاي إن ما يقوم به السودان هو تحقيقات موضوعية تنفي تمامًا أي ادعاء بوجود إنكار أو تقاعس عن التعاون، داعيًا دولة تشاد إلى الاضطلاع بمسؤولياتها الإقليمية ومنع تدفق السلاح والمقاتلين عبر حدودها إلى المليشيا المتمردة التي ترتكب انتهاكات جسيمة بحق الشعب السوداني.
وأكد أن السودان سيواصل التعاون الكامل مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والدول الأعضاء، التزامًا بأهداف الاتفاقية وسعيًا إلى عالم خالٍ من الأسلحة الكيميائية.
وأشار وفد السودان إلى استمرار انخراطه البنّاء مع الولايات المتحدة الأمريكية بشأن المزاعم التي أعلنتها في مايو 2025 حول استخدام أسلحة كيميائية في عام 2024، مشيرًا إلى أن مجلس السيادة الانتقالي أصدر القرار رقم (2025/139)، وما ترتب عليه من تشكيل لجنة فنية تضم مختصين من الجهاز الوطني لحظر الأسلحة الكيميائية، والكوادر الطبية، والطب العدلي، والأدلة الجنائية، وجهات وطنية أخرى ذات صلة.
وأكد البيان أن اللجنة الوطنية تواصل أعمالها رغم الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد نتيجة الحرب المفروضة منذ أبريل.
تجميل صورة الحكومة
من جانبه أكد أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعات، د.عبدالناصر علي الفكي، إن مشاركة حكومة الأمر الواقع في السودان في فعاليات الدورة الـ110 للمجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية تُعد خطوة إيجابية، وكذلك ما سبقها من تكوين لجنة خاصة بالتحقيق في الاتهامات الموجهة للحكومة بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية في صراعها مع قوات الدعم السريع.
وقال الفكي في حديثه لـ”راديو دبنقا” إنَّ تكوين اللجنة، بغض النظر عن نتائج أعمالها، أو حتى لو تم التعامل معها على أنها محاولة لتجميل وجه الحكومة في ظل الانتهاكات الواسعة التي تُرتكب في السودان، مشيراً أن الحرب الدائرة في البلاد هي “حرب اللا أخلاق” بكل ما تعنيه الكلمة من حيث العبث وانعدام الاخلاق والالتزام بالقوانين الدولية المنظمة التي تعمل بالضرورة لأن تكون الحروب نظيفة، سواء في ما يتعلق بحماية الأسرى أو استهداف المنشآت أو نوعية الأسلحة المستخدمة وقال إن كل ذلك غير موجود في الحرب السودانية.
واشار إلى غياب الحقيقة بشكل عام، سواء على مسرح ميدان الحرب أو الانتهاكات أو الدمار الواسع الذي طال البنى التحتية، مشددًا على أنه لا توجد شفافية أو وضوح حول من يستهدف من، أو من المسؤول عن هذه الجرائم والانتهاكات المستمرة.
وحذر الفكي من أن تشكيل لجنة دولية وزيارتها للسودان في ظل الأوضاع الراهنة وغير الآمنة الآن وفي ظل وجود مهددات كثيرة يصبح أمرًا غير مجدٍ، كما أن استنزاف الوقت يؤديان إلى ضياع الأدلة والشواهد والمؤشرات التي يمكن أن تساعد في الوصول إلى الحقيقة.
وأضاف أن الحرب السودانية قائمة على اللاحقيقة ولايوجد شئ على مستوى الإعلامي وأو على مستوى الانتهاكات، مؤكداً أن الانتهاكات موجودة ويوجد عمل إعلامي وقانوني وحقوقي لكنه قائم على مستوى فردي، منتقداً ضعف المؤسسات القادرة على إجراء تحقيقات مهنية في مجال استخدام الأسلحة البيولوجية أو الكيميائية.
العدالة الدولية
وأكد الفكي أن المتضرر الأول والأخير من هذه الحرب هو المواطن السوداني، الذي يعيش اليوم بين اللجوء والنزوح، بلا أمان ولاعلاج ويواجه الأمراض وتدهور الأوضاع المعيشية، داعيًا إلى وقف وإنهاء الحرب فورًا وإجراء تحقيقات شاملة حول الانتهاكات والدمار الذي لحق بالبيئة والإنسان، مشيرًا إلى أن استمرار هذا الوضع يهدد مستقبل الأجيال القادمة في السودان.
وعبر عن أمله أن تتعامل منظمة حظر الأسلحة أن تعمل بنوع من العدالة تجاه الدول وحذر من أن تكون مطية لاستخدام الكيانات الكبيرة أو الدول الخمسة الكبار في تحقيق أهدافها وأجنداتها في استغلال موارد الدول وما سماه بـ”التبعية” في التعامل مع الأنظمة إخضاعها، باستخدام هذه المنظمة ككرت أوأداة للضغط على الدول الصغيرة.
وأعاد التذكير بما حدث في العراق وإيران وكثير من الدول بينما تتغاضى وتتعامى هذه المنظمة عن إسرائيل وما تمتلكه من أسلحة كيماوية ونووية واستخدمت الكثير من الأسلحة الكيماوية ضد مواطني غزة.وتابع قائلاً: ” فنحن محتاجين حتى للعدالة في إطار المجتمع الدولي”.
وبدا الفكي غير متفائل كثيراً بالمنظمة وتحقيقاتها التي تجريها وقراراتها التي تصدرها كونها أصلا لاتتعامل بنوع من العدالة على المستوى الإنساني، بينما في كثير من الأحيان قراراتها لجان تحقيقها تخضع للضغوط والعلاقات والمصالح بين الدول الكبار.