صلاح قوش وعودة الإسلاميين إلى القصر

بعد اربع سنوات من عمليات استبعاد متتالية للاسلاميين من القصر وأجهزة الحكم العليا في مابعد إسقاط حكم الإخوان المسلمين في مصر واقتراب البشير من معسكر الخليج

.

 

بقلم. عثمان نواي 

بعد اربع سنوات من عمليات استبعاد متتالية للاسلاميين من القصر وأجهزة الحكم العليا في مابعد إسقاط حكم الإخوان المسلمين في مصر واقتراب البشير من معسكر الخليج المناهض للتنظيم الدولي للإخوان، بدأ اليوم البشير خطواته المعلنة للتراجع إلى الخلف. فالعسكر الذين كان استبدلهم بالاسلاميين وبعض الشخصيات التي تحسب على المؤتمر الوطني أكثر منها على الحركة الإسلامية من أمثال الفريق طه والوزير  غندور، فهؤلاء يبدو أن البشير قد وصل إلى درجة عالية من الرعب والخوف وانعدام الثقة فيهم. وخاصة العسكريين وأولهم بكرى حسن صالح ومعسكر الفريق طه وعلى رأسه الرئيس المعزول لجهاز الأمن محمد العطا.

ان إعادة صلاح قوش إلى منصبه على رأس جهاز  الأمن الوطني لا يأتي بعيدا عن تصريحات على عثمان محمد طه الأخيرة حول دعمه لترشيح البشير. حيث أن البشير الذي هرب من معسكر الإسلاميين بحثا عن حماية خليجية تدعم بقاؤه في السلطة، هاهو مرة أخرى يعود إلى حضن الإسلاميين بعد أن علم أن الخليجيين قد انقلبوا ضده. فمصالح الخليج الاقتصادية تحتاج إلى درجة عالية من الانفتاح على الغرب  وخاصة أمريكا وأوربا، وهذا ما دفع الأمير سلمان إلى الخطو سريعا نحو علمنة السعودية وإنهاء الدولة الدينية هناك. وبالتالي فهم يريدون سودان يخلو أيضا من أي عوائق لاستثماراتهم، فوجود رئيس مطلوب جنائيا على المستوى الدولي يعيق كثير من عمليات الاستثمار، لذلك من صالح الخليج إزاحة البشير. هذا إضافة إلى أن أزاحته تعني التخلص أيضا من الإسلاميين الذين أتوا به، إضافة إلى نزع فتيل الاحتقان السياسي في السودان وإنهاء احتمالات الثورة الشعبية عبر انقلاب قصر أو أزاحة سلسة للبشير، وهذا كان مخطط الفريق طه الذي فشل فيه بعد أن قامت تركيا وقطر  بتحذير البشير من الخطر القادم من السعودية.

والان بعد زيارة أردوغان الأخيرة فإن الإخوان المسلمين في السودان عادوا الي الواجهة، باعتبارهم السند القادر على حماية البشير في هذه المرحلة. لكن التعميم ربما يكون مخلا. فشيوخ الإخوان المسلمين يريدون بقاء البشير بينما الشباب يرغبون في أزاحته. وعلى رأس الشيوخ  على عثمان. ولكن على عثمان نفسه يبدو أنه يلعب لعبة كبيرة هدفها كما قال ذلك في لقائه قبل أسبوعين مع الهندي عزالدين( أنه يرغب في بقاء البشير لأنه يختار الاستقرار) . لكن هذا الاستقرار نفسه هو استقرار مرحلي بالضرورة. فليس من مصلحة على عثمان نفسه كقائد لتنظيم الإسلاميين وأب روحي أن يبقى البشير أكثر من ما بقى. ولكن يبدو أن هناك أوراق يرتبها الإسلاميين فيما بينهم لإيجاد بديل آمن وصناعة تحالفات إقليمية ودولية أقوى. 

على كل حال فإن الايام القادمة تبدو حبلى بالكثير من التغييرات فان  عودة دائرة الثقة التي يعتمد عليها على عثمان إلى صدارة المشهد ممثلا في حلقة قوش وعوض الجاز ونافع على نافع إنما تعد أيضا إحدى أشكال اكتمال دائرة الصعود والهبوط للحركة الإسلامية في السودان. فهي لا شك الان كما البشير تلعب لعبتها الأخيرة في محاولة منها لاستعادة السيطرة على الأوضاع ولكن بنفس اللعبة والأشخاص القدامى. وهذا ربما هو الخطأ القاتل الذي سوف يؤدي إلى أن تحرق الحركة الإسلامية آخر أوراقها بنفسها. على كلٍ فإن ما حذرنا منه قبل فترة من حقيقة أن الإسلاميين لا يرغبون وليسوا بمستعدين على الإطلاق لترك السلطة أو التنازل عن جزء منها، أو حتى الاعتراف بفشلهم في إدارة الدولة بعد ربع قرن، أن ما حذرنا منه يتجلي الان عبر عودة صلاح قوش إلى السيطرة علي جهاز الأمن الوطني وهو ما سيؤدي إلى تغييرات واسعة في الأجهزة الأمنية والعسكرية أيضا على التوالي كما أن تغييرات أخرى ستتوالي في الفترة المقبلة. عليه فإن البلد ستدخل في نفق لعبة جديدة بالزمن يلعبها الإسلاميون في محاولة لإطالة عمرهم. وفي ظل حالة انعدام الرؤية الواضحة للمعارضة وعدم قدرتها على استغلال لحظات ضعف النظام لأقصى الدرجات فإن بقاء البشير ربما سيكون وسيلة حماية للإسلاميين حتى يجدوا أو يتفقوا على بديل للبشير ، ولكن هل ستتمكن المعارضة وبقية القوي السياسية من  إيجاد بديلها وتصنع تغييرا  مؤثرا قبل الإسلامييين، هذا هو السؤال الأصعب والمصيري الذي سيواجه السودان شعبا ودولة خلال الفترة القليلة المقبلة.