محمد بدوي: السودان: وفرص الوصول للتغير (3-3) ..

إنعكاس التغيرات السياسية التي مرت بها مصر و تونس في الفترة من (2010 الي 2014) في تقديري ما أجبر الإدارة الامريكية علي التراجع عن …

محمد بدوي(ارشيف)

بقلم: محمد بدوي

 

إنعكاس التغيرات السياسية التي مرت بها مصر و تونس في الفترة من (2010 الي 2014) في تقديري ما أجبر الإدارة الامريكية علي التراجع عن دعم فكرة سيطرة المجموعات الإسلامية علي السلطة في كلا الدولتين، والفوضي التي شهدتها الحالة الليبية و تمدد الجماعات الاسلامية إليها بعد ان تمكنت من السيطرة علي مساحة واسعة من العراق وسوريا، كما شكل عزل الرئيس محمد مرسي خطوة مفاجئة أربكت حسابات الحركة الاسلامية السودانية بكل فريقيها التي كانت تري في سيطرة (أخوان مصر ) علي السلطة اضافة لتحالف " وادي النيل الاسلامي ".

صعود القوات المسلحة المصرية الي السلطة عبر الرئيس عبدالفتاح السيسي كان بمثابة التحدي الذي رضخت له كما أشرنا الإدارة الامريكية بل عملت علي دعمه لاحقاً، عبر وكلائها بالخرطوم في إبعاد قادة الحركة الإسلامية السودانية من المناصب التنفيذية القيادية و برز ذلك بوضوح في 2014 بابعاد الاستاذ علي عثمان طه ، الدكتور نفاع علي نافع ، و الدكتور عوض الجاز و أخرين ..، ثم في التشكيل الحكومي الذي أعقب الإنتخابات العمومية لعام 2015 بإبعاد مجموعة اخري منها ولاه بالولايات ، في تقديري أن الهدف عمد قطع الطريق علي الحركة الاسلامية السودانية في أن تجعل من الخرطوم حاضنة ل(أخوان مصر الفارين ) من الملاحقة القضائية، وعزز من ذلك إعلان المملكة العربية السعودية جماعة الأخوان المسلمين كجماعة إرهابية في خطوة عمقت من الحصار الجغرافي.

قادت هذه التطورات الي بروز حدثين في المشهد السياسي السوداني حيث ترتب الأول علي الأخر كنتيجة و تمثلا في تقارب حزب المؤتمر الشعبي (الذي فارق تحالف المعارضة ) و المجموعة المسيطرة علي السلطة بالحزب الحاكم بقيادة الرئيس عمر البشير ، الأمر الذي مهد للدكتور حسن الترابي الأمين العام السابق للمؤتمر الشعبي و عراب الاسلاميين السودانيين بمقترح الحوار السياسي الذي عرف شعبيا بحوار الوثبة و الذي قاد الي سيناريو حكومة الوفاق الوطني ، سياسيا في تقديري ان هدف الخطوة ماثلت " مخرج الطواري " بهدف قطع الطريق علي تراكم حراك التغيير السوداني علي نسق (الربيع العربي) وذلك بالالتفاف عليه لتحوير بوصلته من (اسقاط النظام ) إلي (مشاركة هامشية في السلطة ) مع الابقاء علي جوهرية مفاصل القرار بيد الحزب الحاكم. ،بالنظر الي الحراك السياسي جاء رد فعل أحزاب المعارضة السياسية الأساسية و المؤثرة رافضاً للمشاركة بحجة أن مناخ الحريات في الواقع لايمكن معه إدارة حوار ما لم يتم الغاء القوانيين المقيدة، وفي تقديري ان التركيز علي " شعار اسقاط النظام " كان هو الموقف المناهض لما عمد اليه الحزب الحاكم من مناورة لكن رفض المعارضة الذي اقترن بالاشتراط منح الخرطوم فرصة للتسويق السياسي دولياً و إقليمياً لرغبتها في الإصلاح السياسي.

علي الجانب الاخر من مسرح الاحداث كشفت ما عرف (بقضية الفريق طه ) عن احد سيناريوهات المجتمع الدولي نحو قضية التغيير الذي يمكن تلخيصه في فلسفة ( الاحلال و الابدال) المبنية علي سيطرة تتطابق و مصالح المجتمع الدولي سياسيا واقتصاديا، فاذا هذا المشهد لابد من الاجابة و البحث عن الخطة (ب) التي لا تزال غائبة عن المشهد في ظل رفض المملكة العربية السعودية التي تقف منفذا لسياسات الادارة الامريكية علي وجه التحديد من الدعم الاقتصادي وهنا تجدر الاشارة الي مغزي خطوة الرئيس السابق باراك اوباما الذي بادر الي تحريك ملف رفع العقوبات قبل وقت قصير من مغادرته للبيت الابيض ، مما مهد اي رفع العقوبات الاقتصادية لاحقا بالرغم من حزم الشروط التي الزمت بها الخرطوم والتي منها عدم التدخل في شئون دولة جنوب السودان الامر الذي تطور لاحقا للاعلان اعلاميا عن امكانية لقاء الرئيس سلفاكير و نائبه السابق الدكتور مشار في الخرطوم قبل ان يتم الاعلان لاحقاً عن اديس ابابا كمقر للقاء الامر الذي يعزز من نهج تعامل مع كل من (الخرطوم و جوبا) بما يعزز سيطرتها السياسية و لا سيما في ظل السباق الدولي بينها و روسيا .

بالنظر الي واقع المعارضة في الفترة من (2010 -2014 ) او فترة الربيع العربي (الحزبي السياسي المعارض و الحركات المسلحة ) لم يظهر ما يشير الي التنسيق بينها اضف الي ذلك عدم وضوح الخط السياسي حيث غاب الإتفاق علي إسقاط النظام الإ بعد العام 2016 كشعار معلن، وهنا تجدر الإشارة إلي أن بعض الحركات الشبابية مثل (قرفنا) كانت قد سبقت الي ذلك الشعار في العام 2010 قبل إنعقاد الأنتخابات العمومية. ، فقداهدرت العديد من الفرص للتنسيق ابتداء ب ( مؤتمر جوبا 2010 و حتي مبادرة نداء السودان 2014 ) مما شكل غيابا للسؤال الجوهري للتغيير أو التسوية السياسية في كيف يحكم السودان ، و ليس من يحكم سيحكم السودان الامر الذي استثمرته الخرطوم سياسيا امام المجتمع الدولي باعادة الدفع بسؤال البديل السياسي ؟ الامر الذي عملت الخرطوم علي استغلاله في مقاومة الحل الشامل للازمة السياسية الذي يقابل عمليا (اسقاط النظام ) والتمسك بفكرة تعدد المنابر التفاوضية الذي تمترست خلفه فكرة الابقاء علي المعارضة بشقيها تحت نفوذ التمثيل الجغرافي بالرغم من وحدة جذور الازمة السياسية.

عدم الانتباه السياسي لما إشرنا اليه عاليه وظفته الخرطوم في قصم التضامن الشارع السوداني علي ذات النسق الجغرافي بل مضت اكثر علي الدفع بفزاعة الانتقام العنصري و حالة الفوضي لتنجح في قطع الطريق علي مفهوم التغيير السياسي بغرس نسبي لفلسفة المفاضلة في القاموس السياسي ساهم في تعميق ذلك الخطاب المعارض الذي ركز جهده علي نقد نتائج ممارسة السلطة دون الانتباه الي الدفع بالحلول او فتح افاق لمخاطبة مرحلة ما بعد التغيير بشكل تفصيلي ومتماسك علي سبيل المثال طرح وثائق اصلاحية او رؤي استراتيجية شاملة لعبور التخريب الممنهج الذي طاله السودان منذ 1989، الامر الذي فتح الباب لمبادرات فردية متعددة ومتكررة تمركزت حول شعار إسقاط النظام الامر حتي وصلت من التكرار مرحلة التطابق النظري مع غياب ايضاً لحلول تفصيلية، في تقديري ان ذلك يفسر حالة عدم تفاعل الشارع معها بالرغم من ان الشرط الموضوعي قد تخلق اكثر من مرة متمثلة في الاحتجاجات 2012 – 2013 – 2016 و 2018 ) كنتاج تراكمي للازمة الاقتصادية الخانقة التي ظلت الخرطوم تمر بها منذ 2011 . الازمة عقب إنفصال الجنوب و ذهاب عائدات البترول بالاضافة الي التبديد المستمر لموارد الدولة ( من ارضي، ذهب، بترول ) في تمويل الصراعات المسلحة، الي جانب الفساد المرتبط بالتمكين و سؤء التخيطيط السياسي لادارة الاقتصاد و التي خلقت وضعا إقتصاديا معقدا يعصب الخروج منه قريبا كما اشار وزير المالية محمد عثمان الركابي امام البرلمان السوداني في يونيو 2018 و هنا تجدر الاشارة الي طرح سؤال هل يمكن لدولة ان تعتمد علي القروض او الصفقات القتالية كمورد اقتصادي للتسيير ؟ بالطبع الإجابة لا ! ، وهنا يدفعنا الامر الي قراءة مشهد التغيير علي تلك الفرضية و اول ما يتصدر الممسرح هو سيطرة الاسلاميين السودانيين المناؤيين للبشير علي مفاصل الاقتصاد بشكل منظم يستند علي فلسفة رأسمالية تتطابق واجندة النظام الرأسمالي العالمي، بل لا زالوا يمتلكون زمام اللعبة السياسية قد يجعل من صعودهم الي السلطة يتم باشكال غير مباشرة علي طريقة " الخديعة " فعلي الرغم من القمع الذي مارسته مجموعة الرئيس البشير الذي قابلته المجموعة الاخري بتكتيك سياسي افشل عليه الانقضاض السريع عليهم أو اقترابه من الحلف الاسلامي الاقليمي الرأسمالي للحصول علي دعم اقتصادي اقليمي او دولي .

الاعتقالات التي طالت الصف الثاني من الوسطاء أو وكلاء " القطط السمان " مؤشر الي ان الاقتصاد السوداني يقع ضمن قمة اجندة التغيير عبر التفكير الجاد في طرح حلول عملية في كيفية تجاوز هذا المنعطف ، في تقديري ان الثروات المهملة من الاستغلال يمكن ان تشكل عماد التفكير في كيفية استغلالها لما يحرر الاقتصاد من قبضة الراسمالية ، التي بالنظر الي خارطة تمرر نفوذها علي الموارد الجديدة مع الاخذ في الاعتبار ان السودان ذاخر بموارد تحتاج الي جهود علمية في التعامل معها علي سبيل المثال الصمغ العربي رغم المضاربة فيه اعادة التفكير فيه بشكل جدي ، مثال اخر النقل النهري و التبادل التجاري الحدودي فعلي سبيل المثال فقد بلغت حجم خسارة السودان 7 ملياردولار امريكي -في الفترة من 2011 الي 2016 بعد قرار اغلاق الحدود مع جنوب السودان علي ذات النسق يمكن النظر الي حصيلة العائدات من التجارة مع مصر ، أريتريا، تشاد و افريقيا الوسطي علي سبيل المثال لا الحصر ، بالإضافة الى اعادة التفكير في احداث التوازن بدعم القطاعين الرعوي والزراعي باعتباره فرصة ايجابية للخصوصية التى يتمتع بها السودان في كليهما، بل بوسع حركة الطيران المدني عبر المطارات الدولية السودانية، أن تطابقت و المواصفات الدولية، ان تصبح مورداً قومياً اعتماداً علي الموقع المميز للسودان، إنشغال المعارضة بمسالة ترشيح الرئيس البشير لانتخابات 2020 يؤخر تخلق لحظة التغيير بوضعها في اطار سقفه الأقرب 2020 في ذات الوقت، و يزيل الكثير من العناء من علي عاتق المجموعة المناوئة من الاسلاميين التي تستغله في اتظيم صفوفها مع الاخذ في الاعتبار بانها اكثر المجموعات تنظيماً وموارد ،في ظل واقع فشل الشارع السوداني في رؤية ضوء يشير الي اخر النفق مما انعكس في الاستسلام لواقع صفوف الوقود بل تعامل معه كأمر واقع ما يفسر غياب المقاومة بالركون الي انشطة لكسر الملل من الانتظار .

ايضا ًغابت جهود المعارضة من استثمار الضغط الدولي الذي واجهته الخرطوم اذاء تعاملها مع الاحتجاجات السلمية فعلي سبيل المثال فقد اشار تقرير الخبير المستقل لحقوق الانسان في 2014 (مشهد بدرين) بان تعامل الخرطوم تجاه محاسبة مرتكبي احداث احداث سبتمبر 2013 (ليس بالمقبول قانونيا او اخلاقيا ) ، قاد ذلك التراخي الي استغلال الخرطوم استراتيجي من قبل الخرطوم ليبدا في مخاطبة اجندة المجتمع الدولي وفقا لقائمة المصالح ابتداء من تسهيل الحصول علي معلومات عن الجماعات المتطرفة في يناير 2016 أشار تقرير للمركز الليبي لدراسات الأرهاب بان عدد السودانين المتحقين بداعش بلغ 455 شخص ، كما نجحت في الترويج للخرطوم كدولة معبر للهجرة غير الشرعية تمكنت معه من الاقتراب من الاتحاد الاروبي ، اقليميا استطاعت الخرطوم تكوين تحالف افريقي منظم في مواجهة العدالة الدولية بينما تباعدت جهود المعارضة من تفكيك الخطاب و الخطوات التكتيكية امام المجتمع الدولي ، حالة تباعد تحالفات المعارضة ورؤاها مع عوامل سياسية اخري دفعت بمسالة تقرير المصير الي صلب المسرح السياسي مرة اخري الامر الذي عبر عن واقع جديد في حوجة بالغة للتعامل معه بما يستحق سياسياً وقانونياً في سياق الاجابة علي كيف يحكم السودان ؟ فتقرير المصير نظريا يجد سنده في المواثيق التي تحمي حقوق الشعوب الاصيلة و مواثيق اخري ، كما يظل تحققه عملياً رهين توفر شروط موضوعية سياسية و قانونية ، وتجدر الإشارة إلي أنه من الخطأ المطابقة بين ممارسة ذلك الحق و مفهوم الانفصال لانه الاخير " قد يكون نتاج ممكن أو لا ".
اخيراً زيارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب الي المملكة العربية السعودية 2017 تلتها تطورات سياسية في المشهد السوداني كشفت عن احدي سيناريوهات المجتمع الدولي تجاه السودان في الدفع الي سده الحكم من يحقق مصالحها بترجيح فرض من يمسك بزمام الملفات السياسية والامنية ، دون الالتفات الي ما يعنيه التغيير للشارع السوداني وهنا مربط الفرس الذي يجعل من الوصول الي التغيير المطابق لمفهوم الثورة يعبر عبر وحدة المعارضة و التفاف جهودها حول كيف يحكم السودان ؟ و توثيق علاقتها بالشارع السوداني الذي ينتظر رؤي تفصيلية لوثائق ما بعد التغيير مع الاعتبار الي ان التجربة التونسية علي وجه الخصوص اثبتت ان ارادة الشعوب ( الاجندة الوطنية ) لا يمكن للمجتمع الدولي ( تطويعها لمصلحته) ، الوعي بان البديل هو ارادة التغيير الشامل تمثل اجابة شاملة تساهم في تسريع تخلق اللحظة التاريخية التي تمضي تراكم شروطها الذاتية والموضوعية نحو حدث يجب توجيه بوصلته نحو تغيير او تسوية سياسية تستند علي فلسفة " الحل الشامل " ، فالراهن لن يكون أفضل من القادم فالشعب السوداني الملهم ( سيظل معلماً ) إن تمعنا نقاط قوته تاريخيا فهنالك فرق كبير لانعكاس الصورة في المراة بين ( الحكومات التي مرت منذ الاستقلال و إرادة الشعب ).

[email protected]